خبراء: المخطط الإسرائيلي يعتمد سيناريو التضليل فلسطين... ذاكرة مصيرها النسيان؟

نشر في 06-04-2010 | 00:01
آخر تحديث 06-04-2010 | 00:01
باحات مستباحة، آثار لا حرمة لها ومساجد تهدم وكنائس تهجر... هكذه هي صورة فلسطين المحتلة اليوم، التي تتعرض لمخطط بشع لتهويد تراثها العربي وطمس هويتها الإسلامية. فحادثة ضم الحرم الإبراهيمي إلى الآثار اليهودية وبناء كنيس الخراب ليست عنواناً للأزمة بقدر ما هي صفحة من ملف ضخم يضم الجرائم الإسرائيلية المستمرة للسطو على التراث العربي في فلسطين، ما يؤكد على رغبة محمومة للقضاء على كل ما يخالف عبرية الدولة للوصول إلى وهم النقاء العبراني.
تزامن قرار نتانياهو بضم الآثار العربية إلى الآثار اليهودية مع ما تقوم به السلطات الإسرائيلية بنقل آثار المتحف الفلسطيني داخل حاويات ضخمة إلى أماكن مجهولة، كذلك تحوّل الجامع الكبير في بئر سبع إلى متحف إسرائيلي، فيما أشارت آخر إحصائيات دائرة الآثار والتراث الثقافي الفلسطينية إلى تعرض ما يزيد على 500 موقع أثري وأكثر من 1500 معلمة أثرية فرعية للسرقة والتدمير من لصوص الآثار والاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى تعرض عدد من مراكز القرى التاريخية لأعمال التدمير الكلي أو الجزئي.

 

الخراب

يرصد الدكتور عماد جاد رئيس تحرير مجلة "مختارات إسرائيلية" نبوءة الحاخام اليهودي إيليا بن شلومو زلمان الصادرة عام 1750، بأن يوم البدء في بناء هيكل سليمان هو اليوم التالي الذي يلي إعادة افتتاح كنيس الخراب "معبد هاحوربا"، وكان الأخير قد تأسس في العصر العثماني عام 1700 على يد مجموعة من يهود بولندا، بعد تقديم رشوة لعمال الدولة العثمانية للسماح ببنائه، إلا أنه دمر عام 1721، وبقي مكانه خراباً. من هنا اكتسب اسمه، ثم أعيد بناؤه عام 1864، لكنه سوي بالأرض عام 1948 أثناء تقدم القوات الأردنية للسيطرة على مدينة القدس في الحرب العربية لتحرير فلسطين، وتأتي خطورة مثل هذه النبوءات من قدرة الكيان الصهيوني على تحويلها إلى واقع كئيب اعتماداً على قوتها والتواطؤ الدولي معها وضعف العرب وانقسامهم. وهدف إسرائيل اليوم استعادة جميع الطقوس الخاصة بالدولة اليهودية القديمة، من إقامة الهيكل على أنقاض الأقصى وإكساب المدينة المقدسة الطابع اليهودي، وصولاً إلى الخلاص اليهودي المزعوم.

في هذا السياق، أكد الأستاذ في كلية الآثار الدكتور مختار الكسباني أن الكنائس في فلسطين لم تسلم من النهب وعمليات السطو ومحاولات محو الهوية، موضحاً أن إسرائيل ستعلن قريباً عن ضم الكنيسة القبطية في القدس (تابعة للكنيسة المصرية) إلى آثارها، ومهد لذلك بابا روما الذي كفّر أخيراً الطوائف المسيحية  في ما عدا الكاثوليك، وما يزيد خطورة الوضع العمل على تهجير الطوائف المسيحية من قوات الاحتلال، إضافة إلى استيلاء سلطات الاحتلال على مبنى النوتردام وأملاك الكنيسة الأرثوذكسية (المسكوبية)، ناهيك عن الانتهاكات المستمرة على الكنائس الأخرى.

بدوره، أشار عالم الآثار المصرية وأمين المجلس الآعلى للآثار سابقاً عبد الحليم نور الدين إلى سعي السلطات الإسرائيلية إلى إضفاء الطابع اليهودي على المآثر الحضارية والعمرانية في القدس، والتي تعود إلى حقب حضارية سابقة شهدتها المدينة على مدى عصورها المختلفة، إذ تستهدف السلطات الإسرائيلية آثاراً رومانية في المدينة تعود إلى عهد الإمبراطور الروماني هيدريانوس الذي أعاد بناء مدينة القدس عام 135م، وأطلق عليها اسم "إيليا كابتولينا"، وهي التي عربها العرب والمسلمون باسم "إيلياء"، ومن أهم آثار المدينة القديمة الشارع الرئيس فيها الذي رممته إسرائيل ووضعت مجسم للشمعدان اليهودي على مدخله كرمز له مدلوله السياسي والثقافي.

كذلك انتقد نور الدين تجاهل "اليونيسكو" للقضية برمتها، مشيراً إلى أن المنظمة هاجت وماجت عندما كسّرت طالبان تماثيل بوذا، فلماذا تصمت الآن ومساجد أثرية كبيرة تنتهك وتُحرق وتُسرق؟

أكد نور الدين على وجود قانون يحمي آثار الأراضي المحتلة، موضحاً أن الأمم المتحدة هي صاحبة هذا القانون، واستخدمه الأثريون المصريون عندما حاولت إسرائيل سرقة الآثار المصرية في سيناء إبان الاحتلال، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة تقف صامتة أيضاً أمام هذا الانتهاك الإسرائيلي المتكرر، فضلاً عن سياسة تهجير الفلسطينيين من القدس كأحد الوسائل المعتمدة لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي لأجل تشكيل واقع جديد يكون فيه اليهود النسبة الغالبة في مدينة القدس، وقد وضعت حكومات دول الاحتلال المتعاقبة مخططات لتفريغ القدس من سكانها العرب وتسكين مستوطنين يهود.

