وجهة نظر: ماذا تعرف عن استثمار القيمة؟

نشر في 05-02-2010 | 00:01
آخر تحديث 05-02-2010 | 00:01
يمثل مفهوم استثمار القيمة، أو (Value Investing)، الجانب العملي من الاستثمار بمفهومه الشامل، فهو المعنِي بدراسة الفرص الاستثمارية بطريقة تفصيلية دقيقة بغض النظر عن تقلبات أسواق المال بمختلف صورها، إنه النهج الاستثماري الأصيل الذي يبحث في قيم الشركات وملاءتها المالية، لا في حركة أسعارها كما هو متبع من قبل مستثمري التحليل الفني ومُلاحِقي الرسومات البيانية.

إذاً، فإن مبدأ استثمار القيمة يعتبر نهجا استثماريا يعتمد في الأساس على الشركة المُستثمَر بها لا على عوامل أخرى، كأوضاع سوق الأسهم مثلا، أو التغيرات التاريخية في حركة سهم معين، أو حتى الوضع الاقتصادي لسوق بعينه.

ومن هنا تنبع قوة هذا المبدأ، فهو يزيح عن المستثمر هَم المراقبة المستمرة لتقلبات سوق المال (البورصة)، التي يعرف عنها عدم الاستقرار (على المدى القصير على الأقل)، إذ يقتصر مجهود المستثمر في القيمة على دراسة الاستثمار نفسه، سواء كان هذا الاستثمار استثمارا في شركة مدرجة في البورصة أو عقار أو غيره من أنواع الاستثمار، وقراءة بياناته المالية والتاريخية بدقة شديدة معتمدا على أساسيات عامة متعارف عليها في علم تحليل البيانات المالية، دون التعمق في دراسة الأدوات والتقنيات الحديثة في مجال الاستثمار. كذلك، فإن من الأمور المتعارف عليها عند مستثمري القيمة هي أنهم يستثمرون مدداً طويلة جداً، ولا يتخلون عن استثماراتهم بسهولة، ومن أشهر مستثمري القيمة على الإطلاق الملياردير الأميركي وارين بافيت، الذي يُعرف عنه أنه لا يبيع سهما اشتراه أبدا.

الاستثمار في سهم شركة كشرائها بالكامل

من الأساسيات المتعارف عليها في مبدأ استثمار القيمة، أنك عندما تشتري أسهما في شركة معينة، فإنه يجب عليك معاملة هذا الاستثمار وكأنك اشتريت الشركة بالكامل. والهدف من ذلك حثُّك على متابعة كل ما يتعلق بهذه الشركة والتعامل معها وكأنها أحد أهم أصولك المالية الشخصية، لا مجرد استثمار في محفظتك الاستثمارية.

ولتوضيح مدى عمق وأهمية هذه الفكرة، لنفترض أنك ترغب في شراء عدد من الأسهم في أحد البنوك المدرجة في البورصة، عدد الأسهم التي ترغب في شرائها يبلغ ألف سهم، سعر السهم الحالي يبلغ ديناراً واحداً، إجمالي عدد الأسهم في البنك يبلغ مئة مليون سهم، فيتوجب عليك في هذه الحالة دراسة هذا الاستثمار بافتراض أنك ستُقدِم على شراء البنك بالكامل لا جزء منه فقط، أي عليك التعامل مع هذا الاستثمار وكأنك ستستثمر مبلغ مئة مليون دينار (100,000,000 سهم × دينار) لا ألف دينار فقط.

والأمر لا يتوقف عند تكلفة الاستثمار فقط، بل يتعداه ليصل إلى الشعور الفعلي بأنك المالك الوحيد للبنك والمستفيد الأوحد من أرباحه والمتكبد الوحيد لخسائره.

وبالتالي فإنك مُطالَب، كمستثمر للقيمة، بأن تتابع كل أخبار هذا البنك وتحلِّل بياناته المالية باستمرار، وكأن أحدا سيسألك عنها.

