ما قل ودل: لا يجوز للعرف أن يخالف الدستور أو التشريع

نشر في 25-04-2010
آخر تحديث 25-04-2010 | 00:01
 المستشار شفيق إمام في حديثي عن "الدستور والقانون والعرف الدستوري والبرلماني" وهو عنوان مقالي الأحد 11/4، قلت إن العرف لا يجوز أن يخالف نصوص الدستور المكتوب.

وقد سألني بعض المهتمين بالشأن البرلماني عن جواز قيام عرف يخالف نصوص صريحة في اللائحة الداخلية، على سند من القول المأثور بأن "المجلس سيد قراره" ولأن الأمر لا يرتبط بسير العمل في وزارة معينة، بل بأحكام الدستور وبآلية العمل في السلطة التشريعية، وبضمانات هذه الآلية التي أحاطها بها الدستور واللائحة الداخلية، فإن الأمر يصبح خطيراً ومهماً، ومن أوجب الأمور أن نضع النقاط فوق الحروف في هذه المسألة.

وبادئ ذي بدء فإن القول بنشوء عرف مخالف للدستور أو القانون، سواء كان عرفاً منشئاً أو كان عرفاً مكملاً أو مفسراً، وإنزاله منزلة القانون، من شأنه أن يشجع الناس على عدم احترام القانون والاستهانة بأحكامه، والاستمرار في الخروج على هذه الأحكام والاعتياد على ذلك، ليرسخ لدى الجماعة الاعتقاد بأن ما يقترفونه من أفعال مخالفة للقانون، هو القانون الذي يجب أن يسيروا عليه باعتباره عرفاً منشئاً أو مكملاً أو مفسراً، يؤدي ذلك إلى ضياع هيبة القانون وهيبة النظام وهيبة الدولة التي تستمدها من هاتين الهيبتين، فضلاً عن إهداره للمبادئ الدستورية والقانونية والمنطقية التالية:

الحقيقة الأولى: اليقين لا يزول بالشك

هي قاعدة فنَّدتها المادة (4) من مجلة الأحكام العدلية المستمدة من أحكام الفقه الإسلامي، ومعنى هذه القاعدة أن ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين، ولا يزول بالشك.

ومن المقرر أن التشريع يقين، بما يتبع في إقراره وإصداره ونشره من إجراءات رسمية وافتراض علم الكافة به بمجرد نشره في الجريدة الرسمية، ومن هنا يكون بمنأى عن إنكاره أو التشكيك في وجوده، أما العرف فيقوم على أمور واقعية تحتمل الإنكار أو الادعاء بأنه لم يتوافر لها الثبات والقدم والعموم والاستمرار، لتصبح قاعدة قانونية عرفية ملزمة.

ولهذا قُضي بأن الأمور الواقعية التي يقوم عليها العرف تحتاج إلى الإثبات، وأنه يجب على من يريد الاستناد إلى عرف ما أن يتمسك بذلك أمام قضاء الموضوع (نقض مدني مصري 5/2/1975 س26 ص231، 25/2/1966 س17 ص357).

وأن تحري العرف في ذاته والتثبت من قيامه من أمور الموضوع التي لا تخضع لرقابة محكمة النقض، إلا حيث يحيد قاضي الموضوع عن تطبيق عرف ثبت لديه وجوده (نقض مدني مصري 3/12/1964 س15 ص1120).

الحقيقة الثانية: العرف ليس بأداة لتنقيح الدستور

خلا الدستور من النص على العرف، كمصدر من مصادر القواعد الدستورية، مكتفياً في المادة (117) بتفويض مجلس الأمة في وضع اللائحة الداخلية لتستكمل تنظيم ما لم ينظمه الدستور من مسائل تفصيلية، إلا أن ذلك لا يمنع من قيام قواعد عرفية دستورية وبرلمانية إلى جانب الدستور واللائحة الداخلية، وهي بطبيعة الحال لا تملك تنقيح الدستور أو تعديله، حيث يعتبر دستور الكويت من الدساتير الجامدة التي لا يجوز تنقيحها إلا بالأداة التي نص الدستور على تنقيحه بها ووفقاً للإجراءات التي نص عليها، وهي أداة وإجراءات يتشدد فيها الدستور للحفاظ على ثباته واستقراره، باعتبار أنه يقتصر على الأصول والكليات، التي هي بطبيعتها تتسم بالثبات والاستقرار.

