في دراسة عن دور البرلمانات في مواءمة التشريعات الوطنية وفقاً للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان (التجربة الكويتية)2-2 الفيلي: عضوية الكويت في الأمم المتحدة تجعلها تتأثر بالاتجاهات الدولية القائمة في حقوق الإنسان

نشر في 20-07-2010 | 00:00
آخر تحديث 20-07-2010 | 00:00
في الجزء الثاني من دراسته عن دور البرلمانات في مواءمة التشريعات الوطنية وفقا للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان (التجربة الكويتية) أكد عضو الهيئة الإدارية في جمعية حقوق الإنسان الكويتية د. محمد الفيلي أن موقف الدستور من حقوق الإنسان يشكل أسلوبا جيدا لمواءمة التشريعات الكويتية مع احكام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وان انتماء الكويت الى المجتمع الدولي وعضويتها في الأمم المتحدة يجعلانها تتأثر بالاتجاهات الدولية القائمة في حقوق الإنسان، لافتا إلى ان احتواء الدستور على الكثير من احكام حقوق الإنسان لا يمنع القانون الكويتي من تبني أحكام اضافية في الموضوع.

وقال د. الفيلي إن استلهام الدستور الكويتي لقواعد حقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتبنيه الجيل الثاني لحقوق الانسان لا يعنيان استغناءه عن الإضافات التي تحتويها الاتفاقيات الدولية، مشيرا الى ان الكويت تستخدم اسلوب التحفظ عند تصديقها على الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان كما تستخدم اسلوب الاعلان التفسيري وهو في حقيقته تحفظ مقنع.

ولفت الى أنه في الفترة اللاحقة للتحرير زاد الاحساس بوجوب بذل اقصى الجهود للاهتمام بحقوق الإنسان ووجوب خلق قنوات وآليات جديدة للتعامل معها، مؤكدا أن جهود مجلس الامة في مجال مواءمة محتوى التشريعات الوطنية تحتاج الى إضافات وتحسينات.

والى تفاصيل الجزء الثاني من الدراسة:

لاشك ان موقف الدستور من حقوق الانسان يشكل أسلوبا جيدا لمواءمة التشريعات الكويتية مع احكام الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان باعتبار ان احكام حقوق الانسان فيه مستمدة من بعض الادوات الدولية لحقوق الإنسان، ولكن ادوات تفعيل نصوصه، عن طريق الرقابة القضائية على دستورية التشريعات، يعتريها شيء من القصور بسبب حجب الحق في الدعوى المباشرة عن الافراد ولعدم تقرير الحق في الدعوى المباشرة للأقلية في البرلمان

وقصر هذا الحق على الاغلبية التي تملك في واقع الحال امكانية تعديل القانون مباشرة، وعلى كل حال فإننا نعتقد ان تقرير هذا الحق للأقلية في البرلمان يتسق اكثر مع المفهوم السليم للديمقراطية ومفهوم مبدأ الفصل بين السلطات فالأقلية لا تملك اتخاذ القرار لكنها تملك الاعتراض عليه إذا كان مخالفا للدستور، وتقرير وجود المخالفة ينعقد للسلطة القضائية باعتبارها السلطة المنشَأة لممارسة هذا الاختصاص. ومع احتواء الدستور على الكثير من احكام حقوق الانسان الا انه لا يمنع القانون الكويتي من تبني احكام اضافية في الموضوع والاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان تضيف الى احكامه في بعض الاحيان.

