شركاء في حاضر ومستقبل الوطن

نشر في 10-11-2009
آخر تحديث 10-11-2009 | 00:00
 د. عبدالخالق عبدالله ستحتفل الإمارات قريبا بمرور 38 سنة على قيام الدولة الاتحادية، وربما كان من المناسب في هذه المناسبة العزيزة على قلوب المواطنين والمقيمين في الدولة ليس التذكير بالإنجازات والمنجزات الكثيرة بل التأكيد على مجموعة من البديهيات الوطنية العاجلة.

وأول بديهية تستحق التأكيد الإيمان المطلق بأن الإمارات العربية المتحدة هي وطن الجميع، وأن الحاكم والمحكوم شركاء في حاضر ومستقبل هذا الوطن، والكل مسؤول مسؤولية كاملة عن أمن وازدهار وتقدم الإمارات، كما أن الجميع مدعو لقول كلمة الحق في الشأن العام الذي لا يحتمل الاحتكار والاستئثار. لقد تعمق الإحساس في الآونة الأخيرة بتهميش المواطن في وطنه، ولم يعد أحد يعتد برأيه، وأصبح من السهل تجاوزه وتهميشه، بل بلغ الأمر حد عدم الاكتراث بوجوده في بلده. إن المرحلة القادمة من بناء الدولة الاتحادية تستوجب وضع المواطن في قلب العمل الوطني قولا وفعلا.

وثاني بديهية من البديهيات الوطنية الاقتناع بأن الدستور هو الأصل والفصل القانوني بالنسبة لكل شاردة وواردة تمس الدولة والحكومة وحياة الفرد وعمل المؤسسات في الإمارات. من المهم التأكيد بقوة ما بعدها قوة على ضرورة إعلاء شأن الدستور والتمسك بنصوصه واحترام كل مادة من مواده. لدى الإمارات أفضل دستور اتحادي لكن لا يعرف أحد بوجوده، فقد تكررت التجاوزات الدستورية الفاقعة بشكل غير مسبوق ومعهود في الفترة الأخيرة، ومن المهم عدم تجاهل الدستور الذي تتعامل معه الدول الحديثة والمتقدمة كوثيقة وطنية مقدسة تقرر الصلاحيات والسلطات وتحدد الحقوق والواجبات وتنص على أن المواطن شريك كامل الشراكة عندما يتعلق الأمر بأمن الوطن، فالدستور ملزم للجميع، الصغير والكبير، والالتزام به ليس طوعيا بل قسريا حيث لا أمن ولا أمان ولا ضمان خارج نطاق الدستور.

وثالثة البديهيات الوطنية التذكير بأن الكيان الاتحادي هو أهم مكسب وطني تحقق لشعب الإمارات الذي عانى التجزئة السياسية كثيرا، فبعد مرور 37 سنة على قيام الدولة الاتحادية، أصبح الاتحاد قدرا ومصيرا لهذا الشعب الذي لا يشعر بأي انتماء وولاء خارج الانتماء والولاء للاتحاد. وعلى الرغم من أن الاتحاد قائم ومستمر ولا خوف عليه، فإن الكيان الاتحادي يعاني الضعف الشديد بعد أن تضخم كل ما هو محلي على حساب كل ما هو اتحادي في مرحلة ما بعد الأب المؤسس زايد، فتضخم المحلي على حساب الاتحادي عمل غير مسؤول ويخل بالتوازن الدستوري الذي هو طوق الأمان الوطني، والاتحاد هو وطن الجميع والكل مسؤول عن دعم الكيان الاتحادي وتفعيل مؤسساته وخدماته.

ورابع بديهية من البديهيات هو غرس الشعور بالقلق وربما الخوف تجاه مصير الوطن في ظل تنامي الخلل السكاني. لقد تجاوز إجمالي عدد السكان في الإمارات حاجز الـ6 ملايين نسمة في نهاية عام 2009 ويتوقع أن يصل إلى 8 ملايين نسمة قريبا، مما يعني تدني نسبة المواطنين إلى أقل من 1%. لقد اتضح أن النهج التنموي الفائق السرعة هو تهديد وليس رصيدا وطنيا، حيث إنه لا يتناسب مع القدرات السكانية المواطنة المتواضعة. لا شك أن العائد المادي للتمدد الاقتصادي واضح لكن الثمن الاجتماعي أكثر وضوحا وأكثر ضررا. هذا النهج الاقتصادي لا يجلب أي إنجاز وطني بل يهدد الوطن والمواطن في وجوده وعلى أرضه.

