فتاوى اسألوا أهل الذكر الصلاة والسلوك
السؤال:أي الشخصين أفضل: رجل لا يصلي لكن أخلاقه وخدماته للناس كثيرة، أم رجل يصلي ويحافظ على الصلاة، ولكن معاملته مع الناس سيئة؟
الفتوى:كلا الرجلين مخطئ، وتارك الصلاة معروف حكمه، إن تركها جحداً وإنكاراًً أو استهزاء فهو كافر، وأعماله الطيبة لا تنفعه في الآخرة كما قال سبحانه «وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورا» (الفرقان: 23) وإن كانت خيراته عادت عليه بالخير فهو في الدنيا فقط، وإن تركها كسلا وتهاونا فقد حكم بعض العلماء بكفره، وحكم بعضهم بفسقه، وإن مات على ذلك ولم يتب فأمره مفوض إلى ربه. وذلك كله بناء على حديث مسلم «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة».والذي يصلي ولا يستقيم سلوكه مؤمن عاص أضاع ثواب صلاته، وردَّها الله عليه لأنها لم تثمر طيبا في أخلاقه، والله سبحانه يقول: «وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ» (العنكبوت: 45)، فالصلاة- كبقية العبادات- ليست علاقة خاصة بين العبد وربه، بل لابد أن ينعكس أثرها على السلوك الشخصي والاجتماعي، وقد نعى الله على من يسهو عن الصلاة فيقصِّر في أدائها، أو من يسهو عن معناها وحكمة مشروعيتها فلا يكون لها أثر في حياته مع الناس، قال تعالى «فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ» (الماعون: 4 – 7).وقد أكدت الأحاديث هذا المعنى، فقد صح أن رجلا قال للنبي (صلى الله عليه وسلم): «إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها؛ غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها؟ قال: هي في النار»، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ولم يستطل على خلقي ولم يبت مصرا على معصيتي وقطع النهار في ذكري ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة، ورحم المصاب، ذلك نوره كنور الشمس، أكلؤه بعزتي، واستحفظه ملائكتي، أجعل له في الظلمة نورا، وفي الجهالة حلما، ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة».ومن هنا نعلم أهمية الصلاة فهي أهم أركان الإسلام وأفضلها، والحديث يقول: «لا دين لمن لا صلاة له، وموضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد» رواه الطبراني، ولم يتسامح فيها الرسول عليه الصلاة والسلام، كما تسامح في غيرها من التكاليف لمن أراد الدخول في الإسلام، فعندما جاء وفد ثقيف اشترطوا عليه ألا يخرجوا للجهاد، ولا تؤخذ منهم صدقة، ولا يجتمعوا للصلاة، ولا يولى عليهم أحد من غيرهم، فأجابهم إلى طلبهم مبدئيا ما عدا الصلاة.وبهذا يكون التارك للصلاة أو المتهاون فيها، والمستغني عنها بعمل البر، مغرورا مخدوعا، وكذلك الذي يؤدي الصلاة شكلياً من دون إحساس بروحها، غير خاشع فيها ولا فاهم لمعناها ولا لهدفها، هو مغرور بظاهره، يخدع الناس برؤيتهم له محافظا على الصلاة حتى يثقوا به، مع أنه لو طلبت منه معونة منع إعطاءها، لأن قلبه القاسي لم يتأثر بوقوفه أمام الله، فهو يناديه ويدعوه وهو غافل شارد الذهن، محروم من اللذة التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم «وجعلت قرة عيني في الصلاة». وبعد، فإن العبادات فُرضت لتقوية العلاقة بين الإنسان وربه، وبينه وبين نفسه، وبينه وبين الناس، فإن لم تثمر هذه العلاقات لم يكن لها عند الله وزن.