إخفاء الشركات الكويتية «تصنيفها السلبي»... خطوة نحو اللا حوكمة

نشر في 10-01-2010 | 00:01
آخر تحديث 10-01-2010 | 00:01
• ترفض التعاون مع وكالات التصنيف الائتماني ما لم تتأكد من النتيجة مسبقاً
• شركات سعودية وقطرية وإماراتية تفصح عن تصنيفها الائتماني في سوق المال... حتى إن تدهور
رغم عزوف شركات عن الإفصاح عن التصنيفات السلبية أو المتراجعة التي صدرت بشأنها من قِبل مؤسسات التصنيف الائتماني، فإنها طلبت من الأخيرة ألّا تصدر عنها تقارير تصنيفية، بينما يتأكد تراجع تلك التصنيفات، خصوصا أن تلك الشركات متيقنة من تراجع تصنيفاتها بسبب الأزمة المالية وتأثرها بها.

في ما يعد طورا إضافيا من انتهاج السياسات الطاردة للاستثمارات، يضرب السوق الكويتي وشركاته المدرجة أبرز الامثلة على افتقاره إلى إيجابيات كثيرا ما تميز بها عدد من اسواق الدول الخليجية، على رأسها سوقا السعودية وقطر، اللذان يشهدان كل يوم، دربا من دروب الشفافية والإفصاح.

فبينما تطالعنا بصفة مستمرة شركات سعودية وقطرية، عبر بيانات واخبار تصدر عنها، بمراجعة المؤسسات العالمية للتصنيف الائتماني لتلك الشركات، حتى إن جاء هذا التصنيف متراجعا، تأبى الشركات الكويتية الا ان تفصح "فقط" عن التصنيفات الائتمانية التي تصدر عنها من مؤسسات التصنيف وتكون ايجابية أو متقدمة.

ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، فإضافة الى عزوف الكثير من الشركات الكويتية عن الافصاح عن التصنيفات السلبية او المتراجعة التي صدرت عنها من قبل مؤسسات التصنيف الائتماني، طلبت بعض الشركات من تلك المؤسسات الا تصدر عنها تقارير تصنيفية، في وقت يتأكد فيه تراجع تلك التصنيفات، خصوصا أن تلك الشركات تتيقن من تراجع تصنيفاتها بسبب الازمة المالية وتأثرها بها.

وقد اثارت هذه السياسات استنكار معظم الاوساط الاستثمارية على الصعيدين المحلي والعالمي، فبجانب انه يمثل عامل طرد للاستثمارات المحلية، فانه يؤدي الى عزوف المستثمرين الاجانب عن توجيه استثماراتهم الى اسواق تفتقر حتى الى ادنى معايير الحوكمة والشفافية، اضف الى ذلك انه منذ اندلاع الشرارات الاولى للازمة الاقتصادية.

إهمال معايير الحوكمة والشفافية

واستجابة من النظام المالي الكويتي بصفة عامة وشركات الاستثمار على وجه الخصوص لتبعات ومؤثرات هذه الازمة، اتفقت معظم المؤسسات المالية العالمية الكبرى ووكالات التصنيف على أن شركات الاستثمار أهملت، بشكل لافت، معايير الحوكمة والشفافية ومقاييس الامان وذهبت الى اقصى درجات المخاطرة في استثماراتها، مما ادى بها في النهاية الى هذا الوضع المتردي، وتمحورت مطالب تلك المؤسسات الموجهة الى شركات الاستثمار الكويتية في التركيز على تعزيز الوضع النقدي وتحسين الإدارة النقدية في شركاتها القابضة والشركات المستثمرة فيها، وتعزيز ادارات المخاطر والعمل على زيادة الايرادات التشغيلية، مع عدم تركيز الاهتمام على المضاربات في سوق الاسهم، كما اكدت معظم التقارير ان الشفافية ضعيفة جدا في هذه الشركات.

وقد ادى ضعف الشفافية في بعض الشركات الكويتية الى عجز وكالات التصنيف الائتماني عن كشف الثغرات والمخاطر الائتمانية لمعظمها، ومن ثم تحديد سعر عادل لاسهمها، بعد اتجاه الاخيرة إلى اخفاء الكثير من الحقائق المتعلقة بالوضع المالي بهدف الحصول على تقييم اعلى لاسعار اسهمها، او السعي الى اخفاء هذه التصنيفات "المتراجعة".

وإعمالاً لذلك، عزف عدد من شركات التصنيف والاستشارات اخيرا عن اصدار دراساته بشأن التصنيف الائتماني والتقييم العادل لاسعار اسهم شركات مدرجة في سوق الكويت للاوراق المالية.

