نساء ونوافذ مشرعة

نشر في 31-01-2010
آخر تحديث 31-01-2010 | 00:01
 آدم يوسف حين تعتزم الكتابة عن قاسم حداد وأمين صالح تنتابك أمور، وتتنازعك خيالات، بقدر ما في نصوصهما من نوافذ مشرعة، ونساء جميلات يومضن، ثم يختفين. لك أن تسميه تمنّع النص المحبب، ولك أن تقول إنها اللذة تنبع من داخلك. مع قاسم وأمين لا أنصح أحداً بالبحث عن المعنى، إنها الخديعة ما إن تومض حتى تختفي، إنه الخيط الذي تلهث وراءه، والملاءة التي تلامس الجسد، دونما إدراك لكنه العطر النافذ في أرجاء المكان.

يتنبّه المبدعان البحرينيان إلى هذه الحقيقة، لذا فإننا نقرأ في كتابهما «الجواشن» العبارة التالية:

«عندما تخوض شراك هذا النص، لا تتوقف كثيراً عند المعاني، التي قد نبعثرها هنا أو هناك، أو ربما تجدها بالصدفة، فليس لدينا المعنى، المعنى فيك، في داخلك، محض استدراج، فليكن طموحاً مشتركاً، نغرّر بك لتثق بأن ذخيرتك الكامنة، المكبوتة أكثر غنى وجمالاً. احذر التأويل الوثير، وتعال إلينا لنقتحم مخيلتك ولتكتب معنا هذا النص».

إذاً، هي اللذة الكامنة في النفس والجسد، اللذة التي نعيشها لحظة الكتابة، ونتلمس تفاصيلها عند القراءة. ليس مشروعاً عبثياً هذا الذي يحفر في دهاليزه حداد وصالح منذ أكثر من ثلاثين عاماً، إنها تضاعيف الحداثة العربية منذ ولادتها البكر، هما عرّاباها، ليس على المستوى الخليجي فحسب، بل على امتداد الوطن العربي، لذا لم يكُن مستغرباً هذا الاحتفاء الذي حظيا به في أمسية ملتقى الثلاثاء الثقافي. لم يدُر في خلدنا أن قاعة الملتقى ستمتلئ إلى الحد الذي يقضي فيه بعض الحضور الأمسية وقوفاً في آخر القاعة، وانصرف بعضهم الآخر من دون أن يجد مكاناً يُلقي فيه بعضاً من أسئلته المتوهجة أو يُشبع لذة الاستماع، ويواري في القاعة سيف الطمأنينة المتوهج. لم تكن أيٌّ من أمسيات ملتقى الثلاثاء السابقة بهذا الحجم من الاحتشاد، والحضور المختلف، الأمر الذي تنبّه إليه الشاعر مخلص ونوس في أحد تعليقاته المميزة، إذ وصفها «بالأمسية الطازجة كرائحة رغيف في فجر».

حينما أعدت قراءة كتاب «الجواشن»، كنت أبحث عن معنى مختلف لقاسم حداد، استناداً إلى معرفتي السابقة بمعجمه الشعري من خلال دواوينه العديدة، لكنني فشلت، لأن حداد ما أن يمنحك مقطعاً شعرياً تطمئن إليه، وتسند رأسك إلى كتفك حتى يباغتك صالح بنص آخر، مخاتل، مراوغ، حتى آخر نقطة في الكأس. ثم ما أن تلبث وتعود من جديد، مردداً ليس هذا نص أمين، ليس هذا نص صالح. وبين هذا وذاك، يطل المعنى أكثر مراوغة، وتلعب خمر اللغة برأسك، هل لك أن تسترخي وتعاود القراءة، إنها اللعبة المحببة ذاتها، منذ المنشأ حتى المهد، حتى اللمسة الحانية، اللذة المباغتة.

*»لا تنظر بعيداً،

ما مضى لن يعود،

كأنك الفجر في ردهات المدينة،

فتاتك الخامسة لن تعود،

وكذلك البحر.

لك الوقت كاملاً قبل أن ينهض من ساعديك الوشم، وتبعثر في المكان، ما قضيت العمر تجمعه:

سرك المفتون، ولذّة البارحة،

دع النوافذ المشرعة تمنح قمصانها للريح،

لم يعُد بيدك كُنه الحكاية،

لم يعُد بيدي شيء من وردة النهد،

لك الناقوس المشرع على تابوته،

ولنا كذلك سرّ البدايات، واستطالة السؤال/ الوهم/ الحقيقة

حتى غدا كل شيء كأن لم يكُن».

* النص لكاتب المقال

back to top