الأقصى محاصر    

عن المسجد الأقصى، يرصد خطيب المسجد الأقصى المبارك ورئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري المحطات المهمة في تاريخ عملية الهدم - بطيئة الخطى أكيدة المفعول- التي يتعرض لها المسجد، قائلاً: "بدأت مأساة المسجد في عام 1969 عندما أحرق الإرهابي دنيس دوهان محراب المسجد في محاولة لتدميره بأكمله، وفي عام 1984 تسلق سور القدس شخصان من عصابة لفتا - تنظيم سري يهودي - وبحوزتهما كميات كبيرة من المتفجرات والقنابل اليدوية بهدف تدمير مسجد قبة الصخرة، وفي عام 2000 كشف النقاب عن مخطط لتفجير قبة الصخرة وكان من بين المشاركين جنود في الوحدات الخاصة، وفي عام 2001 حاول ثلاثة يهود اقتحام الأقصى عند باب المغاربة وتفجيره بالقنابل، وفي العام نفسه أكد المركز الأميركي للدراسات الاستراتيجية إدخال متعصبين يهود مواد إشعاعية وبيولوجية وكيماوية إلى المسجد وحشدت الجماعات اليهودية المتطرفة قواها للإعداد لأكبر عملية تخريب للمسجد الأقصى في 16 مارس (آذار) الماضي، فوفقاً لنبوءات توراتية لا بد من بداية بناء هيكل سليمان في هذا الموعد تحديداً، وهذا لن يتم إلا بعد التخلص من كل حجر في باحة المسجد الشريف".

يتابع عكرمة: "إذا كان هذا موقف الجماعات اليهودية المتطرفة من المسجد، فإن موقف الحكومة الإسرائيلية لا يختلف كثيراً، إذ صعدت من حملتها ضد المسجد الأقصى ابتداء من عام 1974 عندما وقعت اتفاقية مع جامعة في لندن لتأسيس حفر تحت المسجد الأقصى وإثبات الوجود الإسرائيلي في القدس. منذ ذلك الوقت لم يعثروا على أي أثر يهودي، ثم انتزعت إسرائيل بعض الآثار في القدس وزعمت أنها تراث يهودي، ناهيك عن الخطورة التي باتت تتعرض لها أساسات المسجد الأقصى التي تقف عارية في انتظار زلزال بسيط يسقط المسجد". كذلك صادقت الحكومة الإسرائيلية في 21 من فبراير (شباط) الماضي على خطة خماسية لتهويد معالم أثرية في فلسطين التاريخية، وترميم أخرى، وإقامة مشاريع تراثية تهدف لتعزيز الروابط الوجدانية بين البلاد وبين الأجيال اليهودية الناشئة، وتشمل الخطة: إقامة نصب تذكارية، ومتاحف صغيرة، ومسارات للمشاة، ومواقع أثرية وحدائق، ومراكز معلومات، وترميم مواقع قائمة ولن يتم ذلك بالتأكيد إلا بعد طمس المعالم العربية الإسلامية في فلسطين بما في ذلك المساجد التي هدمت الكثير منها، بدأت الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ هذا المخطط بضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال في مدينة الخليل وموقع "قبة راحيل" في مدينة بيت لحم إلى قائمة التراث القومي الإسرائيلي كمقدمة لما سيتلوهما من آثار.

فلافل

لا تخجل إسرائيل في محاولتها لتشكيل تاريخ زائف من سرقة الفلكلور الفلسطيني من أزياء وأطعمة، فتزعم أن "الفلافل الفلسطينية" إسرائيلية والمعروف أنها طعام شعبي شهير في فلسطين وما جاورها من أقطار عربية، وبرع الفلسطينيون في إعداده ونقلوه إلى مصر حين جاؤوها بعد حرب عام 1948. كذلك دأبت الحكومة الإسرائيلية على استبدال أسماء شوارع وساحات عامة عربية في القدس بأسماء إسرائيلية لطمس ما تحمله من تاريخ عربي وإسلامي.

عموماً، سياسة التهويد التي تتم في ربوع فلسطين ليست مفاجأة، بل يرجع تاريخها إلى قرن مضى عندما أعلن تيودور هيرتزل المخطط الأول لإنشاء الوطن اليهودي، قائلاً: "إذا قدر لنا يوماً أن نملك القدس وأنا على قيد الحياة، وكنت قادراً على أن أفعل شيئاً فسأدمر كل ما هو غير مقدس عند اليهود فيها، وأحرق الآثار التي مر عليها قرون"، وهي مقولة شرع أحفاد هيرتزل في تنفيذها. ففي 9 يونيو (حزيران) عام 1967 وبعد أربعة أيام فقط من بدء الحرب تقدمت الجرافات الإسرائيلية لإزالة حي المغاربة أحد أهم أحياء القدس التاريخية، ثم استولت على المتحف الفلسطيني وحوّلته إلى مقر لدائرة الآثار الإسرائيلية. كذلك سطا المحتلون على أرشيف دائرة الآثار الفلسطينية ونهبوا الآثار في المتحف في محاولة للقضاء على أي أثر فلسطيني، وبدأت تتكشف لعبة تعمد تزييف الحقائق بمحاولة ضم مواقع عربية إلى قائمة التراث العالمى باعتبارها مواقع إسرائيلية.

back to top