توجه إيجابي 

ثانيا : أثر الاتفاقيات الدولية على مضمون حقوق الانسان في التشريعات الكويتية: استلهام بل نقل احكام الاعلان العالمي لحقوق الانسان وتضمينها الباب الثالث من الدستور وتضمين الباب الثاني منه احكاما تدخل في اطار الجيل الثاني من حقوق الانسان، يكشف عن توجه إيجابي في تبني قواعد حقوق الانسان في مظانها الاخرى بالإضافة الى ما ورد في الدين الاسلامي وما تستلزمه الفطرة الانسانية السليمة، الى جوار الاعتبار السابق فإن انتماء الكويت الى المجتمع الدولي وعضويتها في هيئة الامم المتحدة تقودها بطبيعة الحال الى التأثر بالاتجاهات الدولية القائمة في حقوق الانسان، ولعل الغزو العراقي الذي تعرضت له الكويت وتحريرها منه قد زاد من اثر العنصر الاخير فهي مدينة للشرعية الدولية بوجودها، ومما يذكر لدلالاته في الموضوع ان مجلس الامة قد صوت على اقرار القانون 1/1996 بالموافقة على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبات القاسية او اللاانسانية او المهينة، بالتزامن مع زيارة السيد خافير ديكولار الذي كان يشغل منصب الامين العام للامم المتحدة و قت الغزو العراقي. وبحث اثر الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان على القانون الكويتي يقتضي الوقوف على اسلوب دخولها في النظام القانوني الكويتي واثرها عليه كما ان الوقوف عند مسألة التحفظات والالتزامات اللاحقة على التصديق امر منطقي.

1-الأسلوب: وفق المادة 70 من الدستور «يبرم الأمير المعاهدات بمرسوم ويبلغها مجلس الامة فورا مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون للمعاهدة قوة القانون بعد ابرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية، على ان معاهدات الصلح والتحالف والمعاهدات المتعلقة بأراضي الدولة او ثرواتها الطبيعية او بحقوق السيادة او بحقوق المواطنين العامة او الخاصة، ومعاهدات التجارة والملاحة، والاقامة، والمعاهدات التي تحمل خزانة الدولة شيئا من النفقات غير الواردة في الميزانية او تتضمن تعديلا لقوانين الكويت يجب لنفاذها ان تصدر بقانون. ولا يجوز في أي حال أن تتضمن المعاهدة شروطا سرية تناقض شروطها العلنية». وهذا يعني ان اتفاقيات حقوق الانسان تصبح بعد التصديق عليها ونشرها خطابا ملزما للمكلفين، لايجوز للسلطة التنفيذية معه ان تصدر قرارا فرديا او تنظيميا يخالف احكامه، كما يلزم على القضاء تطبيقه كقانون كويتي، وتأخذ المحكمة الدستورية بهذا المنطق الى نهايته

(الحكم 2/ 2005) فتراقب محتوى القانون – الاتفاقية وهي رقابة تقوم على اساس يمكن الدفاع عنه، فتقرير الاختصاص بعقد المعاهدات للسلطة التنفيذية او التشريعية لا يعني تقرير جواز مخالفتها للدستور ولا يجوز الاستناد الى فكرة المسؤولية الدولية لفتح الباب لإهدار سمو الدستور على اعمال السلطات العامة لأن الولاية المقررة لهذه السلطات مقررة في الحدود التي يرسمها الدستور فقط. والدفاع عن الرقابة القضائية على دستورية القوانين ذات الاصل الدولي لا يتضمن الدفاع عن حق المشرع في وضع قوانين لاحقة تنسخ القوانين ذات الاصل الدولي، فطبيعة هذه النصوص كقوانين لا تنفي حقيقة اصلها كاتفاق بين دول متعددة فلا يجوز لدولة منها ان تغير في مفردات العقد دون موافقة الاطراف الاخرى ولكن يمكنها ان رغبت في الانسحاب من الاتفاقية. كما ان هذا النمط من الرقابة يسند عمليا النظام القانوني لحقوق الانسان بالنظر الى موقف الدستور من هذه الحقوق.

2- الأثر: استلهام الدستور الكويتي لقواعد حقوق الانسان الواردة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان وتبنيه للجيل الثاني لحقوق الانسان لا يعنيان بطبيعة الحال إمكان استغنائه عن الإضافات التي تحتويها الاتفاقيات الدولية، فالمجال بطبيعته متطور والاحتياجات فيه متجددة. ونذكر مثالا واحدا في هذا الصدد وهو في اطار الحريات الدينية. تقرر المادة 35 من الدستور «حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الاديان طبقا للعادات المرعية، على الا يخل ذلك بالنظام العام او ينافي الآداب». وتقرر المذكرة التفسيرية للدستور، وهي ملزمة، ان الحماية الدستورية لممارسة الشعائر تقتصر على الاديان السماوية، اما الاديان الاخرى «انما يكون الامر في شأنها متروكا للسلطات العامة في البلاد دون ان تتخذ لحريتها سندا من المادة 35». وبتصديق الكويت على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ( القانون 12/ 1996) أصبحت حرية ممارسة الشعائر الدينية لغير الكتابيين تستند الى المادة 18 من العهد – القانون.

