الإنترنت... هل ينتهك خصوصيّة الآخرين؟

نشر في 27-05-2010 | 00:00
آخر تحديث 27-05-2010 | 00:00
تواجه شركتا Facebook وGoogle رد فعل سلبياً من المستخدمين والمنظّمين على حدّ سواء بشأن الطريقة التي تعاملتا فيها مع البيانات الحسّاسة.

جينيفر ستودارت، مفوّضة الخصوصية المعلوماتية الكندية، مغتاظة من Facebook. ففي أغسطس (آب) 2009، عقد موقع الشبكات الاجتماعية هذا اتّفاقاً، موافقاً بموجبه على تغيير سياساته في غضون عام للتقيّد بقانون الخصوصية في البلاد. لكن الشركة، على حدّ قول ستودارت، تخلّ على ما يبدو في جزء مهم من ذلك الاتفاق الذي نص على منح المستخدمين خياراً واضحاً وسهل التطبيق بشأن ما إذا كانوا يريدون تشاطر بياناتهم الخاصة مع الغير. تقول في هذا الإطار: {لا يبدو لي أن شركة Facebook تقوم بالأمر الصواب في هذا الصدد}، مشيرةً إلى أن الشركة قد تخضع لتحقيق رسمي آخر من منظّمتها في حال لم تغيّر سلوكها.

Facebook ليس العملاق الوحيد على الإنترنت الذي يثير غضب منظّمات حماية البيانات. فقد واجهت شركة {غوغل} انتقادات مدمّرة هذا الأسبوع عقب شيوع خبر تسجيلها اتصالات شخصية تمّت عبر شبكات بيانات غير آمنة تعمل بواسطة تقنية واي فاي وذلك في منازل ومكاتب في نحو 30 بلداً. هكذا دعا بيتر شار، المفوّض الفدرالي لحماية البيانات في ألمانيا، في 17 مايو (أيار)، إلى إجراء تحقيق مستقل في سلوك {غوغل}، مدّعياً أنها {انتهكت بكل بساطة القواعد العادية في مجال تطوير البرامج واستخدامها}.

يسلّط هذان المثالان بالتالي الضوء على التوتر المتزايد بين الأمناء على الخصوصية وشركات الإنترنت. هذا ويعكسان القلق بين مستخدمي شبكة العنكبوت إزاء كيفية إشاعة البيانات الخاصة. في هذا السياق، هجرت شخصيات بارزة عدّة على الإنترنت الـFacebook أمثال كوري دوكترو، مؤلّف قصص عن الخيال العلمي، وليو لابورت، معد ملفات صوتية تُنشر عن طريق الإنترنت (podcast). هذا وتحث مواقع مثل QuitFacebookDay.com الآخرين على القيام بالمثل، محدّدين 31 مايو موعداً لـ{انتحار} جماعي على الـ Facebook.

مع ذلك، يُستبعد أن يوقف ذلك النمو السريع لشركة Facebook، الجاهزة لاستقبال نصف مليار عضو والتي تستقطب زوّاراً إضافيين عموماً على موقعها. لكن الأعصاب باتت مشدودة في مقر الشركة في وادي سيليكون، حيث يفكّر الرؤساء فيها ملياً في كيفية الرد. يلمّح مسؤولون بارزون عدّة اليوم إلى أن Facebook سيفرض ضوابط أقل تعقيداً على الخصوصية لتسهيل عملية إخفاء مزيد من البيانات الخاصة عن الأنظار. وها قد بدأ موقع MySpace المنافس بتبسيط ضوابطه في مسعى إلى استمالة مستخدمي Facebook الذين اختُرقت خصوصيتهم إلى خدمته.

تنطلق منذ بعض الوقت موجة احتجاج إزاء كيفية تعاطي Facebook مع مسألة الخصوصية. ففي ديسمبر (كانون الأول)، غيّرت هذه الشبكة الاجتماعية التعديلات الافتراضية للضوابط المتعلّقة بخصوصية أعضائها لكي يستطيع الأفراد تشاطر معلوماتهم الشخصية مع {الجميع} بدلاً من الأصدقاء المختارين وحدهم. تلفت شركة Facebook إلى أن ذلك يعكس تحوّلاً في المجتمع نحو انفتاح أكبر وأن المستخدمين لا يزالون يتمتعون بالقدرة على تعديل ضوابط الخصوصية مجدداً. لكنّ المدافعين عن الخصوصية المغتاظين مارسوا ضغوطاً للحفاظ عليها.

لا يجب أن يشكّل هذا التحوّل مفاجأةً، لأن شبكات تواصل اجتماعية كثيرة، تفرض في مرحلة مبكرة، سياسات صارمة جداً تتعلق بالخصوصية لجذب المستخدمين وطمأنتهم. لكن مع زيادة عدد المنضمّين، يجري تسهيل الضوابط تدريجاً للتشجيع على مزيد من التشاطر. ومع تشاطر الأفراد المزيد من البيانات، يستطيع Facebook تعزيز التواصل، ما يسمح ببيع الإعلانات. وكلّما زادت معرفته بما يحب المستخدمون ويكرهون، استطاع بشكل أفضل رصد الإعلانات التي تدرّ مئات ملايين الدولارات.

