الاستجواب بين الأهداف والضوابط الفيلي: الاستجواب لا يعدو أن يكون طلباً لجواب وأفضل مواجهة له الرد عليه

نشر في 20-06-2010 | 00:00
آخر تحديث 20-06-2010 | 00:00
اعتبر الخبير الدستوري د. محمد الفيلي الاستجواب الاخير الذي كان عن التلوث البيئي وقدمه النائب خالد الطاحوس الى رئيس الوزراء سمو الشيخ ناصر المحمد مثالا جيدا للممارسة الخاطئة، «فموضوع الاستجواب لا يمكن وصفه بالسرية وهو يستند إلى  معطيات منشورة، كما ان الحكومة قد اعلنت عزمها على تقديمها لبياناتها وردودها على موضوع الاستجواب علنا وهو ما يؤكد عدم وجود السرية».

وأكد في دراسته «الاستجواب بين الأهداف و الضوابط» أن «اللجوء للسرية كمجرد اسلوب لمواجهة الاستجواب قد يبدو امرا مغريا للحكومة، وهو ممكن متى ما جمعت الحكومة اصواتها الى اصوات عدد من النواب كي تصل الى الاغلبية المطلوبة لاتخاذ القرار وهي اغلبية عادية بالرغم من خطورة تقرير السرية، ولكن هذا القرار يسيء للحكومة لانه يظهرها بمظهر العاجز عن الرد والتوضيح، وهي تسحب من رصيدها السياسي دون عائد يساوي هذا السحب».

ولفت الى ان عقد الجلسات بشكل سري «استثناء مقرر لحالات الضرورة وهذه الضرورة تقدر بقدرها فقط»، مشيرا الى انه «إذا كان في موضوع الاستجواب جزء ينطبق عليه وصف السرية وآخر لا ينطبق عليه فلا يجوز بحث الموضوع كله في جلسة سرية، وان التعامل مع السرية كأسلوب لمواجهة الاستجواب يهدر بالتأكيد مفهوم السرية».

وذكر د. الفيلي أن الاستجواب لا يعدو أن يكون طلباً لجواب وأفضل مواجهة له الرد عليه، لافتا الى ان الأحكام الخاصة به تقدم للمجلس أداة مهمة للرقابة على أعمال السلطة التنفيذية وبدونها تفقد الديمقراطية نصف نتائجها، موضحا ان الدستور واللائحة الداخلية للمجلس وفرا للوزارة حماية من المفاجأة كما وفرا لها وضعاً تفضيلياً عند مناقشة الاستجواب.

والى تفاصيل الدراسة:

الديمقراطية تعني ان السيادة للأمة وهي مصدر السلطات فهي التي تضع القواعد العامة (القانون) وهي التي تنفذها، ومبدأ الفصل بين السلطات في إطار النظام البرلماني يحد من إطلاق النتيجة الثانية، دون ان يلغيها، فيصبح التنفيذ من اختصاص سلطة منشأة لهذا الغرض (الحكومة) تحت رقابة مجلس ينوب عن الأمة، وبذلك يصبح معنى سيادة الأمة في إطار الديمقراطية النيابية اختصاص المجلس المنتخب بالتشريع والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.

ويرتب الدستور الكويتي صورا متعددة للرقابة مثل السؤال والاستجواب كما يرتب نتائج احتمالية على إعمال هذه الأدوات مثل التوصيات وطرح الثقة. وتبين المادة 100 من الدستور الأحكام الخاصة بالاستجواب والمادتان 101 و102 تستلزمان وجوده لتحريك المسؤولية السياسية، وإلى جوار الأحكام السابقة تقرر المادة 117 من الدستور الإحالة الى اللائحة الداخلية لمجلس الأمة لتقرير أحكام إضافية في موضوع الاستجواب. وتتضمن اللائحة الداخلية للمجلس عشر مواد (133 إلى 142) تنظم الاستجواب وتضع له ضوابط من المفترض أنها متسقة مع الأهداف المقررة له.

إذا كان الاستجواب هو احدى نتائج الديمقراطية فلماذا هو موجود في إطار النظام البرلماني وليس موجودا في النظام الرئاسي حتى في حال اتحادهما بالأخذ بالديمقراطية النيابية؟ وما ضوابط الاستجواب في الكويت؟ وهل السرية من ضمن هذه الضوابط ؟ ومن يراقب مدى احترام هذه الضوابط؟ وهل هي كافية؟