3-التحفظات: تستخدم الكويت اسلوب التحفظ عند تصديقها على الاتفاقيات الخاصة بحقوق الانسان كما تستخدم اسلوب الاعلان التفسيري وهو في حقيقته تحفظ مقنع. والتحفظات الكويتية تكشف عن عدد من الامور:

أ‌- الخشية من احداث التغيير التشريعي: فقبل تعديل قانون الانتخاب بتاريخ 16/ 5/ 2005 كان حق الانتخاب السياسي قاصرا على الذكور ولذلك كانت تتحفظ عن الاحكام المقررة لمبدأ المساواة بين الذكور والاناث معلنة التزامها بالقانون الكويتي. وفي هذا المثال فإن موقف الكويت كان يدعو الى الاستغراب لان الاحكام محل التحفظ الصريح او المقنع هي بذاتها مقررة في الدستور الكويتي، فكأنما تقرر الكويت صراحة مخالفة قانونها لدستورها.

ب‌- الدين: الخشية من تطبيق الاحكام التي تخص الاسرة والميراث هي المبرر لبعض التحفظات. ونحن نعتقد ان هناك مبالغة في القلق وتجاهلا لحقيقة وجود اجتهادات معتبرة لمختصين في الفقه الاسلامي لا تتعارض مع الاعم الاغلب من الاحكام الخاصة بالمرأة او الاسرة الواردة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان. فعلى سبيل المثال في ولاية التزويج الى جوار الفتاوى التي تقر للولي الذكر منفردا الحق في التزويج، فهناك فتاوى معتبرة أيضا تقرر هذه الولاية للمرأة البالغة الرشيدة.

ت‌- القلق من الرقابة: ويتجسد هذا القلق في التحفظ على الاحكام المقررة لرقابة دولية دقيقة، فعندما صدقت الكويت على اتفاقية مناهضة التعذيب، ورد في قانون التصديق رقم 1/1996 تقرير «عدم الالتزام بكل من اختصاص اللجنة المنصوص عليه في المادة 20، وبحكم الفقرة 1 من المادة 30 من الاتفاقية». ويكشف عن هذا القلق واقع عدم التصديق على البروتوكولات الإضافية التي تنظم آليات اكثر دقة للمراقبة او تلقي الشكاوى. وإذا كان هذا السلوك منتشرا في دول العالم الثالث فإنه يكشف عن عدم ثقة هذه الدول بالإجراءات المحلية وعدم الثقة بالقضاء الوطني.

وإذا كانت جهود مجلس الامة في مجال مواءمة محتوى التشريعات الوطنية تحتاج الى إضافات وتحسينات ،فإنها من جهة أخرى تحتوي على قدر من الإيجابية وقد اثرت على عمل المجلس.

أغلب التوجهات  

ثالثا: أثر حقوق الانسان على آليات عمل مجلس الأمة: في الفترة اللاحقة على التحرير زاد الاحساس بوجوب بذل اقصى الجهود للاهتمام بحقوق الانسان ووجوب خلق قنوات وآليات جديدة للتعامل معها، الى جوار تلك التي كانت موجودة، كما زاد اهتمام مؤسسات المجتمع المدني بالموضوع. وبتاريخ 25/10/1992 تقدم عدد من اعضاء مجلس الامة، يمثلون اغلب التوجهات السياسية فيه، باقتراح لإنشاء لجنة برلمانية للدفاع عن حقوق الانسان

ووافق المجلس على انشاء اللجنة. وقرر ان هذه اللجنة تختص «بالدفاع عن حقوق الانسان مسترشدة في ذلك بمبادئ الدين الاسلامي الحنيف، ونصوص الدستور الكويتي، والاعلان العالمي لحقوق الانسان، ولها في سبيل ذلك:

أ: دراسة التشريعات المعمول بها في دولة الكويت – وعلى الاخص القوانين الجزائية والقوانين الخاصة بالسجون ولوائحها – والعمل على تنقيتها من أية شبهة تمس الحقوق المدنية او السياسية، واقتراح تعديلها بما يكفل الضمانات الفعالة لحقوق الإنسان.