مخاطر عالية

وعزز ذلك الاتجاه إلى أن تلك المؤسسات اكتشفت ان معظم الشركات الكويتية تتسم استثماراتها بدرجة مخاطر عالية، من حيث التوزيع الجغرافي لتلك الاستثمارات، اذ رأت ان معظمها اقدم على الاستثمار في مناطق مضطربة سياسيا وشديدة التوتر، اضافة الى ان وكالات التصنيف وجدت الكثير من الاستثمارات غير تشغيلي، ويعتمد بصفة اساسية على الاستثمار في سوق الاسهم، كما وجدت أن تلك الشركات تفتقر الى المهارة اللازمة في ادارة المخاطر، وينعدم في سياساتها تنويع الاصول، وتفتقد الانشطة والمشاريع والتوسعات، وتعتمد في تحقيقها للارباح على ارتفاع او هبوط مؤشرات الاسواق.

وكان سوق الكويت شهد رواجا لأسهم شركات ليس لها انشطة ولا مشاريع ولا توسعات ولا حتى موظفون، بل هي في حقيقتها مجرد محفظة استثمار تتكل في الصعود والهبوط على حركة المؤشر لا على آلية الاستثمارات لديها، وهذه الشركات كما يتذكر من عاصروا ازمة سوق المناخ كانت شرارة الانهيار، لأنها تعبر عن ربح سريع من دون اساس وسرعان ما يتبخر اذا دارت الدوائر على اسهم الشركة، لذلك فهي قريبة إلى خطر تراجع او انهيار قيمة الاصل، وتراجع اسواق المال كما حدث منذ اندلاع الشرارات الاولى للازمة المالية العالمية.

بالاضافة الى ان تلك الوكالات اكتشفت افتقاد العديد من الشركات المدرجة الشفافية، اذ حاولت تقديم بيانات مضللة، تتعلق بالوضع المالي الحقيقي للشركة، املا في تقييمها بسعر اعلى من سعرها الحقيقي، وتحديد "سعر عادل" يعينها على البقاء.

سياسات مُلتوية

وانتهجت تلك الشركات سياسات ملتوية لتقديم بيانات مضللة ومعلومات غير محددة لوكالات التصنيف، اخفاءً لحقيقة موقفها المالي، فبعض الشركات قدم معلومات مغلوطة عن حجم التدفقات النقدية، املا في اقناع مؤسسات التصنيف بتوافر السيولة.

ايضا لم تتوانَ تلك الشركات عن الادلاء بمعلومات غير محددة عن حجم القروض وآجال استحقاقها، فهي حاولت اقناع مؤسسات التصنيف ان احجام القروض ليست ضخمة كما ان آجال استحقاقاتها بعيدة، في محاولة منها لاقناع المؤسسات انها ليست مطالبة بتسديد قروض في الوقت الحالي، وان موقفها المالي جيد.

وفي نفس السياق، وبالاضافة الى اخفاء الاحجام الحقيقية لديون الشركات، فهي عزفت عن تحديد اسعار الفائدة التي تتحملها القروض، وحاولت تقديم بيانات مالية تثبت اسعار فائدة اقل من الحقيقية.

مُغالاة في الأصول

أيضا، وجدت وكالات التصنيف ان الكثير من اصول تلك الشركات غالي القيمة او منتفخ، وهي نفس الاصول التي اقدمت الشركات على شرائها قبيل الازمة وتراجع الاسعار، باسعار اغلى من قيمتها الحقيقية، او تلك الاصول التي تم تقييمها قبلا باسعار عالية، ثم جاءت الازمة لتجعلها "لا تسوى بيزة"، وتعد في هذا السياق الاصول الاكثر خطورة هي تلك التي تم رهنها باسعار عالية لدى البنوك، والتي بالطبع ستتقهقر قيمتها كثيرا وقد تختفي.

كما اكتشفت الكثير من الاصول غير القابلة للتسييل "أي غير القابلة للبيع"، وهي الاصول المجمدة التي لا يمكن ان تباع لانخفاض قيمتها بعد الازمة بمعدلات لا يمكن معها ان تعوض بعضا من خسائرها، وكما انخفضت اسعار الكثير من العقارات انخفضت ايضا اسعار الاسهم.

الإفصاح المُطلَق

تعتمد معايير حوكمة الشركات في تطبيق جانبها العملي على ركيزتين أساسيتين هما الشفافية والوضوح.

ويقصد بالشفافية الإفصاح المطلق عن مجموعة من الحقائق.

وقد وضعت منظمة الشفافية العالمية التي تأسست في مايو من عام 1993 ولها تقرير سنوي يقيس مستويات التنافسية الحرة والفساد المدرك ويصنف الدول في العالم بترتيب تنازلي، العناصر الأساسية لمفهوم الشفافية:

• سهولة المعلومة والحصول عليها.

• استخدام قنوات تواصل فعالة.

• تحمل المسؤولية في الافصاح عن الحقائق.

بينما يقصد بمفهوم الوضوح إيضاح الحقائق وكل مدلولاتها، وهو مكمل وغير مقابل لمفهوم الشفافية، إذ يبنى مفهوم الوضوح على:

• إبراز الحقائق كما وردت.

