عزبة آدم.. معاناة تتحوّل إلى مأساة!

نشر في 04-12-2009 | 00:00
آخر تحديث 04-12-2009 | 00:00
يتميّز بعض الأفلام المصرية التي بدأ عرضها في عيد الأضحى بالجدية والعناية الفنية مقارنة بأفلام عُرضت في عيد الفطر الماضي ولم تترك أثراً لدى الجمهور.

أحد الأفلام الجديدة الجادة {عزبة آدم}، الذي تسرّع رئيس {مهرجان القاهرة السينمائي} عزت أبو عوف، بالحديث عن مستواه باستعلاء وأساء إليه مبكراً، ولم يكن موقفه صائباً، خصوصاً أن الفيلم لم يعرض أمام الجمهور بعد، حيث التوقيت الصحيح للنقد والتقييم.

{عزبة آدم} إخراج محمود كامل، تأليف محمد سليمان، تصوير هشام سري، مونتاج عمرو عاصم، موسيقى خالد حماد، وتمثيل أجيال مختلفة: محمود ياسين، هالة فاخر، فتحي عبد الوهاب، دنيا سمير غانم، أحمد عزمي، سليمان عيد، سعيد طرابيك، جميعهم من دون استثناء من أفضل النجوم المصريين ويعبّرون عن نضج وتميز في فن التمثيل في مصر عبر الأجيال والمراحل.

يحرص محمود ياسين، فضلاً عن خبرته وقيمته المعروفة، في كل عمل له على عدم ادخار أي جهد للوصول إلى أدق ما يمكنه في تعبيره عن الشخصيات، فهو ليس أحد الممثلين الكبار الذين يكتفون بسجلهم الثري في الماضي، إنما يصرّ على أن يمتعنا ويدهشنا في كل دور جديد، مهما كانت مساحته، وفعل ذلك أخيراً في {الجزيرة} مع أحمد السقا وهند صبري، ثم في {الوعد} مع آسر ياسين وروبي، فهو يشارك الشباب عن اقتناع ويتواصل معهم بخبرته ويمنح أفلامهم مذاقاً خاصاً.

الأمر نفسه صنعه في {عزبة آدم} مع الممثلين الشباب الموهوبين، من بينهم: فتحي عبد الوهاب، الحاصل أخيراً على جائزة التمثيل في {مهرجان القاهرة السينمائي الدولي} عن {عصافير النيل}، ويقدم في {عزبة آدم} إلى جانب أحمد عزمي وسليمان عيد نماذج لثلاثة شبان يعيشون في عزبة تقع على أطراف مدينة القاهرة، حيث تراجع الخدمات وسيادة الفقر والبطالة، ويحاولون في ظل القسوة المتفاقمة إيجاد مخرج، وتلمس حلول أو اكتشاف بصيص ما.

يتعرّف هؤلاء الشباب إلى فتاة ليل (دنيا سمير غانم)، فيجدون أنفسهم في قلب معاناة تتحول إلى مأساة! من الفقر ومحاولة الخروج من الخناق أو المصيدة، إلى الدخول في التعثر أكثر والتورط في جريمة قتل أثناء محاولتهم سرقة أحد الجيران (سعيد طرابيك)، لكن الغريب أن أحدهم (فتحي عبد الوهاب) يفلت من العقاب بالاتفاق مع الضابط (ماجد الكدواني) ليمثلان بعدها الشر الذي يفلت من عقاله ويهدد المكان.

يدور صراع محكم ومتصاعد درامياً وفنياً، بين الشر الذي خرج من رحم الفقر والقهر والتخلف ليحكم قبضته ويسيطر عبر المخدرات والإساءة إلى القانون، وبين الخير الذي يمثله شيخ الصيادين (محمود ياسين) المدافع عن الفقراء وحقوق المغبونين وعاكساً عبارة بريخت في مسرحه: {المجد للإنسان الطيب وقدرته على الحياة وعلى مواجهتها}.

كان ياسين دقيقاً مرهفاً في تعبيره عن هذا المعنى وعن صعوبة الصراع في الوقت نفسه، كذلك تميّز الممثلون بصدق مواهبهم، في مقدمهم عبد الوهاب الذي يتطوّر بثبات ودنيا التي تشير أدوارها الأخيرة إلى ميلاد ممثلة ونجمة جديدة من طراز حقيقي وأصيل.

عندما نقول إن {عزبة آدم} أحد الأفلام التي اتسمت بجدية وعناية فنية، لا نعني بطبيعة الحال {التجهم}، وإنما عدم التعامل مع الجمهور باستخفاف، أو مع السينما حرفياً وفنياً باستهانة.

يُشار إلى أن تعرّض {عزبة آدم} لمشاكل مع جهاز الرقابة، التي نقلت ملفه إلى وزارة الداخلية، في النهاية سوّيت المشكلة بصعوبة.

والفيلم هو الثاني للمخرج محمود كامل، إذ شاهدنا له في بداية العام {ميكانو} باكورة عمله السينمائي، واتسم بالجدّية والعناية الفنية، وهو دراما نفسية مميزة، شمل الجهد فيها العناصر الفنية المختلفة وقدمها على الشاشة باتقان الثالوث: تيم الحسن وخالد الصاوي ونور.

back to top