عقول الطغيان والاستغناء

نشر في 16-04-2010
آخر تحديث 16-04-2010 | 00:00
 أ. د. فيصل الشريفي الدول المتحضرة التي تقود العالم يقودها القانون وفق معادلة «الحقوق تقابلها الواجبات» لكننا في الكويت ننظر للحقوق على أنها ملكية خاصة لا تترتب عليها مسؤوليات، ولذا نرى من يتجاوز لا يحاسب، ولا صدى لكلمة الأمن الداخلي.

في مداخلة للمغفور له الشيخ سعد العبدالله في مجلس الأمة عندما كان وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء حذر نواب الأمة من تشتيت الجهود في ظل وجود عدو خارجي اسمه المقبور صدام، ذكر عبارة مازالت أصداؤها باقية في مسمعي «الأمن ثم الأمن ثم الأمن» قالها رحمة الله عليه، وهو يدرك أن صدام لم يعد صدام الغزو، بل مقصوص الجناحين ومكسور الأسنان، بعد أن دحرته قوات التحالف جاراً وراءه أذيال الفشل والعار، لكن الشيخ سعد - رحمه الله- كان يدرك مغبة إغماض العين وعدم اللامبالاة.

اليوم يحلو للبعض ضرب مكونات المجتمع تحت بند «كثر الطق يفك اللحام» لمصالح قد تبدو أحجية في بادئ الأمر، إن باعدنا بين صورها الذهنية، لكن إن جمعناها تجدها واضحة تخدم مجموعة من الطاغين المستغنين ممن يرون أنفسهم ولا يرون غيرهم، ويعتقدون باكتفائهم عن الآخرين وكأنهم في جزر المالديف بالجنّة لأنهم لا يستحقونها إن تطابق طغيانهم واستغناؤهم على مفهوم الآية الكريمة في سورة العلق «كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى» صدق الله العظيم.

بعض المفسرين يرى نزول الآية في أبي جهل، ومن الجهل ما قتل، والطاغي هو ذو فرح أشر وبطر، يتجاوز في الظلم، والمستغني من يستغني عن الناس بالمال والسلطان وأحيانا بالخيال.

اليوم أبو جهل دخل علينا بثوب حرية التعبير، فهو سمح لنفسه أن يضرب ويتاجر في جو سياسي أعطاه مجال الشعور بالاستغناء مستغلا غياب الرقابة وانفتاح إعلامي لم يصل للاحتراف، ولن يصل إن ظل يبحث عن الإثارة ذات تقنية الفيديو كليب.

الدول المتحضرة التي تقود العالم يقودها القانون وفق معادلة «الحقوق تقابلها الواجبات» لكننا في الكويت ننظر للحقوق على أنها ملكية خاصة لا تترتب عليها مسؤوليات، ولذا نرى من يتجاوز لا يحاسب، ولا صدى لكلمة الأمن الداخلي.

لا يمكن المقامرة أكثر على سعة الصدر إن استمر النفخ وصب الزيت على النار بهذه الطريقة، فالكلمة الطيبة قد تجد المنصت في أذن العاقل، لكن الأرعن يحتاج إلى تلجيم بتطبيق القانون وفرض هيبته.

خيوط ضرب الوحدة الوطنية نجدها تنتهي بطرح فكرة تعديل الدستور وكأنه أسس الخراب، ناسين أن هذه المعادلة تسقط دائما أمام قدرة الدستور الجبارة على الاحتواء وإسقاط جميع التهم بالضربة القاضية.

ودمتم سالمين. 

back to top