• الإيضاح الكامل لتلك الحقائق.

• ربط الوقائع بالأمور الأخرى، وآثارها المحققة أو المتوقعة.

وكالات تصنيف الجدارة الائتمانية

تعتمد مؤشرات تصنيف الجدارة الائتمانية بالدرجة الأولى، على الملاءة المالية للشركة والمخاطر التي قد تؤدي إلى عجز المقترض (الشركة) عن الوفاء بالتزاماته المالية، وفي الوقت الراهن وفي خضم الأزمة المالية العالمية وانعدام الثقة، فإن أي تخفيض في التصنيف من قبل أي مؤسسة تصنيف عالمية قد يؤثر بشكل سلبي في أهداف الشركات للحصول على تمويل من الأسواق المالية العالمية، بغض النظر إذا كان التقرير قد اعتمد في تصنيفه على أسس علمية واقعية أو على المخاوف من الأزمة المالية وتبعاتها على الاقتصاد العالمي.

ونبع الاهتمام بوكالات التصنيف الائتماني، بعد تطور الأسواق واتساعها وكثرة المعاملات الاقتصادية والمتعاملين بها، وازدياد سرعتها إلى نقص كبير في المعلومات بين المتعاملين.

وولد ارتفاع حجم وعدد الصفقات التجارية الحاجة إلى توفير المزيد من الائتمان، الذي تطلب بدوره توفير معلومات لتحديد قدرة المقترضين على السداد، وقد أدت حاجة المستثمرين والمقترضين إلى سد فجوة المعلومات الموجودة بينهم، والرغبة في توفير معلومة سهلة الفهم وموجزة عن مستوى المخاطر في إقراض المؤسسات والشركات والأفراد، إلى إنشاء شركات خدمات المعلومات الائتمانية في منتصف القرن التاسع عشر، واستخدمت هذه المعلومات في بداية القرن العشرين لتطوير خدمات تصنيف الائتمان، وكان جون مودي أول من أسس التصنيف المؤسسي في بداية القرن العشرين، عندما صنف سندات شركة السكة الحديد في الولايات المتحدة، وبعد ذلك انتشر تصنيف المؤسسات والسندات، لكن تصنيف الأفراد ائتمانياً بدأ في خمسينيات القرن الماضي.

 وتصنيف الائتمان ببساطه هو رقم أو رمز يحدد قدرة المقترض على السداد، وتسمى عادةً الشركات المصنفة للائتمان بالوكالات، وتتصف خدمات تصنيف الائتمان بقلة عدد الوكالات، فلم يتجاوز عدد وكالات تصنيف الشركات والإصدارات في الولايات المتحدة خمس وكالات في أي وقتٍ من الأوقات، ويوجد في الوقت الحالي في الولايات المتحدة ثلاث وكالات رئيسية لتصنيف ائتمان الأفراد وثلاث وكالات رئيسية أخرى لتصنيف الشركات والإصدارات.

وتنتشر فروع هذه الوكالات في كثيرٍ من دول العالم، وتسيطر الشركات الأميركية على سوق تصنيف الائتمان في العالم.

التصنيف وضرورة تعزيز الشفافية

تنبع ضرورة اصدار التصنيفات الائتمانية للبنوك والشركات والمؤسسات المصرفية والمالية من اهمية التصنيف في اعطاء القوة لهذه المؤسسات من جهة، ومن جهة اخرى منح السوق والمستثمرين المزيد من الثقة للسوق المالي والمصرفي.

وقد اصبح التصنيف إجباريا في عدد من دول العالم، كنتيجة حتمية لتطورات السوق التي شددت على ضرورة تصنيف المؤسسات المالية والمصرفية بغية تحقيق الشفافية الكاملة امام عموم المتعاملين في السوق. وتتلخص فوائد عملية التصنيف في تعزيز الشفافية بشكل كبير، والتي من شأنها تقليل المخاطر في الاستثمارات المتنوعة، وجاء بروز شركات التصنيف عالميا بسبب ضغوطات السوق، اذ تطور السوق والاعمال وانتشار الشركات المالية والمصرفية بشكل عام، مع احتمالية حدوث مخاطر عالية لهذه الشركات غير المصنفة، فأصبح لازما تقييم نشاط تلك الشركات، فجاءت شركات التصنيف التي تعطي درجات مختلفة لتوضيح كل الامور بوضع الشركة او البنك او المنتج الذي يمكن التداول فيه او التعامل معه، بغرض تقليل حجم المخاطرة في هذه الاستثمارات.

واصبح من الضروري ان تكون عمليات التصنيف على المؤسسات والشركات المالية والمصرفية في الدول النامية إجبارية، في ضوء التطور الكبير في الاعمال المصرفية والمالية، لاسيما في مجال الصناعة المصرفية والمالية التي تشهد نموا كبيرا في عدد المؤسسات المصرفية والمالية.

back to top