الفوضى السياسية في أفغانستان... والمآزق البرلمانية

نشر في 14-01-2010
آخر تحديث 14-01-2010 | 00:01
يعتبر شهر مايو بداية "موسم القتال" في أفغانستان، فالوضع الأمني المتردي في معظم أنحاء البلاد، فضلاً عن عدم توافر الوقت الكافي لتقييم المرشحين للانتخابات البرلمانية، لا يشجع على إجراء انتخابات جديدة.
 إيكونوميست كان يُفترَض أن تكون هذه اللحظة التي تضع فيها أفغانستان حداً لنحو ثمانية أشهر من الاضطراب السياسي وتمضي في دك حركة "طالبان"، فمن جهتهم، أعرب دبلوماسيون غربيون متفائلون عن أملهم أن يتخطى حامد كرزاي الانتخابات المزورة التي أعلنته رئيساً، وذلك عبر تعيين حكومة من التكنوقراطيين الموهوبين. من جهة أخرى، سيتم التخلي عن فكرة إجراء انتخابات أخرى، هذه المرة للبرلمان، ما يسمح للجنرال ستانلي ماكريستال، القائد الأميركي لقوات حلف "الناتو"، بالتركيز على استخدام الجنود الإضافيين الذين أرسلهم باراك أوباما "لتوفير الأمن للسكان" بدلاً من مجرد تسجيل الأصوات في مراكز الاقتراع.    

لكن الطبقة السياسية الأفغانية تثبت عدم استعدادها للعمل وفق السيناريو الغربي. ثمّة مشكلتان تهددان بأشهر إضافية من الشكوكية السياسية وربما بأزمة دستورية أخرى: الأولى، هي أن البرلمان رفض 17 مرشحاً وزارياً من بين الأربعة والعشرين الذين تقدم بهم كرزاي، وكان مثل هذا الرفض متوقعاً، إنما ليس على هذا النطاق الواسع. بدا النواب أنفسهم في ذهول على الرغم من الحديث الواسع عن توجيه صفعة لـ"ديمقراطية المساهمين"، وهي ما يعتبرونها محاولة فاضحة من قبل أسياد الحرب للحصول على مناصب وزارية لقاء المساعدة التي قدموها لكرزاي في انتخابات العام الفائت، وذلك بغض النظر عن كفاءتهم أو سجلهم.

معظم الذين رُفضوا مرتبطون بقادة ميليشيات برزوا خلال زمن الحرب الأهلية أو بأحزاب سياسية، فأحدهم إسماعيل خان، الذي رُفضت إعادة تعيينه في منصبه القديم كوزير للطاقة، كان سيد حرب مشهور على وجه التحديد. يرى البعض في هذا الرفض إشارة جزم مشجّعة من البرلمان الذي يُساء استغلاله أكثر من أي شيء آخر في أفغانستان، بينما يعتبره آخرون مؤامرة ماكرة من قبل كرزاي لاستخدام البرلمان للتخلص من الأشخاص الذين لم يردهم يوماً في حكومته على أي حال.   

لكن معظم هؤلاء، بمن فيهم موظف الأمم المتحدة الرفيع المستوى في البلاد، كاي إيدي، يخشون من أن يطيل ذلك حالة الشلل السياسي في أفغانستان. لم تنجز الحكومة الكثير منذ بدء حملة الانتخابات الرئاسية في يوليو الفائت، وكذلك تشير الاتهامات بالاحتيال الواسع والحاجة إلى عملية متقنة لإعادة فرز الأصوات والتدقيق في النتائج، إلى أن فوز كرزاي لن يُعلن قبل نوفمبر. هذا وأُرجئ تعيين حكومته قدماً بسبب مفاوضات معقدة على المناصب بين كرزاي ومؤيديه من أسياد الحرب، وما زاد هذه المهمة صعوبةً وعد كرزاي على ما يبدو بالمناصب عينها لأشخاص مختلفين، في الوقت عينه، تعطلت آلاف المشاريع في ظل انتظار المانحين تعيين وزراء جدد.  

سيسعد دبلوماسيو الغرب أن معظم الوزراء السبعة الذين وافق عليهم البرلمان تكنوقراطيون وذوو كفاءة، وقد أُعطوا أهم الوزارات، بما فيها الدفاع، والداخلية، والمالية. لكن كرزاي لا يريد ترؤس حكومة لم يكتمل تشكيلها حين سيلتقي وزراء الخارجية في لندن في 28 يناير. بحسب وزير الخارجية البريطاني غوردون براون، يهدف ذلك الاجتماع إلى نقل المزيد من الالتزام بحكم أفغانستان إلى حكومة جديدة كفؤة، وذلك تمهيداً لانسحاب نهائي للقوات الأجنبية. من جهته، طلب كرزاي من النواب تأخير عطلتهم الشتوية، التي يُفترض أن تبدأ في الأيام المقبلة، على أمل أن يتقدم بمرشحين جدد قبل بدء مؤتمر لندن، لكن النواب قد يعترضون مجدداً إن اقترح الرئيس الأفغاني مجدداً حكومة مليئة بأعوان أسياد الحرب. وبالفعل، يقول بعض المتفائلين إنه في حال أصر البرلمان على مطلبه بترشح وزراء ذوي سجل نظيف، عندئذ قد تحظى البلاد في النهاية بحكومة لائقة بحق.  

