تاريخ علم الفلك القديم والكلاسيكي... حركة الكون في عيون العلماء

نشر في 05-08-2009 | 00:00
آخر تحديث 05-08-2009 | 00:00
No Image Caption
صدر حديثاً عن «المنظمة العربية للترجمة» كتاب «تاريخ علم الفلك القديم والكلاسيكي» للعالم الفلكي الفرنسي جان بيار فردي (ترجمة الدكتورة ريما بركة).

يرسم الكتاب مراحل تطور علم الفلك الغربي الأساسية منذ عصر اليونان (مع ما تأثروا به من الحضارات القديمة)، حتى تفوق الميكانيك السماوي في العصور الكلاسيكية.

يعرض الكتاب لوحة عامة لتاريخ هذا العلم بقواعده الأساسية التي يرتكز عليها علم الفلك الحديث، كذلك يركّز على الاكتشافات المتوالية التي شهدها علم الفلك في تاريخه الطويل ويقدّم، إضافة إلى الأحداث العالمية المتعلقة به، أبرز العلماء الذين طوروا دراسة الأجرام السماوية وأحدثوا انقلابات عظيمة في رصد السماء وتحديد بنياتها وقوانينها. ولا ينسى مؤلف الكتاب أن يربط تطور هذا العلم بعلوم الرياضيات التي كانت أساس عدد كبير من الاكتشافات الفلكية.

يدرس الكتاب معظم مراحل علم الفلك منذ بداياته في العصور القديمة، وحتى استتباب نظرياته في العصر الكلاسيكي مع اكتشاف آخر كوكب في نظامنا الشمسي، نبتون. وينقسم إلى ستة فصول: يتناول الأول علم الفلك عند البابليين والمصريين القدامى، وأسس التقاويم التي وضعوها والمشاكل التي واجهوها، فيما يشرح الثاني مبادئ علم الفلك عند اليونان، ونظريات حركة الكواكب وتطورها، من أبولونيوس الذي ابتكر نظام الكرات المشتركة المركز، إلى هيبارخوس واكتشاف مبادرة الاعتدالين، وبطليموس وتطويره نظرية حركة الكواكب.

يُعنى الفصل الثالث بعلم الفلك عند العرب، فيبدأ بترجمة زيج السندهند إلى اللغة العربية وتأثيره في علم الفلك العربي، ويستعرض أعمال أهم علماء الفلك العرب ومؤلفاتهم واكتشافاتهم ومساهماتهم في تطور علم الفلك ونظرياته، والتصحيحات التي أدخلوها على علم الفلك اليوناني الذي ورثوه، وتأثيرهم بعلم الفلك في أوروبا. ويتوقف الفصل الرابع عند الثورة الكوبرنيكية ونقد نظرية مركزية الأرض واستبدالها بنظرية مركزية الشمس، وعند قوانين كيبلر الثلاثة لحركات الكواكب، وعند غاليليه ومنظاره الفلكي ورصدة أقمار المشتري، وعند أعمال تيكو براهي.

أما الفصل الخامس فيخصصه المؤلف لعالم الفلك إسحق نيوتن وكتابه «المبادئ» واكتشافه قانون الجاذبية الكونية وأثره على علم الفلك ونظرياته. ويتناول الفصل الأخير أعمال عدد من علماء الفلك في القرن الثامن عشر واكتشافاتهم، كأويلر وتأسيسه علم الميكانيك التحليلي، وموبرتوي ومبدأ كمية الفعل الأقل، ثم يتناول مسائل صعب حلها في ذلك العصر، كنظرية حركة القمر، وينتهي باكتشاف لو فيرييه كوكب نبتون وانتصار علم الميكانيك السماوي.

ثلاثة أسس

يعرض الكاتب موضوع تطوّر علم الفلك بطريقة شمولية ترتكز على ثلاثة أسس للتحليل الفلكي، هي: العلماء الراصدون، والتقنيات المستعملة، والنظريات الفلكية وتقدمها وتطورها عبر العصور. فالكاتب يعرض تاريخ علم الفلك عبر استعراض حياة علماء الفلك الأكثر بروزاً، من ميتون وأبولونيس وبطليموس عند اليونان، إلى لاغرانج ولابلاس وهيرشل في القرن الثامن عشر، مروراً بأهم علماء الثورة الفلكية الأوروبية، ككوبرنيكوس وكبلر وعاليليه وتيكو براهي ونيوتن، كذلك عبر استعراض أعمالهم والتقنيات التي استعملوها في رصدهم الأجرام السماوية لوضع النظريات الفلكية، وهو بالتالي يستعرض تطور النظريات الفلكية وتقدمها، لا سيما التي تتعلّق بحركات الكواكب والأجرام السماوية.

تؤكد المترجمة في مقدمتها أن الإنسان بدأ بالاهتمام بالسماء والأجرام السماوية منذ فجر التاريخ، عندما رفع رأسه نحو السماء ليتأمل الشمس والقمر والكواكب والنجوم. غير أن علم الفلك لم يكن، حتى في بداياته، نشاطاً تأملياً بحتاً ومن دون فائدة عملية. فقد اهتم الإنسان برصد ظهور الأجرام السماوية ومكان وجودها وحركاتها لأمور بسيطة تخصّ حياته اليومية، إذ كانت الشعوب المسافرة، خصوصاً البحارة والقوافل، تهتدي سبيلها بواسطة الأجرام السماوية، سواء على البر أو في البحر.

