بعد توثيقها تلفزيونيّاً السيرة الهلاليّة... إلى أين؟

نشر في 11-09-2009 | 00:00
آخر تحديث 11-09-2009 | 00:00
No Image Caption
«السيرة الهلالية» التي جمعها الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، تُعرض راهناً صوتاً وصورة على التلفزيون المصري وعدد من القنوات الفضائية عبر برنامج «السيرة الهلالية»، ويقدّم الحلقات الأبنودي أيضاً بمصاحبة ربابة الريس سيد الضوي.

سيرة بني هلال إحدى أكثر السير الشعبية العربية رسوخاً في الذاكرة الجمعية، وتتميز عن غيرها باتساع أحداثها لتشمل العالم العربي، فتبدأ في نجد والحجاز وتمر بمصر وتنتهي في المغرب العربي.

أصلها

سكنت قبيلة بني هلال نجد والحجاز مع حلفائها من قبائل سليم ورباح في منتصف القرن الخامس الهجري، وعاثوا فساداً في تلك المنطقة خصوصاً بعد تحالفهم مع القرامطة مصدر رعب العالم الإسلامي آنذاك، وتغلّب الفاطميون، حكام مصر آنذاك، عليهم بعد عدائهم لهم فنقلوهم إلى صعيد مصر، ثم أرادوا التخلص منهم نهائياً ومن أعدائهم في المغرب بني زيري.

كان الزحف تم بتدبير اليازوري وزير الخليفة الفاطمي في مصر، عندما انحاز المعز بن باديس الزيري حاكم إفريقيا التابع للفاطميين عام 435 هـ الى شعبه الذي ثار ضد أصحاب المذهب الشيعي الإسماعيلية، وفعلاً أمام الثورة الشعبية نادى المعز باتباع مذهب الإمام مالك وخطب في المساجد للخليفة العباسي القائم بأمر الله، واعترف له الأخير باستقلال المغرب تحت إمرته.

لا تذكر السيرة شيئاً عن الشيعي والسني، والخليفة الفاطمي والعباسي، بل تقدم مبرراً أخلاقياً لهذا الغزو، وإن نوهت ولو بشكل متوار على ما حدث.

في السيرة أن «زناتة» أو الزناتي خليفة (شخصية مغربية حقيقية باسم خليفة الزناتي) وحلفاءه طمعوا بأرض يحكمها الأمير عزيز الدين بن الملك جبر القريشي، فاستولوا عليها بالخداع، فاستعان الشريف القريشي بأبناء عمومته من قبائل نجد، ليردوا الحق المسلوب إلى أصحابه الأشراف.

أجزاء

تنقسم السيرة الهلالية إلى خمسة أجزاء، الأول بعنوان «خضرة الشريفة» ويتناول مأساة رزق بن نايل بن جرامون بن عامر بن هلال قائد الهلالية وفارسهم وأميرهم، الذي تُعجب خضرة بخلقه وشهامته وفروسيته على رغم أن فارق العمر بينهما 45 عاماً، ثم يتزوجان وينجبان أبا زيد، لكن رزق ينكر نسب ابنه ويتهم أمه خضرة بالزنا ويطردها من مضارب القبيلة وابنها لم يتجاوز السبعة أيام بعد.

أما في الجزء الثاني «أبو زيد في أرض العلامات» فتتم خضرة خمس سنوات في منازل «الزحلان» في كنف الملك فاضل بن بيسم، ويسرد هذا الجزء ما حدث لأبي زيد من علو المجد، وكيف استطاع انتزاع اعتراف بني هلال بشرف أمه وحكمه عليهم بعودتها مكرمة إلى وطنها.

وفي «مقتل السلطان سرحان» وهو الجزء الثالث يتخفى أبو زيد في ملابس شاعر ربابة ويدخل قصر حنظل بعد تعرف نساء بني هلال الى حقيقته، ثم تكتشف عجاجة ابنة السلطان حنظل حقيقة فارس هلال فتبلغ أباها الذي يعتقل غريم بني عقيل، ليقيد بالسلاسل ويُلقى به في السجن انتظارًا لشنقه.

