الولايات المتحدة الكويتية

نشر في 03-08-2010
آخر تحديث 03-08-2010 | 00:00
 د. صلاح الفضلي لعل من بين الحلول التي يمكن تطبيقها للتخفيف من معضلة التوفيق بين الحفاظ على وضع مؤسسة التأمينات الاقتصادي، ومراعاة جوانب الإنتاج، ورغبة الموظف في التقاعد، هو تنفيذ الاقتراح الذي تبناه النائبان عبدالله النيباري ومشاري العصيمي في ديسمبر 2001 لإنشاء صندوق التقاعد المبكر.

عندما نتابع منهجية عمل بعض المؤسسات الحكومية يخيل لنا أننا نعيش في نظام فيدرالي، حيث كل ولاية لها حرية في تشريع القوانين والأنظمة التي تحكمها، لنأخذ مؤسسة التأمينات الاجتماعية كمثال على ذلك فيما يخص رؤية المؤسسة للأنظمة التي تتعلق بتقاعد الموظفين، نجد أنها تنبثق من رؤية اقتصادية بحتة، ولذلك تم رفع سن التقاعد قبل سنوات عدة إلى 55 سنة، مما يعني أن خدمة الموظف سوف تصل إلى ما يقرب من 37 سنة.

فحسبة مؤسسة التأمينات، كما قلنا ترتكز على منظور اقتصادي، وهو ضرورة عدم حصول أي عجز مالي في ميزانية المؤسسة، أي أن اختيار مدة الخدمة لا يستند إلى معيار الإنتاجية، إنما يستند فقط إلى معيار تكلفة تقاعد الموظف على ميزانية المؤسسة، وكأن المؤسسة دولة مستقلة في ذاتها، وكأن الدولة ليست مسؤولة عن ضمان أي عجز قد تتعرض له ميزانية المؤسسة.

في مقابل رؤية المؤسسة الاقتصادية البحتة نجد تصريحات عديدة لبعض الوزراء عن الحاجة إلى إحالة من أمضى ثلاثين عاماً في الخدمة إلى التقاعد، لاعتبارات مختلفة منها تجديد الدماء في المؤسسات الحكومية، وإتاحة الفرصة للقيادات الشابة لأخذ فرصتها، وهذه الرؤية تختلف تماماً مع رؤية مؤسسة التأمينات الاجتماعية ذات المنظور الاقتصادي، ومرة أخرى نجد أن الوزارات التي تجبر موظفيها ممن أمضوا ثلاثين سنة في الخدمة على التقاعد تتصرف وكأنها دولة مستقلة بذاتها أو ولاية في نظام فيدرالي، وليست مؤسسة حكومية يفترض أن تطبق رؤية حكومية موحدة، وهذا ما يجعل المرء يعتقد أن الكويت ليست دولة صغيرة إنما ولايات متحدة.

يفترض أن تأخذ أي معالجة لقضية عامة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية معا، لا أن تتفرد مؤسسة برؤية اقتصادية، في حين تتمسك مؤسسة أخرى برؤية اجتماعية.

السؤال الذي ينبغي أن نجيب عنه حتى نستطيع إيجاد رؤية متوازنة لموضوع التأمينات هو: ما الاعتبارات التي ينبغي أن تأخذها الدولة بعين الاعتبار بهذا الخصوص؟

أول الاعتبارات هو المحافظة على الوضع المالي لمؤسسة التأمينات حتى تستطيع الاستمرار في تقديم خدماتها، ولكن هناك اعتبار آخر مهم وهو مشكلة البطالة المتفاقمة، والتي سوف تزداد سوءاً في المستقبل القريب، ففي حال استمرار رفع سن التقاعد فإن ذلك سوف يقلل من توافر فرص العمل للشباب، وسوف يزيد كذلك كلفة توظيف طالبي العمل الجدد، وهو أيضاً يجبر الراغبين في التقاعد المبكر على الاستمرار في وظائفهم برغم عدم قدرتهم على الإنتاج، وهو ما يزيد من تفاقم البطالة المقنعة في الدوائر الحكومية ويزيدها ترهلاً أكثر مما هي عليه.

لعل من بين الحلول التي يمكن تطبيقها للتخفيف من معضلة التوفيق بين الحفاظ على وضع مؤسسة التأمينات الاقتصادي، ومراعاة جوانب الإنتاج، ورغبة الموظف في التقاعد، هو تنفيذ الاقتراح الذي تقدمت به المؤسسة، وتبناه النائبان عبدالله النيباري ومشاري العصيمي في ديسمبر 2001 لإنشاء صندوق التقاعد المبكر، وهو الاقتراح الذي لم ير النور حتى الآن على الرغم من موافقة الحكومة المبدئية عليه.

إن عدم وجود اتفاق بين مؤسسات الدولة حول رؤية موحدة حول العديد من القضايا يؤكد حقيقة أن الأمور في البلد على البركة وعلى اجتهادات شخصية أكثر منها تخطيطا مدروسا، وهكذا وضع بالتأكيد لا يبعث على التفاؤل.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top