يجب كذلك أن تكون محيطا بكل العمليات التي يقوم بها البنك، وألّا تتورع عن التوجه إلى البنك من وقت لآخر للسؤال عن المنتجات التي مازلت تواجه صعوبة في فهمها.

ضرورة معرفة القيمة الفعلية لأي شركة تستثمر فيها

يُهمِل الكثير من المستثمرين أهمية التعرف على القيمة الفعلية للشركات التي يستثمرون في أسهمها، ويركزون جل طاقاتهم في محاولة التنبؤ بحركة هذه الأسهم (كما يفعل متتبِّعو التحليل الفني للأسهم)، لكن مستثمري القيمة لهم رأي آخر، فهم يعتبرون أن التقييم السليم لأي شركة هو الفيصل في اتخاذ قرار الاستثمار فيها من عدمه.

هناك عدة تعريفات للقيمة، إليك عزيزي القارئ بعضاً منها:

القيمة السوقية العادلة: وهي كل ما يرغب المشتري في دفعه لأي أصل مشابه. القيمة الدفترية: وهي صافي قيمة الشركة، محاسبياً، التي تختلف عن قيمتها المالية بسبب القواعد المحاسبية أو التوقيت أو غيره من العوامل.

قيمة التسييل: وهي ما تساويه الشركة في حالة بيع كل أصولها (وهي قيمة موضوعية جدا ويصعب توقعها).

القيمة الجوهرية: وهي ما يمكن للمُقيِّم أن يستنتجه من كقيمة لعمل معين، بعد تحليل الوضع المالي للشركة بناءً على الأصول، الدخل، والنمو المتوقع لها.

هناك أيضا الكثير من الطرق التي يمكن من خلالها تقييم أي أصل أو أي شركة ترغب بالاستثمار بها، ومنها:

1- خصم التدفقات النقدية.

2- مضاعف الأرباح.

3- التقييم على أساس قيمة الأصول.

4- المقارنة مع الشركات المشابهة في النشاط.

5- النسب المالية.

هامش الأمان

يعتبر مفهوم هامش الأمان من أبرز المفاهيم المستخدمة من قبل مستثمري القيمة، ويعتمد هذا المفهوم على البحث عن الشركات ذات القيمة الجوهرية العالية والمتوافرة بسعر خصم مغرٍ للشراء، بحيث يتم استخدام الفرق بين السعر العادل للشركة والسعر المعروض (المخصوم) كهامش أمان يوفر حماية للمستثمر في حال اختلف الأداء الفعلي للشركة عمّا هو متوقع منها، فعلى سبيل المثال، لو أنك اشتريت أسهم شركة معينة بمبلغ 8,000 دينار وبافتراض أن القيمة العادلة والحقيقية لهذه الأسهم تبلغ 12,000 دينار، فإنك تكون قد وفرت غطاء حماية (هامش أمان) بقيمة 4,000 دينار.

يمكن كذلك استخدام عوائد السندات أو الودائع كمقياس لهامش الأمان، ففي حالة توافر استثمار معين بعائد يبلغ 8 في المئة، وبافتراض أن سعر الفائدة على السندات أو الودائع يبلغ 4 في المئة، فإن الفرق بين العائدين يمثل هامش الأمان لمصلحة المستثمر في الاستثمار الأول.

إن من أهم ما يميز مستثمري القيمة عدم اكتراثهم بالحركة اليومية لسوق الأوراق المالية، فرغم الضجة الكبيرة التي ترافق الارتفاعات والانخفاضات الكبيرة في أسوق المال، نجد أن مستثمري القيمة يقفون موقف المتفرج من كل ذلك الصخب، فهم على ثقة بأن العبرة في قيمة الشركات التي استثمروا فيها لا في أسعار هذه الأسهم.

كذلك، فإن من يتبع مبدأ استثمار القيمة بحذافيره، فإنه يعلم يقينا أنه قد اشترى أسهمه بقيمة منخفضة عمّا هي عليه بالفعل، وبالتالي فإنه لن يتأثر كثيرا بتقلبات القيمة السوقية لهذه الأسهم.

