«يجب»... وليس «يحب»


نشر في 29-10-2009
آخر تحديث 29-10-2009 | 00:00
 ضاري الجطيلي كلما تذكرت حديث الدكتور أحمد الخطيب في مقابلة لصحيفة «الطليعة» شاركت في إجرائها العام الماضي، عن كيف كان وزملاءه في السابق يمررون القوانين المهمة والمصيرية إلى رمزي الحكومة آنذاك المغفور لهما الشيخ جابر الأحمد والشيخ سعد العبدالله لتتقدم بها الحكومة بدلاً منهم لرفع الحرج السياسي، مضحين بتسجيل أسمائهم على القوانين في سبيل تحقيق مصلحة البلد بإقرار القوانين، كلما تذكرت حديثه شعرت بحجم الفراغ الناتج عن فقدان الحكمة حالياً في الساحة السياسية بشقيها البرلماني والحكومي في ظل التسابق بينهما على تسجيل النقاط ودغدغة المشاعر وتبديد الثروة الوطنية. وأحد أسباب الفراغ هو غياب أصحاب الرأي إما بسبب ضمور نشاطهم وإما لأن رأيهم لم يعد له قيمة لدى السلطة.

إن ولادة مجموعة الـ26 تعطي شعوراً بالارتياح، فأخيراً ظهر من باستطاعته تحريك المياه الراكدة وقيادة الطرح في الساحة- كما شهدنا منذ بدء نشاط المجموعة- من دون الارتباط بمصالح شخصية أو انتخابية، فقد بات واضحاً أن الصوت الغالب في مجلس الأمة هو الصوت المنقاد وراء الطرح الشعبوي، وأن أغلب النواب مازالوا أسرى الناخبين ولا يمكنهم لعب دور القيادة والحكمة والمسؤولية أمام مطالبات تبديد الثروة، لذلك فإن تصدي مجموعة الـ26 لسلبيات تبديد الثروة، وهدر الأموال العامة، وإفساد قيم المجتمع الاقتصادية والاجتماعية، يسد ذاك الفراغ الذي أحدثه النواب بانقيادهم خلف المطالب الشعبوية.

ومن جانب آخر، فإن ما يكمل الشعور بالارتياح أيضاً هو تعامل السلطة المستجد مع المجموعة، وذلك بعد سنوات من انحسار قابلية الاستماع إلى الرأي الحكيم والناقد، إما ضيقاً به وإما فهماً خاطئاً للعلاقة ما بين السلطة والشعب، ففي جلسة مغلقة في الشتاء الماضي عاب أحد أبناء الأسرة البارزين والمقربين إلى مراكز القرار والساعين إلى الحكم على التيارات السياسية عدم استيعابها للتحولات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع، لافتاً إلى أن النخب لم تعد تشكل قوة ومرجعية، ما ينم عن فهم مغلوط لأسس الحكم والمشورة بالانقياد خلف تزايد «أعداد» هذه الفئة الاجتماعية أو تلك وتجاهل أصحاب الرأي، لذلك فإن فتح السلطة أبوابها لمجموعة الـ26، وظهور إشارات تأييد أطروحاتها يشعر بالاطمئنان، ولعل تأكيد سمو الأمير في افتتاح دور الانعقاد الثاني أن أبوابه مفتوحة للجميع كاف لإعادة ترميم تلك العلاقة المفقودة ما بين السلطة وأصحاب الرأي.

لربما نختلف مع مواقف وتاريخ بعض أعضاء المجموعة، ولكن نحكم عليها بقياس القضايا التي تتبناها، ويبقى أمامها طريق طويل للوصول إلى ثقل واحد مثل الراحل العم يوسف إبراهيم الغانم على سبيل المثال، ولكن لكل طريق بداية. ومهما كان الاختلاف على التفاصيل، تبق حقيقة أن وجود الرأي الذي «يجب»- وليس «يحب»- أن يسمعه الحكم، هو حاجة وضرورة لاستمرارية الدولة والحكم وليس ترفاً، وأن الفراغ الآخذ في الاتساع باستمرار صدود السلطة وغياب أصحاب الرأي، هو الوضع الشاذ الواجب تعديله.

back to top