وجهة نظر : مجلس اعلى للتنمية... لا للبترول!


نشر في 15-07-2009
آخر تحديث 15-07-2009 | 00:00
 د. عباس المجرن القطاع الخاص مكون رئيسي من مكونات الدولة، بل هو المكون الأساسي ومصدر الإنتاج والدخل والتطور في أي مجتمع من المجتمعات، ومن ثم فإن تمثيل القطاع الخاص في المجالس العليا المتخصصة برسم وتوجيه السياسات العامة في أي مجال من مجالات النشاط الاقتصادي أو الاجتماعي، أمر محمود بل وضروري.

المجلس الأعلى للبترول في الكويت، وهو مجلس يتخصص برسم السياسات والتوجهات العامة في أهم نشاط اقتصادي بالبلاد، يعود إنشاؤه إلى عام 1974، أي بعد أن ازدادت أهمية الدخل المحقق من القطاع النفطي، وتزايدت الحاجة إلى اتخاذ قرارات وطنية عليا بشأن مستقبل العلاقة مع شركات النفط الأجنبية، لاسيما بعد الجدل الذي دار بشأن اتفاقيات المشاركة عام 1972، وقد كان للمجلس، بعيد إنشائه بعام واحد فقط، دور رئيسي في ترشيد ودعم قرار تملك الدولة شركة نفط الكويت التي كانت حينئذ مملوكة بالمناصفة بين شركتي «بريتش بتروليوم» و»غلف» الأميركية، وهي الشركة المالكة لكل عمليات استخراج وإنتاج النفط من أهم الحقول المنتجة في البلاد.

ومن بين أهم الاختصاصات التي كُلِّف بها المجلس، تحديد السياسات البترولية العامة للدولة، والمحافظة على حسن استغلال الثروة النفطية وتنميتها وتحقيق أفضل عائد منها، وإيجاد صناعة بترولية متكاملة.

وواضح أن الحاجة في تلك الفترة كانت ملحة إلى وجود مثل هذا المجلس، لكن مع قيام وزارة مستقلة للنفط بعد صدور مرسوم نقل شؤون النفط والغاز من «وزارة المالية والنفط» عام 1975 وإنشاء مؤسسة البترول الكويتية بالمرسوم الصادر عام 1980، لتكون مظلة تجمع وحدات الصناعة البترولية في البلاد وتنسق بين أنشطتها وتضع خططها واستراتيجياتها، حدث تحول ملموس في طبيعة عمل المجلس، إذ باتت مهمته مقتصرة على مراجعة استراتيجيات المؤسسة والموافقة على مشروعاتها الرئيسية، أو إقرار السياسات والتوجهات البترولية التي ترد من السلطتين التشريعية أو التنفيذية.

وفي ظل التطورات المتتابعة، لم يعد هناك ما يبرر استمرار المجلس الأعلى للبترول، والأجدى في تصوري، في ضوء التحديات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد الكويتي اليوم، هو قيام مجلس أعلى للتنمية الاقتصادية في البلاد، يشمل ضمن اختصاصاته الأوسع الاختصاصات الحالية للمجلس الأعلى للبترول، لاسيما أن عملية تنمية قطاع الصناعة النفطية لا ينبغي لها أن تتم بمعزل عن تنمية باقي مكونات الاقتصاد الوطني، بسبب العلاقة الوثيقة بين قطاع النفط وتلك المكونات، ولا شك في أن تكامل السياسات النفطية مع باقي السياسات الاقتصادية ينسجم تماما مع أحد أهم الأهداف المعلنة للسياسة الاقتصادية في البلاد، ألا وهو تعزيز المصادر البديلة للدخل القومي.

أما تمثيل القطاع الخاص في المجالس العليا، فهذا أمر ضروري وملح كما أشرت في البداية، بل أن مشاركة القطاع الخاص مطلوبة حتى في مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية لا في المجلس الأعلى فحسب، خصوصا في ظل التوجه المعلن إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص في أنشطة القطاع النفطي.

كما أن استبعاد ممثلي القطاع الخاص من المجلس الأعلى للبترول أمر لا يتناسب مع طبيعة اختصاصات المجلس أو مهامه، والتعذر بأن للبعض منهم مصالح خاصة أو علاقات مع شركات نفط دولية لا يبرر استبعادهم، ففي شؤون الصناعة النفطية في الولايات المتحدة مثلا لا يتم رسم أو إقرار السياسات إلا بعد التشاور مع أصحاب المصالح، وهو تشاور لا يملي على الدولة قراراتها بل يساعدها على التعرف على آثار وتبعات هذا القرارات.

وإذا ما تم استبعاد المتخصصين من الكفاءات في القطاع الخاص من المجالس العليا، فإن قراراتها وسياساتها لن تكون مختلفة عن القرارات والسياسات الحكومية البحتة، ومن ثم لن تكون هناك حاجة إلى مجلس متخصص، إذ يصبح بإمكان مجلس الوزراء أن يبت في شؤون صناعة النفط أو غيرها إذا ما باتت عضوية المجلس الأعلى للبترول مقتصرة على أعضاء السلطة التنفيذية فحسب.

إن مشاركة أهل الرأي من المتخصصين ومن أصحاب «الصنعة» من الخبراء والفعاليات ذات العلاقة في القطاع الخاص بالمجالس العليا، مسألة حيوية وضرورية لإثراء وترشيد القرار «فأهل مكة أدرى بشعابها»، أما معالجة هاجس «المصلحة الخاصة» فلا يكون بإقصاء أصحاب المصالح عن صنع القرار، بل بالحرص على شفافية وجودة عملية صنع القرار في المجالس العليا.

* أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت 

back to top