لكن على كرزاي أن يكافئ مؤيديه بطريقة ما، وإلا قد يشهد انحلال تحالفه السياسي أو حتى انجرافه نحو المرشح الرئاسي عبدالله عبدالله، أكبر منافس لكرزاي في الانتخابات الرئاسية، والذي برز بصفته زعيم المعارضة الأساسي في البلاد. لذلك ستعاود الكثير من الأسماء الظهور على الأرجح، ولو لمناصب وزارية مختلفة. قد يحصل البعض أيضاً على منصب سفير الذي يُعتبر مرغوباً أو حاكم في أحد الأقاليم.  

وحتى إن تمكن كرزاي من تأليف حكومة مكتملة قريباً، فلاتزال مشكلة ثانية تلوح في الأفق، فقد أقرت لجنة الانتخابات المستقلة بضرورة انطلاق الانتخابات البرلمانية في 22 مايو. فبعد الانتخابات الرئاسية والإقليمية المزوّرة والعنيفة العام الفائت، تشكّل دورة تصويت أخرى في غضون خمسة أشهر فقط احتمالاً مكروهاً بالنسبة إلى الدبلوماسيين الأجانب ومراقبي الانتخابات.

يعتبر شهر مايو بداية "موسم القتال"، فالوضع الأمني المتردي في معظم أنحاء البلاد، فضلاً عن عدم توافر الوقت الكافي لتقييم المرشحين، لا يشجّع على إجراء انتخابات جديدة. فالانتخابات الموثوقة ستتطلب على الأقل إصلاح نظام فاسد، ولاسيما لجنة الانتخابات المستقلة، التي ثبت في المرة الأخيرة أنها بعيدة كل البعد عن الاستقلالية. لكن التغييرات الضرورية في القوانين الانتخابية، كإلغاء حق الرئيس في تعيين مفوضين في اللجنة، لا يمكن أن تتم قبل الانتخابات بأقل من عام. واللافت أن أياً من هذه المسائل مطروح في الأجندة التي ستُناقش في مؤتمر لندن.

أشاد كرزاي حتى اليوم بلجنة الانتخابات المستقلة، محتفظاً بانتقاداته للأجانب الذين انزعجوا من التزوير، ومن الواضح أيضاً أنه يرغب في انطلاق الانتخابات، لكن ذلك يقلق بعض النواب الليبراليين الذين يخشون من أي محاولة لتعزيز سلطته عبر حشو برلمان جديد بالمزيد من الحلفاء من أسياد الحرب والذين يُنتخبون بفضل أصوات مزورة.  

ومجدداً قد تتحمّل الدول الخارجية بسبب تدخلها اللوم عن أي فشل في الانتخابات. ذكرت لجنة الانتخابات المستقلة بأن عملية الاقتراع لا يمكن أن تبدأ، إلا في حال تلقت المزيد من الأموال وأُحيطت بإجراءات أمنية إضافية، وهما أمران بيد القوى الأجنبية، وإن رفض الغرب تقديم المال والأمن، فسيواجه الوضع المحرج المتمثل في تحديد موعد بدء الانتخابات في بلد ذي سيادة على ما يُفترض، في وقت يُفترض أن يشكّل موضوع أفغانستان أولويةً بالنسبة إليه.

من شأن ذلك أو يولّد معضلة سياسية أخرى حادة حين ستنتهي ولاية البرلمان في يونيو، فهل يجب أن تحيا أفغانستان بكل بساطة من دون برلمان أم يجب إطالة أمد هذا الأخير؟ التمديد هو الاحتمال المرجح، على الرغم من أن بعض المحامين قد يجادلون بأن ذلك غير دستوري. لكن عندئذ، على حد قول أحد الدبلوماسيين الغربيين، كذلك كان قرار تمديد ولاية كرزاي العام الفائت، إعلانه رئيساً في حين فشل في الحصول على نصف الأصوات كافة. يقول هذا الدبلوماسي: "هذه هي أفغانستان، فقد اعتادوا على تغيير القواعد مع مرور الوقت".

back to top