الثعلب وقضية القروض

نشر في 05-01-2010
آخر تحديث 05-01-2010 | 00:00
 د. صلاح الفضلي يحكى في قصص أمثال الحيوانات أن قطعة جبن وقعت في الطريق، فرأتها قطتان، فأسرعتا إليها، وأمسكت كل منهما بها، قالت الأولى: نقسمها بيننا، فقالت الثانية: لي النصيب الأكبر، أنا رأيتها قبلك وأنا أحق بها، فقالت الأولى: لا، رأيناها في وقت واحد ولابد أن نقسمها بيننا بالتساوي، ودخلت القطتان في عراك عنيف. تصادف أن مر الثعلب، فوقف، وقال: ماذا بينكما، لماذا تتشاجران؟

فروت إحداهما له القصة، فقال هل أحكم بينكما؟ فقالتا: نعم، فأتى الثعلب بميزان، وجعل الجبن قطعتين، إحداهما أكبر من الأخرى، ووضع في كل كف من الميزان قطعة، فزاد وزن إحدى القطعتين، فأظهر الثعلب الدهشة، وقال: هذه القطعة أكبر وقضم منها، وأعادها إلى الميزان، فزادت الأخرى، فعاد وقضم من الأخرى، وأعادها إلى الميزان، واستمر الثعلب يأكل وقطعة الجبن تتناقص شيئا فشيئا، فصرخت القطة الأولى: كفى كفى، وصرخت الثانية اترك البقية، نستطيع تقاسمها بيننا، فقال لهما: لابد من العدل، لابد من الحق واستمر حتى أكل كلا القطعتين.

هذه القصة فيها أكثر من حكمة، وإحدى هذه الحكم أن العدل في الأمور مسألة نسبية، وهذا ما ينطبق على النقاش المحتدم هذه الأيام بين النواب حول قضية القروض ومدى عدالة إسقاط فوائد القروض عن المدينين، في حين أن الذين لم يستدينوا لن يستفيدوا من قانون إسقاط فوائد القروض. وحتى لا يكون هناك أي لبس نقول إن النقاش حول إسقاط فوائد الديون، وليس حول أصل الدين، فقضية إسقاط أصل الدين أمر أعتقد أن الجميع أصبح يقر أنه يفتقد للعدالة، أما إسقاط فوائد الديون التي ترتبت على المدينين بسبب إهمال حكومي من البنك المركزي في الرقابة على البنوك فأعتقد أنه أمر مقبول، بل هو واجب على الحكومة لأنها هي التي تسببت في إلحاق الضرر بهؤلاء المدينين.

أما حجة المعارضين لإسقاط القروض بأن إسقاطها يفتقر إلى العدالة والمساواة التي نص عليها الدستور فأعتقد أنه فهم خاطئ لمعنى العدالة، فالعدالة تقتضي المساواة عندما تكون جميع الظروف متشابهة، أما إذا كان هناك فارق في أحد الجوانب فإن المساواة تصبح ظلماً، فهل يعقل مثلاً إذا ارتكب أحد الأطباء خطأً طبياً مع أحد المرضى فطالب هذا المريض بتعويض عن الضرر الذي وقع عليه أن يحتج بقية المرضى بالقول إن هذا ليس من العدالة لأنه لن يتم تعويضهم كما هي حال المريض المتضرر؟ وهل عندما يقوم الرئيس الأميركي بإعلان ولاية متضررة من إعصار منطقة منكوبة بما يسمح بتقديم المساعدات للمنكوبين يمكن أن يحتج سكان بقية الولايات بأن هذا ليس من العدل لأنه لم يتم تعويضهم كما تم مع سكان الولاية المنكوبة؟ الفارق الأساسي في كل هذا، أن من قدم له التعويض والمساعدة وقع عليه الضرر بسبب خارج عن إرادته، فهو إنسان يستحق التعاطف معه لا أن نحسده.

الحمد لله ليس لديّ قرض، ولن أستفيد من قانون إسقاط القروض، ولكن الحق أحق أن يتبع، والحق أن المدينين وقع عليهم ضرر جسيم لسبب خارج عن إرادتهم. هناك جانب آخر مهم متصل بهذا الموضوع، وأرى أنه أخطر من الموضوع نفسه، وهو أن مواقف النواب من الموضوع تؤدي إلى خلق شعور بالطبقية بين شرائح المجتمع، وهو ما يتبادر إلى الذهن عندما يقرأ الواحد منا أسماء الذين عارضوا مشروع قانون إسقاط فوائد القروض في المداولة الأولى. عندما نقرأ الأسماء أن النواب المعارضين من شريحة طبقية معينة، يترسخ لدى الكثيرين أن هناك نظرة طبقية في التعامل مع المواضيع، فعندما يتعلق الأمر باستفادة علية القوم من موضوع نجد أن هؤلاء يوافقون على مساعدتهم بدعوى أنهم متضررون، وأنهم يستحقون المساعدة من الدولة، لكن عندما يتعلق الأمر ببسطاء القوم فإن التحجج بعدم العدالة والمساواة يكون ذريعة لرفض الموضوع.

كلامنا فيما سبق كله موجه إلى النواب أما إلى الحكومة فلا فائدة منه، لأنها حكومة لا تعرف مصلحتها، ومادام أنها مصرة على رأيها وتركت الدفاع عن موقفها لخازن بيت المال مصطفى الشمالي الذي يبدو أنه لا ينظر إلى الموضوع إلا من منظار واحد هو أن تكلفة مشروع القانون ستكون على الميزانية، وتصريحاته المتكررة عن حل وحيد عبر صندوق المعسرين يذكرنا بطرفة الراديو الذي انقطع خيط المؤشر على موجة وأصبح لا يذيع إلا هذه الموجة. نتمنى من الثعلب أن يتخلى عن دهائه هذه المرة، وأن يقسم قطعة الجبن بالتساوي، حتى يأخذ كل صاحب حق حقه.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top