 ازدواجية السلطة

أولا: الاستجواب والنظام البرلماني: في النظام الرئاسي يمارس الشعب اختصاصه الرقابي على اعمال السلطة التنفيذية من خلال انتخاب رئيس الدولة لانه يرأس الدولة والحكومة في آن واحد، فرئيس الدولة مسؤول أمام الشعب عن ممارسة الحكومة للاختصاص التنفيذي اما المجلس النيابي فهو مكلف بالاختصاص التشريعي، وعلى كل حال فان مبدأ الفصل الجامد بين السلطات في النظام الرئاسي لا يمنع وجود قنوات اتصال تسمح بالتأثير المتبادل بينها. اما في الانظمة البرلمانية فان ازدواجية السلطة التنفيذية وعدم مسؤولية رئيس الدولة ينتج عنها ان رئيس الدولة يمارس اختصاصاته بواسطة وزرائه وان الحكومة مسؤولة أمام البرلمان وهو الذي يراقب اعمالها، والاستجواب من ضمن الادوات المقررة لممارسة الاختصاص الرقابي.

ثانيا: ضوابط الاستجواب: يتضمن الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الامة عددا من الاحكام لضبط الاستجواب هي:

1-العدد: الاستجواب حق لكل عضو من اعضاء مجلس الامة ولا يجوز ان يتقدم به اكثر من ثلاثة اعضاء وذلك كي لا ينبني الاستجواب على تكتيل سابق عليه.

2-المستجوب: لا يوجه الاستجواب الا لوزير واحد او لرئيس مجلس الوزراء ذلك ان الدستور الكويتي لم يأخذ بفكرة المسؤولية التضامنية للوزارة امام البرلمان على النحو المعروف في النظام البرلماني التقليدي واستبدلها بفكرة عدم امكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء.

3-موضوع الاستجواب: واقعة او وقائع محددة تدخل في اختصاص الوزير المستجوب او في اختصاص رئيس مجلس الوزراء.

4-الشكل والمضمون: يقدم الاستجواب كتابة للرئيس وتبين فيه بصفة عامة وبايجاز الموضوعات والوقائع التي يتناولها. ويجب الا يتضمن الاستجواب عبارات غير لائقة او فيها مساس بكرامة الأشخاص او المصلحة العليا للبلاد.

5-التوقيت: لا يجوز مفاجأة المستجوب ولذلك تقرر المادة 135 من اللائحة الداخلية لمجلس الامة وجوب اطلاعه عليه قبل ادراجه على جدول الاعمال ثم سماع اقواله لتحديد موعد المناقشة. ونلاحظ ان التعديلات المتلاحقة في احكام اللائحة جعلت محتوى المادة مختلا في بعض مواضعه.

والأحكام السابقة ملزمة فهي قواعد قانونية ومن المنطقي ترتيب جزاء عدم القبول او البطلان على مخالفتها ولكن تقرير وجود المخالفة وتقرير الجزاء المترتب عليها يقتضي تحديد جهة الاختصاص بتقرير المخالفة و الجزاء.

 دستورية التشريعات

ثالثا: جهة الاختصاص: هناك مبدآن يقودان الى القول ان المختص بفحص مدى سلامة ضوابط الاستجواب وترتيب النتائج هو مجلس الامة:

-مبدأ الفصل بين السلطات: الاستجواب مظهر من مظاهر الاختصاص الرقابي وهو من الاختصاصات المقررة لمجلس الامة ومن الطبيعي ان من ينعقد له الاختصاص ينعقد له تحديد شروط واسلوب ممارسته.

-المسائل الأولية: الاصل ان من يختص بموضوع من المواضيع يختص بالمسائل الأولية المرتبطة به باعتبار انه لن يستطيع ممارسة الاختصاص الاصلي دون حسم الرأي في المسائل الأولية، إذا هذا المبدأ يقوم على اعتبارات عملية، واطلاق هذا المبدأ يحده النص بطبيعة الحال، والقضاء يسير على هذا المبدأ فالاصل ان قاضي الموضوع هو قاضي الدفوع.

ونلاحظ ان المحكمة الدستورية في الكويت لا تفحص مشروعية الاستجواب او دستوريته لان اختصاصها ينصرف الى فحص دستورية التشريعات وينحسر عن القرارات الادارية الفردية والاعمال البرلمانية. اما اختصاصها بتفسير الدستور بشكل مستقل عن المنازعة فإنه لايرتب اثرا مباشرا على الاستجواب لاننا بصدد تفسير ولسنا بصدد حكم قضائي، وإذا كان مضمون التفسير محل احترام من قبل المختص بتطبيق النص فان تقديم طلب التفسير ليس له اثر واقف على الاستجواب.

واللائحة الداخلية لمجلس الامة تقرر بوضوح اختصاص مجلس الامة بفحص بعض الضوابط المقررة لبعض ادوات الرقابة البرلمانية (م 122 بالنسبة للسؤال المكتوب)، كما تقرر اختصاص المجلس بتحديد ميعاد الاستجواب إذا طلب المستجوب تأجيله (م 135) ولكنها لا تقرر صراحة اختصاص المجلس بفحص بقية ضوابط الاستجواب وهذا الاغفال لا يمنعنا من الاعتقاد باختصاص المجلس وذلك للاسباب التالية:

-طبيعة الاستجواب: الاستجواب اداة من ادوات الرقابة البرلمانبة واذا كان تقديمه حقا مقررا لأي عضو من اعضاء البرلمان فإن هذا لايعني جواز تقديمه بالمخالفة للقواعد المقررة له، ولما كان البرلمان مسؤولا عن سلامة تطبيق القواعد القانونية المنظمة لعمله فهو مختص بفحص مدى سلامة الاستجواب من الناحية القانونية.

-القياس: السؤال المكتوب حق مقرر لعضو مجلس الامة وهو من ادوات الرقابة البرلمانية كما الاستجواب ويقرر له الدستور كما لائحة مجلس الامة احكاما وضوابط مقاربة لتلك المقررة للاستجواب، وقد حددت المادة 122 من اللائحة الداخلية لمجلس الامة اسلوبا لفحصه وتقرير قبوله او عدم قبوله وهو حكم يمكن القياس عليه.

-السوابق البرلمانية: عندما تقدم العضو السيد حسين القلاف باستجواب الى وزير العدل بتاريخ 21/11/2001 قرر مجلس الامة بتاريخ 3/12/2001 إحالة الاستجواب الى لجنة الشؤون التشريعية «لدراسته وبحث مدى تطابقه مع الدستور واللائحة الداخلية على ان تقدم اللجنة تقريرها في شأنه الى المجلس في موعد غايته 7 من يناير 2002 م». وقبل تقديم اللجنة تقريرها طلبت رأي بعض اساتذة القانون الدستوري.

وتقريرنا باختصاص مجلس الامة بفحص مدى توافر الضوابط والشروط المقررة لقبول الاستجواب يجب ان يكون مقرونا بالتوضيحات التالية:

-ان مناط اختصاص المجلس هو فحص مشروعية الاستجواب وليس تقرير ملاءمته، فمسألة الملاءمة من اختصاص مقدم الاستجواب وهي محل حكم جمهور الناخبين كما ان تأثيرها سوف ينعكس على قرار اعضاء المجلس بعد انتهاء الاستجواب.

-الاستجواب حق مقرر في الدستور لكل عضو من اعضاء مجلس الامة ولا يجوز ان يكون الهدف من فحصه هو تعويق تقديمه.

-يستفيد الاستجواب من قرينة الصحة فهو صحيح ومنتج لأثره حتى يصدر قرار من المجلس بغير ذلك، ويمكن للوزير او لرئيس مجلس الوزراء ان يلفت نظر المجلس الى وجود اي مخالفات في الاستجواب ويمكن للمجلس اتخاذ قرار في ذلك في جلسة الاستجواب، وقد لفت وزير الاشغال وزير البلدية نظر المجلس الى عبارات وردت في الاستجواب المقدم له في دور الانعقاد القائم مع مخالفتها للائحة فقرر المجلس شطبها من صحيفة الاستجواب.

-عقد الاختصاص لمجلس الامة يعني في نهاية المطاف الاحتكام الى رأي الاغلبية ولكن ذلك يجعل الاغلبية في وضع القاضي فيجب ان يصدر المجلس قراره في جلسة علنية ويجب ان يتضمن التقرير محل التصويت حيثيات قانونية تحمله وتسنده، وقرار المجلس على كل حال هو تحت رقابة الرأي العام كما ان قراره يمثل الحقيقة الرسمية وليس الحقيقة المطلقة.

نلاحظ ان أطرافا متعددة داخل الحكومة وداخل مجلس الأمة تعتبر السرية كأسلوب من أساليب التعامل مع الاستجواب فهل السرية من ضمن الأساليب المقررة للتعامل مع الاستجواب؟

