مستقبل الكويت يستحق نقاشاً أفضل

نشر في 10-05-2010 | 00:01
آخر تحديث 10-05-2010 | 00:01
 علي الموسى  شعارنا في ثقافتنا السياسية: "نحن قوم لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر"، و"حب وقول وأكره وقول". وهذا هو الموقف العام من موضوع التخصيص. فمن مناد به يراه خيراً كله إلى معارض له يراه شراً كله، وتاه كنه الموضوع في خضم تشتيت انتباه الجمهور، وخصوصاً بتصويره على غير حقيقته، وتحويل التباين الطبيعي في الرأي حوله إلى مادة للصراع السياسي والتأزيم، ولا شك في أنه تحد صعب. وهذه محاولة لوضع الخصخصة بالكويت في حدودها وموضعها الطبيعي - بعجالة وبشكل مقتضب.

التخصيص وسيلة لا غاية بذاتها، وهو سياسة مطبقة في أكثر من مئة وعشرين دولة على مدى أكثر من ثلاثين سنة. ولقد كانت هذه السياسة سبباً في تحقيق ازدهار بعض الدول (الصين التي خصصت 168 مشروعاً بقيمة 159 مليار دولار بين 2000 و2007 وماليزيا والهند)، بينما كانت سبباً في تعميق الفساد والتشوهات الاقتصادية في دول أخرى. وحركة التخصيص عالمياً تسير كالموج ترتفع أحياناً وتخبو أحياناً أخرى، لكنها لم تتوقف قط على مدى العقود الثلاثة الماضية.

ومن الأهداف الأساسية للتخصيص الاستفادة من أساليب الإدارة في القطاع الخاص في تقديم سلع وخدمات أفضل، وتقديم بدائل إلى المستهلك دون تحميل الخزينة العامة أعباء إضافية، والحد من خسائر المال العام في إدارة المشاريع الناجمة عن اختناقها بحبال البيروقراطية وشباك التدخلات السياسية واعتباراتها (تراجع مستوى الخطوط الجوية الكويتية وعدم التحديث الضروري لأسطولها مع استمرار خسائرها، رغم أنها أولى شركات النقل الجوي الوطنية، وهي الآن مملوكة لحكومة دولة ثرية). كما تقصد سياسات التخصيص إحياء المنافسة ومنع الاحتكار الذي تمارسه عادة المؤسسات أو الشركات الكبرى المتمتعة بعلاقات خاصة أو امتيازات أو احتكارات أو شبه الاحتكار الممنوحة من قبل الدولة.

كما يهدف التخصيص في بعض الدول إلى إيجاد منافذ تعود بالنفع على أكبر شريحة ممكنة من المواطنين بمشاركتهم في عملية التخصيص، وفتح المجال أمام أكبر عدد منهم للمشاركة في تملك الأصول والاستثمار فيها، وهذا توجه له أهدافه السياسية والاقتصادية البينة (وأكثرها وضوحاً سياسة السيدة تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية السابقة)، ولعل بعض الكويتيين الموجودين في بريطانيا خلال الغزو الغادر يتذكرون العروض التي تلقوها للمشاركة في خصخصة شركات الكهرباء في مناطق إقامتهم، باعتبارهم مستهلكين، ولم يكونوا في حاجة إلى شهادة إثبات أكثر من وصل دفع استهلاك كهرباء صادر من شركة المنطقة. ولقد نجحت أغلبية مشاريع التخصيص في بريطانيا وفشل البعض القليل منها.

ولقد سارت الخطة التنموية ومشروع قانون التخصيص على نهج مشاركة المواطنين عن طريق إنشاء شركات يتملك المواطنون الأفراد الأغلبية فيها، سواء لتنفيذ بعض المشاريع المستحدثة أو في خصخصة مشاريع قائمة، فاختارت الخطة منح القطاع الخاص دوراً ريادياً في تنفيذ الخطة وتحقيق أهدافها، وبالذات في معالجة مشكلة الهيمنة الطاغية للإدارة الحكومية على الاقتصاد الوطني (70 في المئة). ولقد أوضحت وثيقة الخطة أن الحكومة لا تنوي تخصيص القطاع النفطي ليس في عمليات الاستكشاف والإنتاج فقط، وهي محظورة دستورياً على أية حال، بل حتى في عمليات التصنيع التي شارك القطاع الخاص في تأسيسها.

وختاماً، فإن تجميد مشروع التخصيص أو تفريغه من مضمونه سيؤدي في نهاية المطاف إلى هدم عمود أساسي من أعمدة بناء الخطة، ومن ثم استمرار النوم في العسل إلى أن نستيقظ يوماً على مأساة إغريقية، كما صحت اليونان اليوم على حقيقة ماليتها العامة واقتصادها، في وقت لا ينفع فيه الندم.

*وزير التخطيط الأسبق

back to top