لا يعني ذلك أن أسهم مستثمري القيمة لا تهبط أبدا، فهي كسائر أسهم الشركات المدرجة من الممكن جدا أن تنخفض قيمتها في وقت من الأوقات، لكن فرص ارتفاعها مجددا وتحقيقها عوائد مجزية تكون كبيرة مقارنة مع غيرهم من المستثمرين، كذلك فإن مستثمري القيمة ينظرون في الأساس إلى أمور أخرى غير القيم الحالية لأسهمهم، فهم يهتمون بتوزيعات الأرباح التي تدر عليهم عوائد نقدية مجزية وتعمل في نفس الوقت على تقليل كلفة الأسهم التي اشتروها بسعر منخفض أصلا.

العوامل غير الملموسة (Intangibles)

من الأمور التي يحرص عليها مستثمرو القيمة، العوامل غير الملموسة "Intangibles"، مثل الماركة أو اسم الشهرة أو مستوى ولاء العملاء والمستهلكين، وغيرها الكثير من العوامل التي لا تظهر في القوائم المالية للشركات.

يحرص مستثمرو القيمة أيضا على البيئة أو السوق الذي توجد فيه الشركة، من حيث مستوى النمو المتوقع والتحديات التي تواجه منتجات الشركة مثل المنافسة من قبل الشركات المشابهة أو التطورات التكنولوجية التي قد تجعل من منتجات الشركة متخلفة وعديمة الجدوى. للسياسة دور مهم أيضاً في تشكيل العوامل غير الملموسة الواجب دراستها من قبل مستثمري القيمة، فالصراعات والحروب والخلافات بين الدول لها تأثير كبير في عملية اتخاذ القرار الاستثماري.

من أهم العوامل غير الملموسة هي إدارة الشركة، فالتاريخ والخبرات والسمعة المرتبطة بإدارة الشركة لها تأثير كبير في عملية اتخاذ قرار الاستثمار في هذه الشركة، هناك أيضا عامل سلسلة الموردين والتي قد تحد قدرة الشركة على التحكم بأسعار منتجاتها في حال اعتماد الشركة على مصدر وحيد لتوريد المواد الأولية التي تدخل في تصنيع منتجاتها.

اجتهد واعتمد على نفسك

من أهم متطلبات الاستثمار بالقيمة الاجتهاد في البحث عن أفضل الأسهم للاستثمار فيها، وهذا الأمر فيه من الالتزام والصبر الشيء الكثير، وقد لا يكون في ميسور الكثير من المستثمرين القيام به نظرا إلى ما يتضمنه من دراسة مستفيضة لعدة أمور وعوامل مالية وفنية تتطلب تحليلا دقيقا قبل الإقدام على شراء أي سهم في سوق الأوراق المالية.

وقد يكون هذا الأمر هو السبب في توجه الكثير من المستثمرين إلى تبني أساليب استثمارية أخرى تعتمد على التنبؤ بأسعار الأسهم وعلى ما "يُشاع" بين الناس عن أخبار الشركات المدرجة من صفقات وخلافات مالية وقضايا تنظر في المحاكم، وغيرها من الأخبار التي يحلو للكثير الترويج لها.

فإذا رغبت في انتهاج مبدأ استثمار القيمة، فعليك تجهيز "صندوق الأدوات" الخاص بك، الذي يتضمن كل ما تحتاج إليه من أدوات تحليل مالي ومحاسبي للقيام بواجبك تجاه أموالك التي ادخرتها مسبقا.

ومن خلال تعرفك واحترافك لطرق التقييم السابقة الذكر، تستطيع تقليل احتمالات تعرضك لخسارة أصولك الاستثمارية وزيادة فرص تعظيم ثروتك المالية بشكل كبير.

تستطيع استخدام البيانات التي توفرها بعض المصادر عن أداء الشركات، لكن الاعتماد الأساسي يجب أن يكون على دراستك الشخصية والمكثفة لكل شركة تعتزم الاستثمار فيها.

*كاتب متخصص في إدارة الأموال الشخصية

back to top