ما قل ودل: حكم الدستورية إنذار مبكر في التقييم المبكر لأداء المرأة البرلماني

نشر في 16-11-2009
آخر تحديث 16-11-2009 | 00:00
 المستشار شفيق إمام الحكم الصادر من المحكمة الدستورية بجلستها المعقودة بتاريخ 20/10/2009 بعدم دستورية النص القاضي بعدم منح المرأة المتزوجة جواز سفر إلا بموافقة الزوج، طرح لدى البعض سؤالين أساسيين، أولهما: حول دور مجلس الأمة فى مراجعة التشريعات القائمة، وتنقيتها من شوائب عدم الدستورية التي تشوب بعض نصوصها، ويدور السؤال الثاني حول الحقوق الشرعية للزوج.

تقييم دور البرلمانيات الأربع:

ولا أستطيع أن أكتم خشيتي من أن يكون السؤال الأول مبطناً لتقييم مبكر لأداء البرلمانيات الأربع، وهو سؤال تردد بالفعل، وهو لماذا لم تبادر أي منهن إلى اقتراح إلغاء هذا النص، الذي يقوم على هذا التمييز؟ خصوصا أن هذا النص كان ماثلاً أمامهن منذ أن أصدرت المحكمة الكلية في 11/11/2008 حكماً بإحالة الدفع بعدم دستوريته إلى المحكمة الدستورية، وأقامت قضاءها بالإحالة إلى سند من وجود تعارض بين النص المشار إليه وأحكام المواد (29) و(30) و(31) من الدستور.

ولا جدال في أن تقييم تجربة المرأة الكويتية في البرلمان الكويتي، في الانتخابات المقبلة، لن يكون مماثلاً للتقييم الذي يتم بالنسبة إلى كل نائب، عند تجديد انتخابه، بل سيختلف بالنسبة إلى المرأة الكويتية كتجربة جديدة، لها حسادها وأعداؤها المتربصون بها، وأن التقييم قد ينسحب سلباً على التجربة ذاتها، وعلى كل امرأة كويتية سترشح نفسها لانتخابات مقبلة، إذا لم تتحمل النائبات الأربع مسؤولياتهن النيابية كاملة وبشجاعة واقتدار، وأثبتن جدارة المرأة الكويتية بالمنصب النيابي.

أقول هذا إشفاقاً على هذه التجربة من أن تفشل في مهدها بعد أن بدأ بعض أعدائها يروِّج لتقييم مبكر لها، بل إنني سمعت هذا التقييم المبكر من نساء كويتيات يخشين على هذه التجربة ما أخشاه، خصوصاً أن النائبات الأربع يملكن كل المؤهلات العلمية والعملية والقتالية لتحقيق إنجازات هائلة في البرلمان.

ولعل التقييم المبكر لهذه التجربة قد جاء مبكراً جداً، خصوصاً أن الدورة الأولى كانت من القصر بحيث لا يمكن أن يكون تقييماً عادلاً ومنصفاً.

ولكن المرأة الكويتية تنتظر من البرلمانيات الأربع الكثير لتصحيح الأوضاع التشريعية التي تقوم على التمييز بين الرجل والمرأة.

إحياء الدور التشريعي لمجلس الأمة:

ولهذا فإن قضاء المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (15) من قانون جوازات السفر، الذي أصدرته المحكمة الدستورية بجلسة 20 أكتوبر سنة 2009 يكون بذلك قد جاء بمنزلة الإنذار المبكر في هذا التقييم، فهو خطاب موجه إلى البرلمانيات الأربع بالبدء بمراجعة شاملة للتشريعات الكويتية، للكشف عما يقوم منها على التمييز بين الرجل والمرأة، لتقديم التعديلات المناسبة لهذه التشريعات.

إن هذه المراجعة الشاملة لهذه التشريعات، ستكشف لهن أيضاً عن مواطن القصور والنقص فيها والتي تعوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لتقديم اقتراحات بقوانين لتعديلها أو إلغائها أو استحداث تشريعات تعالج هذا النقص والقصور.

وإن البرلمانيات الأربع بهذه المراجعة الشاملة لهذه التشريعات، سيكون لهن الفضل والسبق في إحياء الدور التشريعي لمجلس الأمة، وهو الدور الأصيل للمجلس وللسلطة التشريعية التي أخذت مسماها منه، وهو الدور الذي تراجع أمام الإغراق في استخدام وسائل الرقابة البرلمانية، التي تشغل المجلس عن دوره التشريعي.

الحقوق الشرعية للزوج:

ونعود إلى الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية بجلستها المعقودة بتاريخ 20/10/2009 والذي قضت فيه بعدم دستورية النص القاضي بعدم جواز منح الزوجة جواز سفر مستقلا إلا بموافقة الزوج، والذي أسسته على أسباب، من أحكام القانون الدولي ومن أحكام الشريعة الإسلامية، وأحكام الدستور، للإجابة عن السؤال الثاني، وهو موقف الحكم من الحقوق الشرعية للزوج.

والواقع أنه لم يفت الحكم أن يوازن بين ما قرره من حق المرأة في الحصول على جواز سفر بغير حاجة إلى موافقة الزوج، والحقوق الشرعية للزوج، وحق المشرع في تنظيم منح جواز السفر دون أن يصل هذا التنظيم إلى إهدار الحق، فقررت المحكمة في أسباب حكمها أن إبطال النص المطعون فيه وإقصاءه عن مجال أعماله نزولاً على حكم الدستور، لا يخل بحق الزوج طبقاً للقواعد العامة في أن يمنع زوجته من السفر متى قام دليل معتبر على أن من شأن استعمالها لهذا الحق أن يلحق ضرراً به أو بأسرتها، باعتبار أنه من غير الجائز أن يكون استخدام الحقوق بقصد الإضرار بالآخرين، كما أن إبطال النص لا يُخل أيضاً بحق المشرع في أن يتولى تنظيم استخراج وتجديد جواز السفر للزوجة وسحبه، موازناً في ذلك بين حرية التنقل بما تتضمنه من الحق في مغادرة الوطن والعودة إليه، وما تنص عليه المادة (9) من الدستور من كفالة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة بما يحفظ كيانها ويقوي أواصرها، ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات العامة على نحو ما تنص عليه المادة (29) من الدستور، ودون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء وما تقضي به المادة (2) من الدستور من أن دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع.

وهو حذق ومهارة من الحكم عندما أقام موازنة دقيقة، كفل بها للدستور احترامه، فيما كفله من حريات، ومنها الحرية الشخصية والحق في التنقل، دون مساس بأحكام الشريعة الإسلامية وما تمنحه للرجل من حقوق.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top