السينما المغربيّة الجديدة... محاولات جريئة طموحها العالميّة
يلخّص فيلم {أي ما تطلبه لولا} حال السينما المغربية خصوصاً، وما تطمح إليه السينما العربية عموماً. نبيل عيّوش سينمائي مغربي أخرج أربعة أفلام طويلة منذ عام 1992 وأنتج أفلاماً مختلفة لمخرجين سواه. وطموحه يتمثّل في محاولته بناء سينما ذات إنتاج خاص واسماً لامعاً بين أترابه من المخرجين حول العالم.في عام 1992 أخرج عيوش {مكتوب} الذي صوّر بأسلوب بوليسي تعرّض امرأة شابّة للاغتصاب، ومدى تأثير ذلك على حياتها الزوجية، قبل أن تنجح وزوجها في فتح صفحة جديدة. شاب الفيلم قليل من التعمّق في صلب الموضوع، لكنه أكّد ولادة مخرج جديد فاز فعلاً في دورة مهرجان القاهرة السينمائي عام 1997 بجائزة نجيب محفوظ لأفضل عمل أول لمخرجه.
لمع فيلمه الثاني «علي زاوا» أكثر من سابقه واستحق جوائز أكثر من مهرجانات «أميين الدولي» و{كولونيا لسينما البحر المتوسط»، مروراً بـ{كيرالا الهندي» (جائزة إتحاد نقاد السينما العالميين)، وصولاً إلى مهرجاني «ماينهايم» و{مونتريال». هذه المهرجانات، صغيرة وكبيرة، والجوائز، رئيسة وثانوية، دعمت فيلماً رغب في طرح وضع اجتماعي يخص أطفال الدار البيضاء المهملين والمنضوين في عصابات تعيش في قاع المدينة وعلى شواطئها، ويدمن أعضاؤها شم الصمغ.اللافت أن الفيلم الذي أخرجه عيّوش في عام 2000 سبق بأسلوبه العام وموضوعه فيلم البرازيلي فرناندو مايريليس المدوّي «مدينة الله»، الذي تناول حياة أطفال ريو دي جنيرو الذين يعيشون على الطرقات ويؤلّفون العصابات ويدمنون شم الصمغ.{أي ما تطلبه لولا}ثم جاء فيلم نبيل عيّوش الأخير {أي ما تطلبه لولا} المختلف تماماً عن الفيلمين المذكورين، إذ انتقل من نيويورك إلى القاهرة ولم يذهب إلى المغرب، فيما وصلت ميزانيته إلى ثمانية ملايين دولار تكفّلت بها جهات عدة: مغربية، فرنسية، كندية، وأميركية. بدورهم، جاء الممثلون من بقاع مختلفة: الأميركية لورا رامزي، المصرية مريم فخر الدين، اللبنانية كارمن لبٌس، والتونسية هشام رستم...كذلك يبدو الهدف من الفيلم مختلفاً عن العملين السابقين، فطموحه المخرج محاولة تقديم عمل يستقي ملامحه من أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، وتبدو النية في تلميع الصورة العربية أحد الأهداف الواضحة.شابة أميركية تعشق الرقص الشرقي، وتحب شابّا مصرياً، فتلحق به حين يغادر أميركا لتكتشف أنه كان يتخذها صديقة عابرة لا أكثر. وعلى رغم أنها كانت تستطيع العودة، تقرر البقاء وتعلّم حرفة الرقص على يدي راقصة شرقية معتزلة مشهورة (كارمن لبّس)، فتجد نفسها وقد أصبحت نجمة محبوبة.يحاول الفيلم طرح قضاياه الاجتماعية في قالب ترفيهي، ما يعكس اقتناع المخرج بأن ردم الهوة بين الشرق والغرب يتحقق عبر طرح مثل هذه المواضيع. لكن فيما حاول نبيل عيّوش وضع نفسه على خارطة دولية واجه فيلمه صعوبة في العرض حتى في مصر ذاتها لينتهي في مهرجان دبي أوّلاً (استقبله كفيلم افتتاح)، ثم يجول سينمائياً أربع دول غربية هي فرنسا والنروج وكوريا الجنوبية وتايوان.