أيام ملتهبة هزت طهران
فرضت أحداث إيران ومركز عاصمتها طهران نفسها على العالم، سواء قبل أيام الانتخابات المتوترة والملتهبة بالحماس إلى يوم ظهور النتائج الأخيرة وما بعدها، حيث وجد تيار الإصلاح نفسه مصابا بخيبة أمل كبيرة وإحباط لعملية الفرز في أكثر من خمسين مركزا يرى أنها مراكز اقتراع، تم التلاعب بها وسادت روح التزوير الفاضحة. في تلك اللحظة اختلطت طهران وضواحيها بشعورين متناقضين ومزاجين حادين: الأول مزاج المنتصر والآخر مزاج الخاسر في لعبة انتخابية مشكوك في أمرها سلفا وفق الرأي المعلن من قادة تيار الإصلاح. بعدها رأينا كيف التهبت طهران بالدم والنيران واشتعلت مشاعر الغضب إلى جوار مشاعر الفرح والتهليل والتكبير مع يوم خطبة الجمعة «المباركة!» من المرجع الأعلى، الذي لا رجعة في كلمته، وقوله قول فصل في منازعات حددت شرخا تاريخيا جديدا.فقد سمع العالم بعد ثلاثين عاما مفردات «تسقيط» المرجع والتخلي عن مكانته لدى جزء من الشعب وبشكل مسموع مثلما سمع العالم مفردة «يسقط الدكتاتور» فلم يعرف في هذه اللحظة من هو المقصود، هل هو الرئيس المنتخب والمعاد انتخابه أم المرجع الأعلى الذي ربما لم تسره هذه الكلمة المقززة لمكانته وهيبته!السؤال الأهم بعد تموجات المزاج العام في صخب الجماهير المحتجة، والتي يبدو أنها تحركت بصورة عفوية كرد فعل على وضع انتخابي، وتشعر الآن بعد انحسار مزاجها الشبابي الثوري نسبيا بنوع من الأفق المسدود والمحدود، وذلك ناتج عن طبيعة تجمع الإصلاحيين غير المتجانس والفاقد لروح التنظيم لفن عمل مدني قد يحتاج إلى «كاريزما موحدة» وقدرة على العمل المراوغ والمنتشر والواسع في أكثر من مدينة وقرية، لتبديد واستنزاف الصرامة والقوة لدى نظام حديدي ومنظم، بآلية من نمط عمل الحرس الثوري، الذي لم يظهر أنيابه للمواجهة بشكل كامل، لكنه قام في الوقت ذاته بعمل عسكري وتدريبات لإرسال رسالة للعالم الخارجي، كونه يرى أن الشرطة والأمن الداخلي قادران على ضبط الهيجان الشعبي وتدجينه، والذي كانت تكلفته الدموية صغيرة بمقياس الثورات الجماهيرية العنيفة تاريخيا.والأهم أن الحرس الثوري بعث برسالة داخلية خطيرة، بأنه «سيتعامل مع التظاهرات بطريقة ثورية» فإن ذلك لا يبعدنا عن مواجهة قاسية مع الشارع في حالة مواصلته التحديات الرسمية ورفضه الانصياع للحقيقة الانتخابية. يتوازى وينسجم ذلك التصريح مع صوت آخر هو صوت شاهروخي رئيس اللجنة القضائية في البرلمان الإيراني، والذي وجه تهما واضحة لزعيم الحركة الإصلاحية والزعيم الخاسر مير حسين موسوي، منها تهمة العمل ضد الأمن القومي، وكأنه سينقل المعركة إلى ساحة مؤسساتية ربما من خلالها سيتعرض موسوي إلى وضع قانوني أسوأ مما توقعه، حتى إن صرح في قمة وسخونة الأحداث أنه مستعد للتضحية بحياته.فهل هناك قدرة لدى حركة معارضة وهائجة مواصلة اختراق الأفق المسدود وتصعيد حركتها، بحيث تنتقل من مرحلة إلى مرحلة مختلفة، ومن طبيعتها أن تكون طويلة ومكلفة وربما تداعياتها الداخلية وحريقها يتعدى حدودها؟ من الصعب أن نراهن على وضع غامض، ولا يمكننا قراءة المزاج العام في هذه اللحظة بأكثر من سقفه وأرضيته.فليس عن طريق ردود الأفعال الانفعالية تنتصر عملية العصيان المدني أو الحروب الأهلية، فمن خرجوا في الأيام الأولى انكمشت دائرة حركتهم عدديا ومناطقيا، كما أن المعركة الانتخابية المعبأة بكل تقنيات الثورة المعرفية، معرضة للحصار والمصادرة في مرحلة لاحقة وبشكل مطلق ومكثف وبوليسي، مما يجعل الوضع الداخلي شبه معتم، إذ لا تهتم السلطات الإيرانية الحالية بمدى ترديد العالم الخارجي ضدها مقولة غياب الحريات داخل إيران!! فما كشفت عنه البدايات سنرى منها الكثير من النهج الأسود والبشع والقمعي، فالسلطات عادة تتفرغ إلى فرز الوجوه والمعلومات لاحقا، لكي تجتث جذور المعارضة وتشل قدراتها الداخلية بعد مرحلة الانتخابات والاضطرابات التي هزت إيران أياما معدودة.هناك مسألة نحتاج إلى الالتفات إليها كمؤشر مهم قاله منوشهر متكي وزير الخارجية، عن دور منظمة مجاهدي خلق- التي رفضت الاتهامات– في بعض الأعمال متهما إياها بالأعمال الإرهابية ضاربا عصفورين بحجر، في اتهامه لمكان انطلاقها وهو العراق، ومكان قيادة ومدبر الأحداث القاطن في بريطانيا. وبذلك يهتم لمسألة تقلقه أكثر من الأحداث العابرة، عن إمكانية تلك المنظمة إعلان حضورها بين الجماهير الإيرانية، وقدرتها التنظيمية في تحريك وتنظيم الجمهور الشاب لمرحلة أكثر من زجاجات المولوتوف الحارقة والأحجار الناعمة لفتيات طهران الجميلات والغاضبات من خنق النظام للحريات الشخصية والسياسية في المجتمع، ورفضه للتنوع والتعددية وتناقضه الصارم ما بين مجتمع تقليدي متشدد وحضارة غربية معاصرة وممنوعة.* كاتب بحريني كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء