تحقيق الكرم... عادة عربية حافظ عليها الإسلام نبينا ضرب مثالاً في العطاء والجود بلا حدود...

نشر في 16-09-2009 | 00:00
آخر تحديث 16-09-2009 | 00:00
كان الكرم في قديم الزمان من العادات العربية الأصيلة وجاء الإسلام واعتبر الكرم من الإسلام، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، فقد كانت تلك الخصلة خُلقاً أصيلاً جُبِل عليه، ثم ازداد رسوخاً من خلال البيئة العربية التي نشأ فيها وتربّى في أحضانها، والشهيرة بألوان الجود والعطاء.

يتحدث الدكتور نصر فريد واصل (مفتي مصر الأسبق) عن جوانب العظمة في كرم النبي– صلى الله عليه

وسلم– وهي أبرز أمثلة الكرم التي شهدها البشر فيقول واصل إن النبي صلى الله عليه وسلم تستوي عنده حالة الفقر والغنى، وهذا البذل والعطاء كان يتضاعف في مواسم الخير والأزمنة الفاضلة كشهر رمضان، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان. فالرسول صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة».

وقد نال النبي صلى الله عليه وسلم أعظم المنازل وأشرفها في صفوف أهل الكرم والجود؛ فلم يكن يردّ سائلاً أو محتاجاً، وكان يُعطي بسخاءٍ قلّ أن يُوجد مثله، وقد عبّر أحد الأعراب عن ذلك حينما ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرأى قطيعاً من الأغنام ملأت وادياً بأكمله، فطمع في كرم النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه كلّ ما في الوادي، فأعطاه إياه، فعاد الرجل مستبشراً إلى قومه، وقال: «يا قوم أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء لا

يخشى الفاقة».

وكان لمثل هذه المواقف أثرٌ بالغٌ في نفوس الأعراب، الذين كانوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم قاصدين بادئ الأمر العودة بالشاة والبعير، والدينار والدرهم، فسرعان ما تنشرح صدورهم لقبول الإسلام والتمسّك به.

بينما يحدثنا الدكتور عبدالمعطي بيومي (عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر) عن المواقف الدالة على كرمه صلى الله عليه وسلم النابذة للبخل، ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: «أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين، فقال: (انثروه في المسجد)، وكان أكثر مال أُتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحداً إلا أعطاه، فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثمّ منها درهم».

وعنه رضي الله عنه قال: «كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بُرد أي رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه خبذة شديدة. نظرت إلى صفحة عنق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثّرت به حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، ثم أمر له بعطاء».

ويؤكد الشيخ محمود عاشور (وكيل الأزهر الأسبق) أن الكرم لابد أن يراعي كرامة الإنسان المكرم إليه بحيث لا يجرح عزته ولا يخدش حياءه وضرب لنا الرسول صلى الله عليه وسلم مثالاً رائعاً في ذلك، فعندما أحسّ النبي– صلى الله عليه وسلم– بحاجة أحدٍ من أصحابه وعرف ذلك في وجهه، فيوصل إليه العطاء بطريقة لا تجرح مشاعره، ولا تُوقعه في الإحراج، كما فعل مع جابر بن عبدالله رضي الله عنه حينما كانا عائدين من أحد الأسفار، وقد علم النبي– صلى الله عليه وسلم – بزواج جابر رضي الله عنه، فعرض عليه أن يشتري منه بعيره بأربعة دنانير، ولما قدم المدينة أمر النبي– صلى الله عليه وسلم– بلالا أن يعيد الدنانير إلى جابر ويزيده، وأن يردّ عليه بعيره.

وذات مرة رأى النبي– صلى الله عليه وسلم– الجوع في وجه أبي هريرة رضي الله عنه، فتبسّم ودعاه إلى إناء فيه لبن، ثم أمره أن يشرب منه، فشرب حتى ارتوى، وظلّ النبي صلى الله عليه وسلم يعيد له الإناء حتى قال

أبوهريرة رضي الله عنه: «والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا».

وقد ألقت سحائب جود النبي– صلى الله عليه وسلم– بظلالها على كلّ من حوله، حتى شملت أعداءه، فحينما مات رأس المنافقين عبدالله بن أبيّ بن سلول، جاء ولده إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله أعطني قميصك أكفّنه فيه، وصلّ عليه واستغفر له»، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه.

back to top