سجّلت محاولة عيّوش حضورها وتوقّفت، وفي العالم العربي أفلام قليلة في هذا المجال. مثلاً، أطلق الإماراتي ماجد عبد الرزّاق فيلماً بعنوان «رمال عربية»، تناول فيه رحلة المستكشف البريطاني ولفرد ثيسيغر في جنوبي شبه القارة العربية. لم يقرر المخرج القيام بدور الرحالة الإنكليزي فحسب، بل جاء إخراجه كاشفاً عن قلّة مداركه ومعلوماته. لكن المسألة في السينما المغربية تختلف وفيلم عيّوش لم يضع نقطة النهاية.المغرب اليوم ثاني أكثر بلد منتج للأفلام بعد مصر، ولو أن الأخيرة وغيرها من البلاد العربية لا تشاهد ما تنتجه المغرب إلا في المهرجانات العربية التي تستقطبها مثل مهرجاني دبي والقاهرة، ومهرجان قرطاج في الشمال الأفريقي.لا ينظرمخرجون كثر في المغرب إلى العالمية في إطار تحقيق أفلام تتناول إنجازات شخصيات غربية في هذا البلد أو ذاك، بل يحاولون سبر غور التاريخ أو الحاضر بأشكالهما وتداعياتهما المتنوعة. أحياناً، يجمعون بين الهدفين كما هي الحال في فيلم لافت بعنوان {القلوب المحترقة} عاد به المخرج أحمد المعنوني إلى السينما قبل عامين: دراما نابعة من ذات المخرج الشفّافة ومن مذكرات وذكريات أراد تجسيدها فيلماً لتخليص نفسه منها. على رغم أن الأحداث مأخوذة غالباً عن حياة المخرج، إلا أن الفيلم لا يتّخذ شكل السيرة الذاتية، ويسرد حكاية شاب (محمد الدرهم) عاد إلى بلدته المغربية ليواجه خاله المريض ويصفّي حسابه معه، فقد أساء إليه حين كان طفلاً إلى حد لا يُطاق (ضربه، وحرمه من الدراسة...). لكن الخال لا يستطيع الكلام والشاب لا يملك سوى الانتقال بين الماضي والحاضر، الذي يستوعب قصّة أخرى لا تقل أهمية عن القصة الرئيسة. جهد رائع من المخرج مع تصوير أخّاذ بالأبيض والأسود (معظمه) من الفرنسي بيير بوفرتي. وتتخلل الفيلم مقاطع غنائية ومشاهد لفرق جوّالة تنقل الفولكلور المغربي المتنوّع ما يثري هذه التجربة تماماً. ذلك كله وضع الفيلم في قائمة أفضل 10 أفلام عربية في العام الماضي.موقف ليبرالي فيلم {ملائكة الشيطان} لأحمد بولان محاولة صادقة ولا تخلو من الجرأة لطرح موضوع الحرّيات، وما إذا كان يمكن تجزئتها. بني السيناريو على أحداث حقيقية، لكن لا علم لنا كيف تدخّل المخرج سينمائياً كي يعزز هذا الخط أو ذاك فيها. وهل تدخّله كان لمساعدة فيلمه إنجاز رسالة معيّنة أو لمجرد ضرورات السيناريو السينمائي.في هذا العقد الأول من القرن الجديد ظهرت آفة اجتماعية تمثّلت في حركة عبادة الشيطان. تم إلقاء القبض على خلايا لها في مصر، واكتشفت خلية أخرى في المغرب، فأثارت كلا الحالتين تعليقات وتحليلات عدة. اختار المخرج بولان سرد الحدث المغربي متنقلاً بين أسلوب التحقيقات الجنائية وموقف المتهمين. لا يؤيد الفيلم أعضاء تلك الحركة، لكنه يروّج لفكرة أنه بغياب أي إثبات فإن السلطة تعاملت معهم على أساس أنهم متّهمون لمجرد ارتدائهم ملابس مختلفة وعزفهم الهارد روك.