الغريب المتوطن
 ت س اليوت 1

نشر في 09-12-2009
آخر تحديث 09-12-2009 | 00:01
 زاهر الغافري عُرف أليوت في العالم العربي عبر إنجازه الأهم (الأرض اليباب)

و(الرجال الجوف) وربما بعض المسرحيات الدرامية، وظلتْ تفاصيل حياته ومعاناته، وعلاقاته مجهولة تقريبا. غير أن بيتر أكرويد الذي كتب سيرة حياة اليوت (ترجمة باقر جاسم، وخالد حامد)، يلقي ضوءاً مهماً في سيرة هذا الشاعر الذي كثيراً ما قيل إنه أثّر في الذائقة الشعرية العربية، في البدايات الأولى للرواد. ورغم أن بيتر أكرويد كتب سيرة حياة أليوت، بتفصيل، وموسوعية، ابتداء من أجداده وأسلافه الأوائل، الذين سكنوا سانت لويس في الولايات المتحدة الأميركية، ثم طفولته ودراسته ونضجه، فإن كتابته لم تخلُ من الحس النقدي، والتبصر الواعي، في مجمل أعمال وحياة أليوت. ومن المعروف ان أليوت عانى في طفولتهِ ومراهقتهِ ثقل تركة عائلته ذات التوجه والأفكار الطهرانية، حول أسلوب الحياة والعيش. وقد وصف بعض النقاد وممن عرفوه، في ما بعد بالبارد أو المتجمد والمنعزل. ويبدو ان العائلة التي أرادت لابنها، حياة ناجحة ومستقيمة وحتى بزيجةٍ «لائقة» أصيبْ بخيبة أمل في ما بعد، إذ ما إن التحق ذلك الشاب الخجول، نوعا ما بجامعة هارفرد حتى أحس أنه قد تحرر ولو مؤقتا من ضغط، القيود التي كبلته و»الدلال» المبالغ فيه، (وكان أصغر الأخوة)، لكن هارفرد لم تكن سوى معبر إلى شيء آخر، فقد ضاق أليوت ذرعاً بأساليب التدريس البالية وغير المنضبطة في الجامعة آنذاك. بينما كان هو يبحث عن نوع من النظام والصرامة والانضباط وكان تفكيره مثل ماكينة تعصر نفسها، ورغم أن أليوت بدأ بكتابة الشعر، منذ تلك الفترة فإنه كان ينظر الى نفسه باعتباره مفكراً، وكان يرفع عينيه إلى ما هو أبعد من أميركا، الى أوروبا وبالتحديد فرنسا وإنكلترا، وعندما ذهب إلى فرنسا للمرة الأولى

-وكان يتقن الفرنسية حتى أنه كتب في ما بعد بضع قصائد بالفرنسية- حضر محاضرات برغسون.

لكن النقلة الأهم في حياته، هي قراره العيش في إنكلترا، وتعرفه على الجو الأدبي السائد آنذاك، إذ في هذه الفترة سينخرط أليوت في حلقة ممن على شاكلتهِ، بوجود العراب الأكبر أزارا باوند، وسيتعرف هناك على أديث ستتويل وبرتراندراسل، وفرجينيا وولف وهربرت ريد والناقد اي اي ريتشادز وآخرين، وهناك سينهي اطروحته التي قدمها الى هارفارد عام 1916. وسيتعرف أيضاً على المرأة التي ستصبح في ما بعد زوجته الأولى، «فيفين اليوت».

لكن يخطأ من يظن أن أليوت عاش حياة مستقرة خلال هذه الفترة، فقد دخل في دوامة من المعاناة والمنغصات، ابتداءً من عملهِ في التدريس والقاء المحاضرات في المدارس الثانوية، وكتاباته المتقطعة، هذا بالاضافة إلى عمله بالمصرف في لندن، الذي وفر له بعض الامان، إلا أنه كثيراً ما كان يشتكي من ضياع وقتهِ على حساب عمله الشعري، هذا بالإضافة الى المشاكل الكبرى التي كانت تعانيها زوجته المريضة دائماً، المنهارة عصبياً، الى حد جعلت اليوت يصبح ممزقاً، ومريضاً هو الآخر، إذ انه لجأ الى أكثر من طبيب، بما في ذلك أحد الأطباء النفسيين في لوزان لمعالجته، ورغم بعض فترات الراحة التي عاشها في هذه الفترة، مما وفرّ له زيارة المسارح وقاعات الموسيقى والرقص، والحلقات الأدبية، فإنه بشكل عام كان يستشعر الإخفاق على الدوام، حتى انه احس بخطر نضوب موهبته. وقد حاول بعض أصدقائه من الكتّاب والشعراء، بإيعاز من ازراباوند، اكثر من مرة مساعدة «الرجل الموهوب» على حد تعبير باوند، إلا أن كبرياء أليوت كانت دائماً تضع حداً لهذه المحاولات.

back to top