أما الجزء الرابع «فرس جابر العقيلي» فيحكي كيف خاض أبو زيد الأهوال ليعود بالفرس التي حكت عنها الأجيال. ويسرد الكتاب الخامس «أبو زيد وعالية العقيلية» كيف أسرت عالية أبا زيد بجمالها وكيف سعى إلى الاقتران بها، وفي ليلة وداع البطل أولمت الولائم ووجهت الدعوة إلى حراس فرس والدها الملك جابر العقيلي، وضعت في الطعام مخدرًا قويًا لينام الحراس كي يتمكن أبو زيد من امتطاء الفرس والانطلاق إلى خارج المدينة.

وتتوالى مغامراته ويخوض تغريبة طويلة مع بني هلال عندما يرحلون غرباً بحثاً عن المرعى، بعد ثماني سنوات من الجفاف، لتتوالى فصول سيرته فيرحل إلى تونس ومعه أبناء الأمير حسن مرعي ويحيى ويونس، وتتفرع القصص من مقتل مرعي وحب يونس لعزيزة، والصدام بين أبي زيد وحاكم تونس الزناتي خليفة، وتقوم الحرب بين بني هلال وحلفائهم قبائل الزغابة من جهة، وبين بني قابس بزعامة خليفة الزناتي وأشجع فرسانه المسمى بالعلام من جهة أخرى، بعد أن رفض الزناتي حصول بني هلال على المرعى في أراضيه، لينال جزاءه مقتولاً على يد دياب بن غانم كما تنبأت سعدي الزناتي.

يتمحور موضوع السيرة الهلالية حول تجربة الحلف الهلالي الحياتية، والحلف مؤلف من قبائل هلال وسليم ورباح المقاتلة والمدافعة عن قيم الأمة وشرفها. وكعادة الملاحم، تستنهض الأمم بذكر أمجادها العسكرية، وبطولات القادة الذين أنجبتهم أرضها في السلم والحرب. وتعيد السيرة الشعبية تاريخ الأمة وتفسره بطريقة فنية بحسب معتقدات البسطاء.

رواة

أشهر رواة السيرة جابر أبو حسين المتوفي سنة 1981، وسيد الضوي رفيق درب الأبنودي في رواية السيرة على أنغام ربابته.

والأبنودي أحد أشهر من اعتنى بالسيرة الهلالية في مصر، ويجمع راهناً تراثها خطيّاً للمرة الأولى بعد أن جمعها من أفواه ملقيها في صعيد مصر. ويحرص على لقاء جمهوره سنوياً منذ ثماني سنوات ليروي لهم السيرة الهلالية، ليس لأنها وسيلة لتزجية الوقت أو لأنها مجموعة من الحكايات المسلية، بل لأنها سيرة أبطال عظماء صنعتهم الأمة من مخيلتها كما تتمناها على أرض الواقع، ليقيموا بينهم قيم العدل والشجاعة والنبل التي افتقدتها الأمة جيلاً تلو آخر.

أشار الأبنودي في أكثر من مناسبة الى الصعوبة التي واجهها في جمع السيرة الهلالية من البلدان العربية، لا سيما أنها تروى بلهجات متعددة وطرق مختلفة حتى في مصر، مشيراً إلى أن أهل الصعيد يروونها بطريقة مختلفة عن أهل الدلتا.

كذلك أوضح الأبنودي أن جوهر الصراع في شخصية «أبو زيد الهلالي»، يشبه إلى حد كبير الصراع في سيرة عنترة بن شداد، فكلاهما كان يعاني من لون بشرته، وقضيتهما واحدة وتتمثل في النسب.

أكد الأبنودي توقفه عن إصدار الجزئين الرابع والخامس من سيرة الهلالية إلى حين وضوح الرؤية حول ما يستجد في «المشروع الذي نادى به أكاديميون مصريون لجمع السيرة بعيداً عن مجهود الأفراد، أي مجهودي، الذي لا يغني عن العمل الأكاديمي المنظم على حد قولهم»، موضحاً أن «كل رواة السيرة ماتوا ولم يبق منهم أحد على قيد الحياة باستثناء الضوي، فمن أين ستظهر مادة جديدة للهلالية؟ فكل ما سيقومون به الاعتماد على مجهودي على مدار 30 عاماً، لذلك سأتوقف عن إصدار بقية السيرة حتى تظهر مكونات هذا العمل وتتم المقارنة، وأرى كيف سأكتب بقية السيرة».

بعد توقف الأبنودي نسأل ما هو مصير تدوين السيرة الهلالية؟

back to top