لكن الموقف الليبرالي الذي يتّخذه المخرج ينال من نفسه على أساس أن الدفاع عن مبدأ أن المتهم ليس مذنباً الى أن تثبت إدانته لا يجب أن يعني السكوت عن الحالة. بعد التمهيد والتعريف بها، تجد إحدى الشابّات نفسها عرضة لمطاردة الشرطة، فيتحوّل الفيلم إلى شريط تحقيقات، ويحاول التأكيد على أن أن أفراد تلك الجماعة أقل خطراً من المحققين، وأن المتطرفين الإسلاميين لهم صلة في ملاحقة هؤلاء الشباب. بين فكرتي {وداعاً للديمقراطية} و{الديمقراطية نظام شيطاني} يصبح واضحاً أن المخرج حكم لأبطاله بالبراءة. سينمائياً، يحمل الفيلم قدراً من السرعة في التنفيذ، لكن لا مشاكل في سرد القصّة على نحو متلاحق. يبقى أن الموضوع يطغى على الأسلوب، فيجعله تابعاً له وغير معبّر عن قدرات المخرج الفنية.فانتازيا تقع أحداث {فين ماشي يا موشي} في عام 1963، عندما أخذت الهجرة اليهودية من المغرب تزداد قاضية على عقود من التعايش والألفة بين المسلمين واليهود. وللتعبير عن التعايش يختار المخرج - الكاتب مشهد عناق بين مسلم ويهودي بعد {استجابة الله لدعاء جموع الأهالي بأن ينقطع الجفاف وتمطر السماء}. في المقابل تلوح مشاكل في الأفق: عائلة يهودية تقرر أن تلحق بالجاليات اليهودية التي تتسرّب ليلاً بعيداً عن البلدة، وعائلة أخرى يرفض معيلها ترك البلدة التي عاش فيها، فيرفض بيع متجره. في الوقت ذاته، يريد منه بعض المسلمين أن يبقى، ويودّ آخرون أن يرحل كي يتسنّى لهم شراء أملاكه بسعر بخس. يصبح هذا اليهودي الذي آثر البقاء محور الفيلم.لا يقع المخرج في شرك الانحياز لأي طرف، إذ يقدّم حكايته على خلفية واقعية بحتة (من دون أن يكون الفيلم نفسه واقعياً)، ويعكس قدراً من التعايش بين الفئتين.من الواقع إلى الفانتازيا في {عبدو في بلاد الموحّدين} الذي حقق نجاحاً تجارياً كبيراً لمخرجه سعيد الناصري ربما يدفعه إلى التفكير في إنجاز جزء ثانٍ. كتب الفيلم الناصري وأخرجه وأنتجه وأدى فيه دور البطولة. ينطلق الفيلم الكوميدي من سقوط بطله (الناصري) في ذلك الفاصل الزمني غير المرئي بين الحاضر والماضي: خلال مطاردة الشرطة له يمر أمام فريق علمي يديره طبيب غربي يجري تجارب إشعاعية. لا يجد {عبدو} نفسه إلا وقد أنتقل، هو ودراجته النارية، إلى الماضي وسط استغراب أحد الأمراء وحاشيته واعتقادهم في بادئ الأمر أن عبدو جاسوس موفد من أعضاء الإمارة.في الفيلم كل ما تنتظره من سيناريو قائم على إنسان من اليوم ينتقل الى بضع قرون سابقة: مغامرات عاطفية، مواقع عسكرية، ومواقف كوميدية لافتة. كذلك يحاول الفيلم أن يكون تعليمياً ومضحكاً في آن، فينجح أحياناً ويخفق أحياناً أخرى.يعلّق الفيلم، في منحاه التثقيفي، على الحياة الأدبية والثقافية. شخصيات ذلك الزمن يعرفون جيّداً ابن رشد وأرسطوطاليس وأبي إسحق وأبي جعفر الذهبي، حتى أن {المصير} ليوسف شاهين يرد في الفيلم عبر تساؤل عبدو حول حقيقة ما ورد فيه.لا تتوقف عجلة الانتاج في المغرب، وثمة أفلام حديثة عدة غير تلك المذكورة وأخرى يتم تصويرها راهناً، أبرزها: «الغريب» لليلى طريقي، «فاطمة» لرشيد همان، «أولاد البلد» لمحمد اسماعيل، «غداً، الفجر» لجيلالي فرحاتي، و{الفيلا الكبيرة» للطيف لحلو.