مع ذلك، علت أصوات الاحتجاجات أكثر فأكثر عقب انعقاد مؤتمر لمطوّري البرامج الشهر الفائت، حيث أعلن مارك زوكربيرغ، رئيس شركة Facebook، سلسلة أخرى من التغييرات في السياسة. وما أثار الامتعاض ميزة {إضفاء الطابع الشخصي الفوري} التي تسمح لبعض المواقع الأخرى بدخول Facebook عندما يزوره المستخدمون. في هذا الإطار، يقول المنتقدون إن الشركة جعلت عملية تعطيل هذه الميزة في غاية التعقيد، ما يفسر سبب الكراهية الشديدة التي تكنّها ستودارت لهذا الموقع.

من جهة أخرى، يشتكي المسؤولون الأوروبيون هم أيضاً من Facebook. وجّهت مجموعة مؤلّفة من خبراء في مجال حماية البيانات يقدّمون استشارات الى المفوضية الأوروبية رسالةً هذا الشهر إلى شبكة التواصل الاجتماعي هذه، معتبرةً قرارها بتسهيل التعديلات الافتراضية {غير مقبول}. وفي الولايات المتحدة، طلبت إحدى المنظمات التي لا تتوخى الربح، the Electronic Privacy Information Centre، من مفوضية التجارة الفدرالية الأميركية التحقق مما إذا كانت مقاربة شركة Facebook تجاه الخصوصية تنتهك قوانين حماية المستهلك.

هذا وتتحقق منظّمات حماية الخصوصية أيضاً مما إذا كانت {غوغل} تنتهك أية قوانين عبر وضع يدها على بيانات منقولة لاسلكياً عبر تقنية واي فاي من دون إذن. من جهتها، تقول شركة البحث إنها أدرجت برمجية تجريبية مصمّمة لجمع المعلومات من شبكات واي فاي غير مشفّرة بالصدفة بالتزامن مع مبادرتها المسمّاة Street View، التي تستخدم آلات تصوير يجري تركيبها على السيارات لتصوير الشوارع والمباني. بنتيجة الأمر، جُمعت مقتطفات من البيانات الخاصة والحسّاسة وخُزّنت لسنوات من دون علم المسؤولين عن المبادرة.

{غوغل} غير الحكيمة

قدّمت {غوغل} اعتذارها وشددت على أن البيانات التي جمعتها من دون إذن كانت تكفي فحسب لملء قرص صلب في كمبيوتر، مضيفةً بأن المعلومات لم تُستخدم في أي منتجات ولم تُشاطر خارج إطار {غوغل}. هذا ولفتت إلى أنها قد تعيّن هيئةً مستقلة لإعادة النظر في هذا الفشل فضلاً عن إجراء مراجعة داخلية في ممارساتها المتعلقّة بالخصوصية. بدوره، اعترف سيرجي برين، أحد مؤسسي غوغل، في 19 مايو: {لقد أخطأنا}.

مع ذلك، لم تتضرر سمعة {غوغل}. تظهر هذه الأحداث أن الشركة يجب أن تكون على اطلاع أفضل بما ينوي فريقها القيام به. كذلك تبدو محاولاتها الأولية لإنكار جمعها بيانات حسّاسة، والتي توقّفت حين طلبت منظّمة حماية الخصوصية في ألمانيا مراجعة أكثر تفصيلاً، أشبه بهفوة في العلاقات العامة. لذلك أُثيرت الشكوك بشأن كفاءة بعض المدراء. في هذا السياق، ألقى ناطق باسم الشركة بالمسؤولية على {فشل في التواصل بين الفرق وداخلها}. هذا اعتراف مقلق نظراً إلى حجم البيانات الحساسة المخزّنة رقمياً لدى {غوغل}.

يُذكر أن الشركة عانت مسبقاً هذا العام خلال إطلاقها خدمة Buzz للتواصل الاجتماعي. فقد اشتكى المستخدمون من أن محرّك البحث العملاق اخترق حساباتهم على Gmail للبحث عن {تابعين} لهم من دون أن يوضح لهم ما كان يجري. لكن الشركة سرعان ما تخلّصت من هذا الإجراء. وفي الشهر الماضي، حث عشرة مفوّضي خصوصية من بلدان مثل بريطانيا، كندا، وفرنسا الشركة على عدم تهميش الخصوصية خلال سعيها إلى إطلاق خدمة تكنولوجية جديدة.

على صعيد آخر، زعم إيريك شميدت، خلال مؤتمر انعقد هذا الأسبوع لتحليل البحوث التي أُجريت على موقع {غوغل} في أوروبا، بأن الشركة تتمتع بسياسة الخصوصية الأكثر تمحوراً حول المستهلك من أي خدمة أخرى على شبكة الإنترنت. إلى ذلك، أضاف مدير {غوغل} التنفيذي هذا بأن مشكلة الواي فاي لم تتسبب بأي أذىً. قد يخلص آخرون إلى نتيجة مماثلة، لكن المشادات حول مسائل الخصوصية لن تتوقف. يعقّب جوناثن زيتراين، بروفسور في كلية القانون في جامعة هارفرد: {لا أحد يملك رؤية واضحة بشأن متى يصبح من الضروري وضع حدود في ما يتعلّق بمسائل الخصوصية على الشبكة}. لذلك سيواصل مفوّضو الخصوصية عملهم لبعض الوقت.

back to top