بعد مرور 45 عاماً على رحيله حسين رياض... أجمل الآباء

نشر في 23-07-2010 | 00:00
آخر تحديث 23-07-2010 | 00:00
حسين رياض أحد الممثلين المقنعين في الأدوار كافة التي أدوها وذلك على تنوّعها.

اشتهر رياض بدور الأب خصوصاً، الذي اقترن به بصورة جميلة، فما أن يذكر حتى يذكر الأب في السينما والعكس صحيح، مع ذلك قدّم هذا الممثل العظيم في المسرح والسينما والراديو والتلفزيون نماذج مختلفة من الأدوار وبرع فيها.

إذا كان رياض هو الأب الحنون، الرقيق، الجياش بأنبل مشاعر الأبوّة في: «في بيتنا رجل»، «ردّ قلبي»، «بابا أمين»، «السبع بنات» وغيرها، والأب الروحي المرهف في: «وا إسلاماه»، «شارع الحب»، «أغلى من حياتي»، والجد الجميل في: «المراهقات»، «آه من حواء»... إلا أنه قدّم أدواراً مختلفة تماماً، بالغة البراعة والإتقان، على غرار الطاغية أو السلطان المتحكم في «لاشين»، «ألمظ وعبده الحامولي»، أو رب الأسرة الماجن الشهواني الذي يطلق لغريزته العنان في «البنات والصيف»...

بدأ رياض عطاءه الفذّ والمتفرّد في السينما المصرية مع بداياتها، وشارك في أفلامها الأولى الضخمة التي تعدّ من كلاسيكيات السينما ودررها مثل: «سلامة في خير» (1937)، إخراج نيازي مصطفى مع الفنان الكبير نجيب الريحاني، «النائب العام» (1946)، إخراج أحمد كامل مرسي وقد تقاسم بطولته مع الممثل القدير زكي رستم.

ختم رياض مشواره في السينما وفن الأداء مع توقّف نبضه في الحياة، وكان دور الوداع في فيلم «ليلة الزفاف».

كرّس الفنان الكبير حياته للفن والناس منذ نعومة أظافره حتى الرمق الأخير، ولم يكن يشعر بالسعادة والإحساس بالحياة إلا في قلب الفن والعمل وسط الخير والجمال الذي أتقنه وعاش به وله.

كان رياض مرهفاً، دقيقاً في ضبط تعبيراته وانفعالاته، مدركاً بنفاذ طبيعة الدور وما يتطلّبه، لذا لم يقدّم دوراً تكرّر معه، على غرار الأب، بالصورة نفسها أو بنمط واحد، فهو مثلاً في «رد قلبي» (إخراج عز الدين ذو الفقار) بالغ الحنو والحب لأولاده لكنه يختزن في قلبه غضب الفلاح المصري المقهور في آن، إنه الثائر في أعماقه الذي تعود روحه إليه مع انتصار الثورة، كان يمكن لممثل غيره أن يذهب بهذا المشهد في نهاية الفيلم إلى ميلودرامية ضعيفة لكن أداء رياض جعله مشهداً مؤثراً، كأنه وحده كان بإمكانه أداء ذلك المشهد الذي يجعلنا نصدّقه ونتجاوب معه!

لكنه الأب في فيلم «في بيتنا رجل» (إخراج بركات) أيضاً، الذي يمتزج خوفه وحرصه الجمّ على أسرته وابنه ـ يطلب منه حماية البطل الفدائي داخل بيته ـ مع إحساسه الوطني بأنه يقوم بواجب لا بد منه، وإن تطلّب الأمر منه التضحية والدخول في المجهول، على النحو الذي يتعارض مع طبيعة ربّ الأسرة الموظّف البسيط الذي في «حاله».

بينما في فيلم «آه من حواء» (إخراج فطين عبد الوهاب)، التمصير الجميل لمسرحية «ترويض النمرة» لشكسبير، نجد رياض يؤدي شخصية الجدّ الذي يرعى الفتاة المتمرّدة، بروح أبوّة يمتزج فيها الحزم الواضح والقلق على مصير ابنة جامحة، مع أداء يمتاز بروح فكاهية لا حدود لعذوبتها، يدخل رياض هنا، كما في أعمال أخرى، في عالم الكوميديا، بالرهافة نفسها والتألق المعهودين في أدائه التمثيلي.

ولد رياض في 13 يناير 1897 في حي السيدة زينب الشعبي العريق في القاهرة، بدأ التمثيل عام 1916، لذلك ترك الدراسة والتحق بمعهد التمثيل العربي، منذ عام 1923 عمل مع فرقة يوسف وهبي ومع الفرق المسرحية لعبد الرحمن رشدي، منيرة المهدية، نجيب الريحاني، علي الكسار، أولاد عكاشة، وفاطمة رشدي.

مثّل في السينما بدءاً من مرحلة السينما الصامتة وقدّم ما يقرب من 180 فيلماً، أما في المسرح فقدّم أكثر من مائتي مسرحية وفي الراديو والتلفزيون أكثر من مائة عمل.

كرّمه الرئيس جمال عبد الناصر بوسام العلوم والفنون في عيد العلم عام 1963، وأهدى «مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي» في دورته السادسة عشرة إلى روحه درع الريادة في ذكرى ميلاده المائة تسلّمته ابنته.

عُرف رياض بدور الأب أكثر من أي فنان آخر، حمل لقب «فنان الشعب»، وعندما رحل في 17 يوليو (تموز) 1965 ودّعته جماهير فنه بدموع صادقة، وظل فناناً مبدعاً لا يبرح حياتها وذاكرتها، وظل فنه الآسر الصادق في القلب.

وكان وسيبقى الأب.

وكان وسيبقى فنان الشعب.

back to top