في بيتي معاق

نشر في 23-10-2009
آخر تحديث 23-10-2009 | 00:00
 أ. د. فيصل الشريفي لقد كتبت أكثر من مرة في موضوع المعاقين، ليس فقط لتعاطفي معهم أو لأني أتابع أخبارهم ومعاناتهم عبر الصحف، ولكن في بيتي معاقاً يبلغ من العمر عشرين سنة، وإن شاء الله العمر كله أمامه، وهو يعاني الشلل الدماغي واسمه فهد.

فهد لم يطلب مني شيئا مما يطلبه إخوته أو يعترض على أي قرار اتخذته نيابة عنه، ليس لأنه ولد مطيع، بل كون حالته من الحالات الشديدة التي تتطلب الانتباه لمعرفة ماذا يريد، لأن الوسيلة الوحيدة المتاحة له هي الضحك أو أصوات التململ.

للعلم فهد يملأ البيت سعادة، وهو محبوب من كل إخوته، وهم يفعلون أي شيء ليضعوا ابتسامة على محياه دون تردد، كما أنهم يحرصون على إشراكه في كل الاحتفالات التي نعيشها كأسرة، خصوصا أخته الكبرى التي تخصص جزءاً من وقتها لأجله.

عندما رزقنا الله بفهد، وكونه جاء مولودا ذكرا، لم تسعني الدنيا من الفرح كعادتنا نحن العرب، حيث كانت الولادة طبيعية، كما أنه لم يعان أي مشاكل صحية في الشهور الأولى إلى أن بدأت المعاناة باكتشاف الحالة والتشخيص الطبي الذي كان كالصاعقة علينا.

في تلك الأيام كانت الآمال كبيرة بشفائه، ولكنها مشيئة الله التي ارتضيناها أنا وأمه عن طيب خاطر، وفى تلك الأيام أيضا كان قبول المعاق صعباً للغاية مما تطلب جهداً مضاعفاً منا لتغيير نظرة المجتمع تجاههم، فكان التحدي ليس لقبولهم فقط، ولكن للحصول على حقوقهم وحقوقنا على حد سواء.

في إطار التحدي كان علينا أن نؤسس جماعة للضغط، وقد بدأنا بثلاث أسر كانت اللبنة الأولى لميلاد جمعية أولياء أمور المعاقين، ثم انضم إلينا جمع من الآباء والأمهات والأصدقاء ممن آمن بحقوق المعاق وأحقيتهم في العيش الكريم، وهكذا كان للمعاقين صوت آخر ينصرهم في قضاياهم.

اليوم وبعد مرور أكثر من ثلاث عشرة سنة على إنشاء قانون رعاية المعاقين انتبه مجلس الأمة إليهم أو إلى قانونهم، وبدأ يعد مسودة لقانون يعالج الثغرات التي استغلت وانتهكت لسنوات، وعلى مرأى من جميع من تعاقب على قيادة وزارة الشؤون، وكان أول تجاوز على القانون إنشاء ما يسمى منصب الأمين العام الذي أفرغ الهيكلين التنظيمي والإداري من محتواهما القانوني، حيث ظل المجلس من دون مدير تنفيذي بالأصالة لسنوات، مع تداخل في الاختصاصات أوجد تناحراً وتصيداً للأخطاء بين الموظفين، وللعلم عددهم لا يزيد على الخمسين موظفاً في مبنى عمارة نظام شقق في منطقة الشعب البحري.

هذه العمارة يراجعها أكثر من اثنين وثلاثين ألفاً مسجلين في كشوف المجلس الأعلى لشؤون المعاقين، عجز كل الوزراء عن إيجاد مبنى يتناسب وطبيعة المراجعين من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهي بحق رحلة عذاب.

يقدم المجلس بعض الخدمات للمعاقين أهمها الرسوم الدراسية التعليمية، ودعم للأجهزة الطبية (الكراسي والسماعات) وكوبون شراء بمبلغ 30 ديناراً للحفاظات، وأيضا مساعدات مادية تُعطى للمعاق حسب شدة الإعاقة، وهي ثمرة مطالبات ومناشدات الأهالي للحكومة تارة وللنواب تارة أخرى.

درب لم يكن مفروشاً بالورد، وآه لو كنتم تعلمون ما كان يفعله بنا بعض القيادات، ومنهم أحد الوكلاء السابقين برفضه أبسط مطالبنا، وهو كرسي الإعاقة، وبالمناسبة ذكر اسمه كأحد الحاصلين على الشهادات المزورة، وكل هذا يتم تحت أنظار نواب الأمة آنذاك من دون أن يحركوا ساكناً خوفاً على مصالحهم أو لجهلهم بقوة وتأثير هذه القضية على فرص النجاح للوصول إلى المجلس.

اليوم لن نسكت عن أي حق للمعاق مهما صغر حجمه، وسنفضح كل متكسب يريد أن يساوم على قضية لطالما تجاهلتها الحكومة والمجلس، وسنسمي الأسماء بأسمائها، وعندنا ما يكفي لفتح الملف.

إن كانت هناك أولويات يضعها المجلس على جدول أعماله ويراها مهمة، فلن يجد قضية عادلة وملحة كقضية إقرار قانون يعيد للمعاق وذويه بعض الذي ضاع من حقهم في عيش كريم في وطنهم يضمن ويكفل لهم ذلك.

أخيرا: ما يدور أو يدار في الخفاء داخل المجلس الأعلى لشؤون المعاقين يتطلب شجاعة من الوزير العفاسي يحكمها الضمير والقانون دون الركون إلى الضغوط التي يمارسها بعض النواب لنصرة هذا أو ذاك من العاملين في المجلس ولأغراض انتخابية صرفة.

ودمتم سالمين.

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top