 السرية

رابعا: السرية و الاستجواب: الديمقراطية نظام للحكم قائم على الشفافية، و إذا كانت عملية الحكم والادارة تقتضي ان يتم اعداد القرارات وتمحيصها بمعزل عن الجمهور، فإن من يتخذ القرار يجب ان يوضح سبب قراره وجدواه ويجب ان يثق بالجمهور وقدرته على الفهم ولايجوز له الاعتقاد بأنه يرى ما لا يرون. والدستور واللائحة الداخلية لمجلس الامة يترجمان هذا الفهم، فدراسة المشاريع والاقتراحات تتم عن طريق اللجان بمعزل عن الجمهور اما جلسات مجلس الامة فهي علنية، وهي علنية جادة تحميها لائحة المجلس من اصوات التأييد أو الاستهجان ويملك الرئيس عند الضرورة إخراج الجمهور غير المنضبط مع ابقاء الجلسة علنية عن طريق وسائل الاعلام والبث التلفزيوني لوقائع الجلسة وبذلك يحمي جو العمل في الجلسة من المقاطعة دون ان يجور على حق الجمهور بالاطلاع والمتابعة. نعم الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الامة يجيزان عقد جلسات مجلس الامة بشكل سري وهو استثناء مقرر لحالات الضرورة، وإذا كانت الضرورات تبيح المحظورات فان الضرورة تقدر بقدرها فقط، والضرورة في هذه المسائل تتحقق إذا كانت العلنية تؤدي الى اهدار مصالح تفوق في اهميتها حق الشعب في الاطلاع والحكم، والطبيعة الاستثنائية للسرية تقود إلى الأخذ بها في أضيق نطاق ممكن فلو كان في الموضوع جزءا ينطبق عليه وصف السرية و آخر لا ينطبق عليه هذا الوصف فلا يجوز بحث الموضوع كله في جلسة سرية. والتعامل مع السرية كأسلوب لمواجهة الاستجواب يهدر بالتأكيد مفهوم السرية ويصرفه عن سبب وجوده. والاستجواب الاخير وقد كان عن التلوث البيئي مثال جيد للممارسة الخاطئة فموضوع الاستجواب لا يمكن وصفه بالسرية وهو يستند على معطيات منشورة، كما ان الحكومة قد اعلنت عزمها على تقديمها لبياناتها وردودها على موضوع الاستجواب علنا وهو ما يؤكد عدم وجود السرية، ولكنها تعتبر السرية ردا سياسيا على كثرة اللجوء الى الاستجواب من قبل بعض أعضاء مجلس الامة وفق تعبير وزير الدولة لشؤون مجلس الامة الذي اشار الى استخدام الحكومة للاغلبية التي تمتلكها في المجلس. واللجوء للسرية كمجرد اسلوب لمواجهة الاستجواب قد يبدو امرا مغريا للحكومة وهو ممكن متى ما جمعت الحكومة اصواتها الى اصوات عدد من النواب كي تصل الى الاغلبية المطلوبة لاتخاذ القرار وهي اغلبية عادية بالرغم من خطورة تقرير السرية، ولكن هذا القرار يسيء للحكومة لانه يظهرها بمظهر العاجز عن الرد والتوضيح وهي تسحب من رصيدها السياسي دون عائد يساوي هذا السحب.

 أوراق مكشوفة

وبعد عرض الاحكام الخاصة بالاستجواب نستطيع ان نقرر انها تحقق مصلحتين في آن واحد: فهي تقدم للمجلس اداة مهمة للرقابة على اعمال السلطة التنفيذية وبدون هذه الرقابة تفقد الديمقراطية نصف نتائجها المقررة لان سيادة الامة تعني اختصاصها او نوابها بالتشريع والرقابة على اعمال السلطة التنفيذية، ومن جانب اخر فإن التنظيم الذي اخذ به الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الامة وفر للوزارة حماية من المفاجأة كما وفر لها وضعا تفضيليا عند مناقشة الاستجواب فعضو مجلس الامة يتقدم للاستجواب بأوراق مكشوفة وهو لا يعلم برد المستجوب الا عند مناقشة الاستجواب، وفي كل الاحوال فان الكلمة الاخيرة في الاستجواب تبقى للوزير او رئيس مجلس الوزراء كما تقرر المادة 136 من اللائحة. ولعل المكانة الخاصة التي يوضع فيها الاستجواب ناتجة عن أمرين هما: عدم وجود ادوات اخرى للحوار المباشر بين العضو والوزير الى جوار الاستجواب، او بالأحرى عدم تفعيل هذه الادوات بالرغم من تقرير اللائحة لها ونعني السؤال الشفهي الذي تقرره المادة 128 من اللائحة فتفعيل هذه الاداة يوفر للأعضاء فرصة المحاسبة الميسرة وهو ما يغنيهم في بعض الأحيان عن اللجوء الى الاستجواب كما يجعل الوزراء اكثر اعتيادا على الحوار العلني المباشر دون الخشية من هاجس احتمالية طرح الثقة، والامر الاخر هو ضعف ثقافة المواجهة الشفهية العقلانية والاعتقاد بأن الرد والتوضيح مبارزة لفظية او مسابقة في الخطابة والبيان. وعلى كل حال فان وصف الاستجواب بانه تأزيم او تصعيد ناتج عن مشاعر المتلقي للاستجواب وأفضل مواجهة للاستجواب، الجيد او السيئ، هي الرد عليه لانه لا يعدو ان يكون طلبا لجواب.

back to top