ب: التأكد من كفالة الحدود الدنيا لمعاملة المتهمين والمسجونين واحترام كرامتهم الانسانية، وذلك وفقا لأحكام الدستور.

ج: مراقبة اعمال الأجهزة الحكومية للتأكد من مدى التزامها بحقوق الإنسان.

د: الإسهام والتعاون مع جمعيات النفع العام في تنمية الوعي بحقوق الإنسان.

هـ: إقامة الندوات واجراء البحوث والدراسات في مجال حقوق الانسان والعمل على انشاء مكتبة متخصصة تضم جميع الوثائق الدستولاية والقانونية المحلية والدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

و: تنمية الصلات وتوثيق العلاقات مع المنظمات الدولية والهيئات الشعبية وبرلمانات العالم وغيرها من الجهات المعنية بحقوق الانسان لتبادل المعلومات والخبرات ومتابعة الانتهاكات لحقوق الإنسان على المستوى الدولي والمشاركة في اللقاءات الدولية المعنية بذلك.

ز: تلقي الشكاوى والملاحظات عن الممارسات المرتبطة بحقوق الانسان والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها ومتابعتها مع الاجهزة الرسمية المعنية». واللجنة التي تم تشكيلها عام 1992 كلجنة مؤقتة لا تزال مؤقتة بالرغم من استمرار تشكيلها ولكن عدد اعضائها كان سبعة فأصبح خمسة، ويعود ذلك على الأرجح الى قلة عدد الأعضاء الراغبين في الانضمام إليها. والنشاط الاهم لها عمليا هو تلقيها للشكاوى الفردية واصدارها تقارير سنوية عن اوضاع حقوق الانسان ولكن هذه التقارير توقفت عن الصدور بعد الاصدار الثالث. وبالرغم من امتلاكها للاختصاص باقتراح القوانين، و بالرغم من خبرتها العملية بالمشكلات التشريعية التي تواجه حقوق الانسان مثل حجب حق التقاضي في مسائل اقامة الاجانب، وطول مدة الحجز الاداري (أربعة أيام) وكذلك مدة الحبس التحفظي ( واحد وعشرون يوما بقرار من سلطة التحقيق)، وعدم تسبيبه فضلا عن عدم وجود اسلوب محدد للطعن فيه، الا انها لم تقدم اقتراحات في هذه المسائل، وبالجملة فإن اقتراحاتها كانت قليلة، ومن اسباب ذلك احساس اعضاء اللجنة وتوقعهم غياب الدعم من المجلس لمثل هذه الاقتراحات. والحديث عن المعوقات والنواقص التشريعية يقودنا الى التفكير في الغائب المهم في مجال صنع التشريع وهو مراجعة اثر التشريعات المقترحة على حقوق الانسان وفق المعايير الدستورية والمعايير الدولية، فالتقارير التي تعدها اللجنة التشريعية او اللجان المختصة تكاد تخلو من هذا النوع من المراجعة على اهميته، ووجود هذا النوع من التقارير والدراسات من الممكن ان يقلل من ظاهرة ابتعاد التشريعات عن مقاصد احترام حقوق الانسان ويجعل الاعضاء امام مسؤوليتهم الاخلاقية والسياسية حين مناقشة القوانين واقرارها. وفي نفس الاطار نلاحظ ان اقرار الاتفاقيات الدولية لا يصحبه هاجس تنفيذها او تفعيلها ونعتقد ان المؤسسة التشريعية كما التنفيذية مدعوتان – لاشتراكهما في الموضوع - لمتابعة صدور اللوائح التنفيذية اللازمة لتفعيل نفاذ هذه الاتفاقيات التي اصبحت قانونا وطنيا، كما انهما مدعوتان لمتابعة مشاكل امكان تنفيذها قضائيا عند ورود احكام غير واضحة فيها او هي تحتاج من وجهة نظر القضاء الى توضيح وضبط.

back to top