سلام من دون عملية سلام

نشر في 05-05-2010
آخر تحديث 05-05-2010 | 00:01
الحل متشابك لكنه واضح: لا لتوقيع أي اتفاق! ولا لإبرام المعاهدات وتنظيم الاحتفالات، ولا حاجة إلى أن تفسر القيادة الفلسطينية لشعبها السبب الذي دفع القادة إلى التخلي عن الأهداف التاريخية التي حددتها الحركة الوطنية الفلسطينية.
 ذي أتلانتك لا يمكن حل جميع النزاعات، بعضها فقط يتلاشى تلقائياً.

لم تتنازل الأرجنتين يوماً عن مطالبتها بجزر فوكلاند.

لايزال النزاع الحدودي الذي أدى إلى نشوء الحرب بين الهند والصين عام 1962 محطّ جدل.

احتفظ المغرب بأرض الصحراء الغربية على الرغم من صدور عدد كبير من الإدانات الدولية.

حتى الولايات المتحدة العظيمة واجهت طريقاً مسدوداً في أوروبا خلال الحرب الباردة طوال 45 عاماً، ولاتزال تواجه الوضع عينه في شبه الجزيرة الكورية،

وانطلاقاً من ذلك، يُعتبَر عقد السلام حول طاولة المفاوضات أمراً غير مألوف: إقدام الأعداء القدامى على التفاوض بشأن اختلافاتهم، وتوقيع معاهدة، وتبادل السفراء... ما الاحتمال المتوقع لحصول ذلك؟ وكم يدوم مفعول معاهدات مماثلة؟

في الواقع، تبقى معاهدات السلام الناجحة بعد التفاوض أكثر ندرةً من الانتصارات العسكرية الحاسمة، علماً أن تلك الانتصارات نادرة بدورها، فالأمر الاعتيادي هو حصول سلام تلقائي مع انتهاء الحرب.

لقد انطفأت شرارة الحرب إلى حد كبير في الشرق الأوسط، وخاضت إسرائيل وسورية ثلاث حروب خلال 25 سنة بين عامي 1948 و1973، لكن لا يعني ذلك حصول تفاهم ووئام بين الدولتين المجاورتين خلال الـ37 سنة الماضية: خاض الطرفان معركة جوية ضخمة عام 1982، ولاتزال سورية تموّل وتجنّد الإرهابيين ضد إسرائيل، وعمدت إسرائيل بدورها إلى تدمير منشأة نووية سورية عام 2007، لكن لم يَخُضْ الطرفان حروباً إضافية.

لكن لايزال الصراع المحلي مع الفلسطينيين مشتعلاً، وتؤدي المفاوضات إلى نشوب أعمال عنف تقود بدورها إلى مفاوضات إضافية، ومن المضحك أن نشهد عملية سلام لا تشمل إلا عمليات، لكن من دون أن تحقق أي سلام يُذكَر.

بدل عقد صفقة كبرى، ربما علينا إيجاد طريقة لحصر المعركة وعدم تصعيد المشكلة والتسبب بأضرار إضافية.

لنأخذ الجدار الأمني الإسرائيلي مثلاً... هو لم يحقق السلام ولم يرسم أي حدود مستقبلية افتراضية، بل اكتفى برسم خط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ما أدى إلى قطع الطريق أمام الجماعات الإرهابية وراء الخط، فلا يُعتبر تراجع حدة الإرهاب "سلاماً"، لكنه يعطي النتائج نفسها.

تحكم الضفة الغربية نفسها بنفسها... فهي ليست بلداً بحد ذاته، لكن تعيش كوسوفو وناغورنو كاراباخ الوضع عينه، ولا يبذل المجتمع الدولي جهداً كبيراً لتحديد معالم الوضع القائم في تلك المناطق المستقلة، حيث يسود الحكم الذاتي. لِمَ لا نسمح للسلطة الفلسطينية بالتعايش بالطريقة نفسها؟

لا يتوقف القادة الفلسطينيون عن تكرار أنهم يواجهون معضلة صعبة، ولا يمكن لأي قائد فلسطيني (برأي الفلسطينيين) أن ينجح في توقيع معاهدة لا توفر جزءاً كبيراً من القدس؛ وإلغاء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية؛ واعترافا صريحا بحق عودة الفلسطينيين إلى أملاك إسرائيلية.

على صعيد آخر، لن يرضخ أي سياسي إسرائيلي لتلك المطالب، ولا يتحلّى الفلسطينيون بالقوة الكافية لفرض أي تسوية، ويبدو أن الولايات المتحدة لن تُقدم على ذلك.

الحل متشابك لكنه واضح: لا لتوقيع أي اتفاق! ولا لإبرام المعاهدات وتنظيم الاحتفالات، ولا حاجة إلى أن تفسر القيادة الفلسطينية لشعبها السبب الذي دفع القادة إلى التخلي عن الأهداف التاريخية التي حددتها الحركة الوطنية الفلسطينية. يمكن الاحتفاظ بالأهداف عينها على أن تبقى مجمدة في الوقت الراهن وأن تُؤجَّل لوقت مستقبلي حين تتغير الظروف.

أما في الفترة الراهنة- وقد تمتدّ هذه الفترة عقودا عدة- فيوافق الجميع على التعايش مع الوضع الراهن: يحتفظ الإسرائيليون بما لديهم، ويلتزم الفلسطينيون في الضفة الغربية بحفظ النظام على جهتهم من السياج، وتبقى حركة "حماس" كياناً منبوذاً على المستوى الدولي، ويستمرّ تدفق المساعدات الخارجية إلى الضفة الغربية طالما يحافظ الجميع على سلوك حسن. لا للعمليات والمعاهدات، نعم لنشر الهدوء وتنمية البلاد.

ليس هذا الاقتراح صفقة جيدة بالنسبة إلى الفلسطينيين على ما يبدو، فهو لن يكون طبعاً بجودة الصفقة التي كانوا سيحصلون عليها لو أنهم قبلوا بالعروض التي قُدّمت في أعوام 1937 أو 1947 أو 1968 أو 2000، لكنهم لم يقبلوا بتلك العروض، وبالتالي ارتكبوا خطأً كبيراً وتخطاهم الأمر.

مع انتشار السلام غير المُعلَن، يمكن أن يأمل العالم في أن يساهم الازدهار الفلسطيني والأمن الإسرائيلي في التخفيف من حدة النزاعات القديمة، وقد لا يُعقَد أي اتفاق سلام أبداً، لكن الخيار البديل من توقيع معاهدة سلام يجب ألا يكون القتال بالضرورة.

* ديفيد فرم

back to top