حلم مصطفى العقاد

نشر في 21-10-2009
آخر تحديث 21-10-2009 | 00:01
 زاهر الغافري قبل أن يُخرِج العقاد فيلم «الرسالة»، كان قد انخرط في دراسة السينما أكاديمياً، وتخرج في جامعة جنوب كاليفورنيا، وعمل في بداية مشواره في الصحافة، ثم عمل بعد ذلك في شبكة تلفزيون «سي بي إس»، وعمل مع المخرج والكاتب الأميركي «سام بيكنباه»، فقدم سلسلة من الأفلام التسجيلية، وعدة ريبورتاجات تلفزيونية.

وعندما حصل العقاد على التمويل اللازم، انشأ شركة «فالكون للإنتاج السينمائي»، وقدم أول أفلامه التاريخية «الرسالة» بميزانية تجاوزت العشرة ملايين دولار أميركي.

صحيح أن فيلم «الرسالة» لم يترك تأثيراً كبيراً في السينما العالمية، لكن العقاد كان يحلم بتحقيق سلسلة أفلام ذات توجه تاريخي، لإلقاء الضوء على مفاصل مهمة في التاريخ العربي والإسلامي القديم والحديث.

لقد أدرك العقاد وهو في هوليوود ضرورة تقديم الشخصية العربية «للآخر»، من خلال التركيز على إبراز الجانبين الحضاري والثقافي للإنسان العربي، وإظهار جوانب الظلم والحيف والطغيان وسوء الفهم الذي لحق بالعرب في مرحلة الاستعمار الحديث.

هذه الأفكار ستتبلور على نحو أكثر فاعلية في فيلمه الثاني عمر المختار أو أسد الصحراء. وقد بدأ العقاد تحضير هذا المشروع منذ أواخر السبعينيات، لكن تم إنجازه في عام 1981، مقدماً هذه المرة أيضاً نخبة من النجوم الكبار (أنتوني كوين، أوليفر ريد، إيرين باباس وآخرين)، ويبدو أنه من الصعب نسيان المشهد السينمائي الذي يظهر فيه عمر المختار «أنتوني كوين»، بعد أن قبض عليه ليتم فيه تنفيذ الإعدام، بينما ترتفع في خلفية المشهد زغاريد النساء الملففات بالبياض، بعد أن دوَّخ عمر المختار بمقاومته الإيطاليين وأصبح كابوساً يهدد أحلام موسوليني.

ليس جديداً القول، إن الآلة السينمائية الضخمة في هوليوود، لم تقدم سوى الصورة النمطية المشوهة عن العرب والمسلمين عموماً، وحدث هذا منذ بدايات أفلامها الصامتة بالأبيض والأسود حتى الآن.

لقد أراد العقاد أن يقدم صورة للعرب متوازنة قدر الإمكان، وبغض النظر عن مدى النجاح والإخفاق في هذا المسعى، فإن محاولته هذه جديرة بالتقدير والتأمل.

كان مصطفى العقاد، الفتى الحالم بالسينما، قد وصل إلى الولايات المتحدة في عام 1954، ولم يكن يملك سوى مئتي دولار ومصحف هدية من أبيه، ومنذ ذلك الحين وعبر السنوات الطويلة، ظل يحلم بتقديم أعمال تعيد الاعتبار إلى الجوانب المشرقة في التاريخ العربي الإسلامي، من دون أن يقدم تنازلات، ومن دون أن ينسى أيضاً المشاكل والأخطاء البنيوية الحقيقية التي تكبل العرب.

كان العقاد بعد انتظار طويل، بسبب مشاكل في التمويل على الأغلب، يهيئ بعض مشاريعه، منها فيلم يتناول فيه شخصية صلاح الدين الأيوبي، وفترة الحروب الصليبية، وإذا كان العقاد يعود دائما إلى التاريخ فإنه يريد بذلك أن يزيح جوانب سوء الفهم لإبراز «الجوهر» المشرق لهذا التاريخ.

وكنت قرأت له أكثر من لقاء يتحدث فيه عن ضرورة إظهار الطابع القومي، لا «الديني»، في الصراع مع الاستعمار الغربي، لأن «الصليبيين حين دخلوا القدس قتلوا المسلمين والمسيحيين واليهود، كما أن المسيحيين العرب حاربوا إلى جانب صلاح الدين، ضد القوى الاستعمارية الغربية».

أما مشروع العقاد الآخر فهو فيلم عن الأندلس، وقد أراده موجهاً الى الغرب، وهو مشروع فيلم تاريخي أيضاً يعيد الحديث عن حضارة الأندلس في المجالات العلمية والثقافية المختلفة، في الشعر والفنون والعلوم والرياضيات الفلك والكيمياء، وحضارة العيش المشترك، وفي الفترة التي ازدهرت فيها جامعات قرطبة وغرناطة وإشبيلية.

لقد سنحت لي فرصة التعرف عن قرب على مصطفى العقاد في مهرجان السينما الذي أقيم في مسقط، عندما حل ضيفاً على المهرجان، وكنت عضواً في لجنة التحكيم، وكانت أحاديثنا غالباً ما تتطرق إلى الحياة في أميركا، والأفلام والمشاكل التي يعانيها العرب في الصناعة السينمائية، وكان العقاد يتحدث بروح أخوية وفهم واضح للرسالة التي يمكن أن يحملها الفيلم إلى «الآخر».

بموت العقاد يكون الرعيل الذي عاش في الولايات المتحدة، الذي حاول أن يقدم صورة إيجابية عن العرب كلّ حسب مجاله ووفق منظوره، في طريقه إلى الزوال (أبو لغد، شرابي، سعيد).

ترى ما الذي استفادت منه تلك اليد الغادرة التي قتلت حلم مصطفى العقاد؟

back to top