مرآة الايام

نشر في 01-07-2009
آخر تحديث 01-07-2009 | 00:01
 زاهر الغافري 1-

أن ننام تحت نافذةٍ مفتوحةٍ والكرسيّ يتنزهُ قربنا بلا ضوء، أن نرى في المرآة أطياف أولئك العابرين إلى الضفة الأخرى، أنْ تكون الحُجْرةُ باردةً والممشى أطول مما نظنّ، أنْ نشّم رائحة التراب قبيل المغيب وننسى ثم نتذكر أنّ سحابةً مضيئة مرّتْ أمام أعيننا، أنْ يأتي الموتُ خفيةً ليغفو قليلاً أمام محراب الجمال، أنْ تتكئ الأشجار على ظلالنا ويبرعم الليل فوق جسدٍ ميّت، أنْ يكونَ الطريق بيتَ العزلة والذاكرة بابَ الريح، أنْ تقودنا أرضُ اللاأحد الى الحرّية، أنْ تكون الخطوةُ دليلَ الحنين والعتبةَ أرضاً مليئة بالأشواق، أنْ تكون الجولة الأخيرة قبل الموت صمتاً أن يأتي هذا الصمت كغفوة الغريق، أن يذهب الجميع وتبقى الراهبة وحدها في الدير كملاك الندم. أيضاً أن نرى في المرآة رمادَ أُمهاتنا، أنْ ندوس -سهواً- على مشطِ حبيبةٍ ميتّة، أن تلمع الخسارةُ كدينارٍ من الفضة لكي نشتري الصبر.

أن أولد من جديد كأنني كنتُ ظلكِ ومرآتكِ، وكنتِ مائي في الحياة والموت، أنْ أصغي اليك ثم أقول: عمتِ مساءً فأغطّيك بياسمين الصباح كي لا تنكسر أعمدة السماء، أنْ أكون أكثر قسوة مما كنتُ فأدفع الباب باتجاهك وأنتِ تضحكين ببراءة من لا يعرف غير الغفران وأنا غير المعصية، أنْ تكوني في أحلامي معنى الليل والضوء والرغبة، أنْ أقودك الى سفح الجبل ويبقيني الدهرُ خادماً فأمكثُ، أن يكونَ لونُ النوم أقرب الى عريك الابيض، أنْ لا أجيء من الغابة، فأرى من بعيد الضوءَ يرتعش في شعرك الأسود، فأكون يتيماً وأعزل، أنْ تحملني نغمتُكِ الشفيفة الى شتاء المسافرين، فأكون منفياً بين الثلوج، كنتِ كما تفتح القوقعةُ أمومَتها أمام البحر، كما تولد الغمّازةُ على مرأى الطبيعة.

2 -

هنا تحت هذه الشجرة تنامُ الأفعى، إنها تنظرُ إليَّ بعينين أخويتين، حتى أن رنين أجراسِها، يصلني ناعماً مثل موسيقى الأموات.

لستُ آدم ولا حواءَ هنا، ثم ان التفّاحَ فاسدٌ هذه الأيام، لكنها مع ذلك ترفض مغادرة شجرة حياتي، جنتي الوحيدة في هذه الصحراء.

تنامُ صامتةً كأنّ في رأسها يدورُ دولاب الخليقة بلا توقف تحت أقدام الرب، ثم ما الذي تريد ان تقوله هاتان العينان الحزينتان في برية شاسعةٍ كهذه، في الماضي عشتُ في مدنٍ كثيرةٍ تظهرُ الآن في الذكرى كأنها ظلالٌ مقيدةٌ بالسلاسل، دونَ أن أعرف أبداً أنّ يوماً ما سيأتي، لحظةً ما، في هذا المكان، تحت شجرة حياتي هذه، لتنام الأفعى ذات الوبر الذهبيّ، لتغني لي تراتيلَ عن الليل والنجوم والأضرحة، بينما تغيبُ شمس الخوف باردةً، ثقيلةً، في مرآة أيامي.

هكذا كرت الأيام والسنوات حتى فهمتُ أخيراً رسالة الموت.

back to top