كذلك استطاع الإنسان أن يربط بين حركات الكواكب والظواهر السماوية من جهة، والفصول من جهة أخرى. فالمصريون القدامى لاحظوا أن فيضان النيل السنوي يتوافق مع بزوغ النجم سوثيس الشمسي، وقد وضعوا تقويماً زراعياً يبدأ مع أول ظهور في الشرق لهذا النجم، مباشرة قبل شروق الشمس.

يذكر الكاتب أن شعوباً أخرى غير المصريين، كالبابليين واليونانيين والرومان، وضعوا تقويمهم بناءً على رصدهم حركة الشمس أو القمر أو نجم ما، وأرخوا بالنتيجة أحداث وجودهم وفقاً له. فالكهنة الفلكيون الأزتيك كانوا يضعون تقويمهم بناءً على مراقبة نجم الدبران في كوكبة الثور، وبنى البابليون تقويمهم على أوجه القمر فدرسوا حركات الشمس والقمر، وتوصلوا تقريباً إلى توقع خسوفات القمر وكسوفات النجوم. أما في الحضارة الإسلامية فقد ازداد الاهتمام بعلم الفلك، إذ أن ممارسة الدين الإسلامي تتطلب معرفة دقيقة لمواقيت الصلاة وبداية شهر رمضان ونهايته واتجاه الكعبة للصلاة. غير أن اهتمام العرب بعلم الفلك بدأ قبل الإسلام، ذلك لوجودهم في الصحراء حيث لا يوجد أي معالم ليهتدوا بها سوى النجوم في السماء، ثم جاء الإسلام ليزيد من أهمية هذا العلم عند العرب، فأضاف الدوافع الدينية إلى الدوافع الحياتية المباشرة.

البابليون

يعتبر المؤلف أن المؤرخون يتفقون على أن البابليين اهتموا بالأرصاد الفلكية أكثر من أي شعب آخر في التاريخ القديم، وقد حققوا منجزات فلكية تفوق في جدتها وأهميتها ما حققته شعوب قديمة عدة، كما فعل المصريون القدامى والصينيون، فهم الذين حسنوا رصد الشمس والقمر، وراقبوا ظهور يوم القمر الجديد، كذلك استعملوا طرقاً جديدة لحساب حركة الكواكب ومسارها.

إضافة إلى ذلك، ربطت الشعوب القديمة بين حركات النجوم والكواكب ومواقعها في الأبراج السماوية وبين مستقبل كل فرد ومصيره، فاستعملت معارفها في هذا المجال للتكهن بالطالع والتنجيم والتنبؤ بالأحداث المقبلة. لكن الكاتب يلفت إلى أنه ومهما ابتعدت المسافة التي تفصل بين هذه النظرة إلى الكواكب والمنهجية العلمية، أو اقتربت، فإن ما هو ثابت وأكيد أن اهتمام الإنسان القديم بعلم الفلك ساهم كثيراً في تطوير علم الفلك الرصدي، إذ إن علم التنجيم قد عني بدراسة الظواهر الفلكية ورصد حركات الكواكب ودورانها ومواقعها لربطها بأحداث حياة الإنسان وقدره.

يشير الكاتب إلى أن الحضارة العربية عرفت عدداً كبيراً من علماء الفلك الذين برزوا من خلال اكتشافاتهم ومؤلفاتهم. وكان أحد أشهر هؤلاء الخوارزمي الذي وضع زيجين فلكيين عرفا باسم زيج السندهند، وكان أثرهما كبيراً في الأزياج التي وضعها العلماء العرب بعد ذلك؛ كذلك يحضر في هذا المجال الفرغاني الذي قام بحساب خطوط الطول الأرضية وحدد أقطار الكواكب الأخرى مقارنة بقطر الأرض؛ أما ثابت بن قرة الحياني فدرس سرعة النجوم الظاهرة وميل دائرة البروج، وقام بحساب دقيق لطول السنة الشمسية ولم يخطئ بالنسبة إلى القيمة الحالية سوى بثانيتين؛ والبتاني الذي رصد التغيرات في قطر الشمس الظاهري واستنتج احتمال حدوث كسوف حلقي للشمس؛ أما أبو عبد الرحمن الصوفي فهو أول من قال بكروية الأرض.

كذلك يتحدث الكتاب عن علماء عرب كثيرين غير هؤلاء كالبوزجاني وابن يونس والبيروني وابن الهيثم ونصر الدين الطوسي. ويشير جان بيار فردي إلى أن العلاقة التي ربطت بين علم الفلك بحاجات الشعوب اليومية جعلت هذا العلم ينشط ويتطور بسرعة، إذ انكب علماء الفلك على رصد النجوم والكواكب ومراقبة حركاتها ودراستها، فبرز الكثير من بينهم عبر التاريخ، كعالمي الفلك اليونانيين هيباخورس وبطليموس، ووضعت نظريات عدة لتفسير حركات الأجرام السماوية وتطورت.

يعتبر المؤلف أن علم الفلك لم يعتمد في مراحل تطوره على الرصد فحسب، فقد اتصل وارتبط، خلال تطوره وتوسعه، بعلوم كثيرة، من بينها علوم مساعدة كالرياضيات والبصريات، التي استعان علم الفلك بمبادئها ونظرياتها، وغيرها من علوم أسفرت عبر ارتباطها مع علم الفلك عن نشوء علوم جديدة ضمن إطار علوم الفضاء، كالفيزياء الفلكية التي نتجت عن الفيزياء، والكيمياء الفلكية التي نتجت عن الكيمياء، والطب الفلكي، وعلم الآثار الفلكي وغيرها من العلوم.

back to top