وقد نظمت المواد (174) و(175) و(176) الأداة والإجراءات التي يتم بها تنقيح الدستور، من حيث تقديم الاقتراح به من الأمير وثلث أعضاء مجلس الأمة، ومن ناحية الأغلبية الخاصة اللازمة للموافقة على مبدأ التنقيح وموضوعه، وهي أغلبية أعضاء المجلس، والأغلبية الأشد لإقراره هي أغلبية الثلثين بعد مناقشته مادة مادة، ولا يكون التنقيح نافذا بعد ذلك إلا بعد تصديق الأمير وإصداره.

الأمر الذي يقطع بأن العرف لا يملك تنقيح الدستور بإلغاء بعض نصوصه أو تعديلها وتنقيحها أو تعطيلها والحلول محلها.

الحقيقة الثالثة: التشريع يلغي العرف وليس العكس

ونستند في هذه الحقيقة الدستورية والقانونية إلى قاعدتين:

القاعدة الأولى: إن العرف في مرتبة تالية للتشريع

حيث تنص المادة (2) من القانون المدني على أنه "فإن لم يوجد نص تشريعي، حكم القاضي وفقاً لأحكام الفقه الإسلامي الأكثر اتفاقاً مع واقع البلاد ومصالحها، فإن لم يوجد حكم بمقتضى العرف"... ومؤدى هذا النص أنه لا يجوز العمل بعرف ينظم مسألة يكون المشرع قد نظمها من قبل، أو بعد أن ينظمها لأن تنظيم المشرع لها، يكون هو الواجب الاتباع، لأنه يتضمن نسخاً وإلغاءً للعرف المخالف للتشريع الجديد، ولأن مناط العمل بالعرف، كمصدر من مصادر القانون، هو وجود فراغ تشريعي لم يواجهه المشرع بحكم صريح قاطع.

وهي قاعدة لا تقتصر على العرف المنشئ، بل تمتد إلى العرف المكمل وإلى العرف المفسر، لأن كليهما يجب أن يلتزم بأحكام التشريع الذي يكمل بعض نصوصه أو يفسرها.

وتفصيل ذلك أن العرف المكمل إن خالف التشريع الذي سكت عن تنظيم مسألة معينة، فنظمها على نحو يخالف نصوص التشريع، فقد أصبح عرفاً مناقضاً للتشريع وليس مكملاً له، والأصل في القوانين أياً كان مصدرها تشريعياً أو عرفاً أن تكون بمنأى عن التناقض أو التهاتر.

كما أن العرف المفسر، يجب أن يلتزم  بقواعد التفسير، وأولى هذه القواعد بأنه متى كان النص واضحاً جلى المعنى قاطعاً في الدلالة على المراد منه، فإنه لا اجتهاد مع صراحة النص.

القاعدة الثانية: التشريع لا يلغيه إلا تشريع لاحق

تنص المادة (2) من القانون المدني على أنه لا يلغي تشريع إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على إلغائه أو يتضمن حكماً يتعارض معه.

وهو النص الذي كان يمكن أن يتبوأ مكانه بعد المادة (79) من الدستور التي تنص على أنه "لا يصدر قانون إلا أقره مجلس الأمة وصدق عليه الأمير"، باعتباره مكملاً للحكم الدستوري الذي استخدم فيه المشرع لا الناهية للتدليل على أن الدستور وقد نهى عن إصدار قانون لا يقره مجلس الأمة، وبذلك يكون قد أغلق الباب أمام قيام عرف يلغي ما أقرته السلطة التشريعية من قوانين، إلا أن ذلك لا يمنع من أن يقوم العرف مقام التشريع ولكن في غيابه، وبشرط ألا يتعارض مع نص صريح  في الدستور أو القانون لأن العرف لا يملك إلغاء التشريع أو تعطيل أحكامه.

وللحديث بقية عن سيد قراره... إن كان في العمر بقية.

back to top