هل تنجح رؤية ويليام هيغ لبريطانيا كقوة عالمية؟

نشر في 09-07-2010
آخر تحديث 09-07-2010 | 00:01
من الجيد أن يتطلّع وزير خارجية بريطانيا هيغ إلى حقبة جديدة من العلاقات التجارية المربحة مع الهند والبرازيل، لكن أياً من ذلك لن يكون ذا أهمية كبيرة إن جاء على حساب السعي إلى الفوز في الحرب في أفغانستان.
 ذي تيليغراف "عدنا لمزاولة عملنا من جديد"، هذا ما أعلنه أحد معارفي في وزارة الخارجية بفرح حين وصلت هذا الأسبوع لحضور أول خطاب لويليام هيغ منذ تبوّئه منصب وزير الخارجية، وبعد أن استمعت إلى هيغ وهو يتحدث بإسهاب عن المبادئ التي سنوجّه على أساسها سياسة تعاملنا مع دول العالم، استطعت فهم سبب الحماسة الكبيرة التي يثيرها تعيينه بين المسؤولين المتحفظين بطبيعتهم.

لم يُعد ذكر هيغ لكاسلري وساليزبيري، اللذين تقلّدا منصبه حين كانت بريطانيا تقود إمبراطورية، وحده ذكريات الأمجاد الغابرة العزيزة، إنما أيضاً رؤيته الطموحة للأمة التي أعطت شكلاً جديداً للسياسة الدبلوماسية في بريطانيا.

يريد هيغ أن تتمتع بريطانيا بقدر أكبر من "السطوة والنفوذ العالميين"، وأن تكون "أكثر وضوحاً، وتركيزاً، وفعاليةً" في مواصلة أهدافها في السياسة الخارجية. وفي موقف واعد يذكّر بحقبة تاتشر، شدّد هيغ على ضرورة أن "نكسب عيشنا" عبر صقل علاقات تجارية جديدة، لا سيما مع القوى الاقتصادية الناشئة مثل البرازيل، والهند، والصين، وذلك إن كانت بريطانيا تريد الحفاظ على مكانتها كقوة عظمى. على حد قوله، شهد النفوذ البريطاني ذبولاً خلال السنوات الثلاثين التي حكم فيها حزب العمّال البريطاني لأن الحكومة السابقة فشلت في اقتناص هذه الفرص التجارية الجديدة، واستغلال روابطنا المميزة مع مختلف أجزاء العالم.

منذ أن أدلى روبن كوك الراحل بخطابه الشهير في بداية ولاية بلير بشأن وضع سياسة خارجية أكثر أخلاقيةً، لم نسمع بياناً بمثل هذه الشمولية عن الاتجاه الذي يجب أن تسلكه البلاد إن كانت تريد الحفاظ على مكانتها الاقتصادية والسياسية. وبخلاف كوك، الذي سرعان ما همّشته الحكومة البريطانية كونه غريب الأطوار، حظي هيغ بالدعم لتطبيق بعض مبادراته في مجال السياسة الخارجية على الأقل.  

يتمثل أحد الأسباب المهمّة وراء تراجع مكانة وزارة الخارجية في الآونة الأخيرة في نوعية السياسيين الذين يديرون الوزارة. لعل كوك كان يتمتع بفكر لامع وذكاء حاد، لكنه سرعان ما وجد تناقضاً بين مقاربته الإيديولوجية وأسلوب بلير الأكثر انتهازيةً، لا سيما بعد فضيحة استخدام الإندونيسيين في تيمور الشرقية طائرات بريطانية الصنع. في المقابل، كان خلف كوك، جاك ستراو، في نظر بلير "غبياً" لأنه لم يستطع تحديد إلى أي جانب كان في الحرب ضد غوردون براون. أمّا ديفيد ميليباند فقد بذل جهوداً حثيثة لإعادة مكانة وزارة الخارجية، لكن جهوده هذه، حتّى في موضوع أفغانستان حيث كان شديد الالتزام، تقوّضت بسبب علاقته المتوتّرة مع براون ومحاولته القيادية الفاشلة. وأخيراً، لا أحد يستطيع تذكّر ما أنجزته مارغاريت بيكيت.   

مع ذلك، هيغ في موقف أكثر قوّةً، فهو ليس زعيم حزب سابق فحسب، لكن الاستعداد الذي تعاطى به مع استقالته من قيادة الحزب والطاقة التي استثمرها في منصبه الجديد ما إن عيّنه كاميرون حوّلاه إلى أكثر السياسيين كفاءةً في الحزب وحاز إعجاب رئيسه ودعمه.

بفضل هذا الدعم الصادر من رئيس الوزراء، قد يكون هيغ في موقف يخوّله استخدام بعض النفوذ في مجرى السياسة الخارجية. لكن لا شك أن مدى الحرية التي سيتمتع بها لمواصلة أجندته الطموحة سيعتمد إلى حد ما على القيود المالية الصارمة التي تواجهها وزارته. يجب أن تقلّص الأخيرة ميزانيتها بنسبة تصل إلى 500 مليون جنيه استرليني في السنة، ما يعني بأنها ستُضطر إلى اللجوء إلى أكثر من مجرّد خفض عدد النقانق التي تُقدّم خلال حفلات الاستقبال.    

أمّا العامل الآخر الذي سيتطلّب حتماً معظم اهتمام وزير الخارجية فهو الحرب في أفغانستان، والمسائل الأخرى المرتبطة بـ"الحرب على الإرهاب". من أصل جميع الوزارات الحكومية المعنية بالأمن القومي، احتدم الجدال بوجه خاص في وزارة الخارجية، لا سيما حول العراق حيث أبلغت مجموعة من كبار الدبلوماسيين بصراحة لجنة تشيلكون بأن شكوكاً جدّية راودتهم بشأن صوابية الإطاحة بنظام صدام حسين.  

بالاستناد إلى الأسئلة التي واجهها هيغ عقب خطابه، تظهر انقسامات مماثلة اليوم داخل الحلف بخصوص أفغانستان، لا سيما بشأن المسألة المتعلّقة بالمدة التي سيبقى فيها الجنود البريطانيون مشاركين في القتال. خلال قمّة العشرين التي عُقدت في الأسبوع الماضي في كندا، لفت كاميرون إلى أنه يتوقع سحب جميع الجنود في عام 2015 مع نهاية ولاية هذا البرلمان. لكن ليام فوكس، وزير الدفاع، الذي يزور واشنطن، يعارض هذا الموقف على ما يبدو عبر إصراره على أن يكون الجنود البريطانيون آخر من يغادرون.  

وعلى الفور، ردّ هيغ بموقف دفاعي، نافياً وجود أي اختلافات بين كاميرون وفوكس. لكن حتّى لو صح ذلك، فقد أظهرت الجدالات الحاجة الملحّة لهذه الحكومة لإحكام قبضتها على المسألة الأفغانية وتوفير قيادة فعّالة. من الجيد أن يتطلّع هيغ إلى حقبة جديدة من العلاقات التجارية المربحة مع الهند والبرازيل، لكن أياً من ذلك لن يكون ذا أهمية كبيرة إن جاء على حساب سعينا إلى الفوز في الحرب في أفغانستان.

* كون كافلين | Con Coughlin

back to top