وخامسة البديهيات الوطنية هي الوفاء بوعد أطلق في ديباجة الدستور المؤقت، وتم تأكيده في الدستور الدائم بضرورة قيام حكم ديمقراطي نيابي متكامل الأركان في الإمارات، وذلك تجسيدا لمقولة إن الجميع شركاء في بناء الوطن. الإمارات هي أرض التسامح ولديها أفضل سجل في الحريات الاقتصادية والاجتماعية، لكن الكل يشعر ببطء حركة الإصلاح السياسي والسير نحو الانفتاح الديمقراطي، ولا يوجد سبب مقنع واحد يبرر هذا البطء في السير نحو الحكم الديمقراطي والنيابي في الإمارات، وأبناء وبنات الإمارات هم الأكثر تعليما واعتدالا فكريا وسلوكيا في المنطقة، ومن حق كل واحد منهم أن يمارس حقه الانتخابي.

بعد مرور 38 سنة، مازال المجلس الوطني الاتحادي معينا في مجمله، ومن دون صلاحيات تشريعية في عمله، ومتواضعا في كل مؤشر من مؤشرات أدائه، وإن شعب الإمارات المحب لوطنه والمخلص لقيادته ينتظر بشوق تفعيل قيام مجلس وطني منتخب وبصلاحيات تشريعية كاملة، كما أنه يتطلع بتوق لرفع سقف الحريات خصوصا حرية التعبير والتفكير وحرية الصحافة، ورفع الوصاية عن جمعيات النفع العام ومؤسسات المجتمع المدني التي كانت الأكثر نشاطا وتألقا في منطقة الخليج العربي في المراحل التأسيسية الأولى للدولة الاتحادية ثم تراجعت كثيرا عندما أصبحت الدولة الاتحادية أكثر نضجا.

أما سادس بديهية وطنية فهي تجديد الالتزام بالعدالة الاجتماعية التي أخلت كثيرا في السنوات الأخيرة بسبب تزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الإمارات. فجوة الدخل أصبحت فاقعة وهي اليوم أكثر بروزا من أي وقت آخر، وأغنياء الإمارات يزدادون غنا، وفقراؤها يزدادون فقرا. من الصعب تبرير وجود نحو 60 ألف مواطن يعيشون تحت خط الفقر في دولة الإمارات التي هي واحدة من أغنى الدول وفق معدل دخل الفرد. كل ذلك يحتم استمرار دولة الرعاية والرفاهية الاجتماعية، والإبقاء على سخاء الدولة الاتحادية التي كانت حتى وقت قريب الأكثر سخاء في العالم.

سخاء الدولة الاتحادية ساهم في تحقيق الأمن والاستقرار وعمق الانصهار الاجتماعي، وحقق الاندماج الوطني في بوتقة الوطن الواحد، وعزز الاتجاه أن الجميع شركاء في الثروة، وإن أي إخلال واختلال في مبدأ العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة يجلب معه اختلالات كثيرة وخطيرة، والإمارات في غنى عنها.

ستحتفل الإمارات بمرور 38 سنة من النجاحات الواضحة كل الوضوح، لكن المستقبل المشرق يعتمد على إجراء مراجعة دقيقة لأمور كثيرة من بينها: وقف التمدد الاقتصادي ذي الثمن الاجتماعي الباهظ، ودعم الكيان الاتحادي وتقوية مؤسساته والارتقاء بخدماته، وتعزيز الحريات على كل المستويات، وتأكيد أن الجميع شركاء في حاضر ومستقبل الوطن، علاوة على العمل بنص وروح الدستور الذي يحدد بوضوح شديد الواجبات والمسؤوليات تجاه الكيان الاتحادي الذي جاء ليبقى ويستمر ويحقق حياة حرة وآمنة وكريمة للمواطن والمقيم على أرض الإمارات، فمستقبلها واعد لكنه مرهون بإنجاز هذه المهام الوطنية.

* باحث وأكاديمي إماراتي

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top