وجهة نظر: رياضة الادخار

نشر في 14-01-2010 | 00:01
آخر تحديث 14-01-2010 | 00:01
يُعد الادخار حجر الأساس للأفراد عند قيامهم بإدارة أموالهم الشخصية، ولا مَناص لمن أراد الوصول إلى الثراء من أن يُحسِن مهارة الادخار بل ويُبدع فيها، لكن هذا الأمر قد يشق على الكثيرين لأسباب عدة سنأتي على ذكرها في مناسبات أخرى.

قد لا يَعرق المدخرون ولا تزداد نبضات قلوبهم مع زيادة وتيرة التمارين الرياضية التي يقوم بها إخوانهم من الرياضيين بصور دورية، لكنهم يشتركون معهم في أنهم مثابرون وملتزمون بجداول للصرف وموازنات وخطط ومواعيد تؤهلهم ليكونوا رياضيين (مالياً)، كما أنهم يشتركون مع أصحاب البِنى الجسمانية القوية في أنهم لا يأبهون بالآخرين الذين يركنون للراحة، ويفضلون قضاء الساعات الطوال في الأعمال غير المفيدة وغير المُنتجة.

إن الدماء الساخنة التي تجري في عروق الرياضيين لا تقل سخونة عن تلك التي تجري في قلوب وعقول المُدخرين، والعضلات المفتولة والأجسام المتناسقة لممارسي الرياضة المنتظمين لا تختلف عن الجداول المنظمة والأهداف الواضحة والخطط المحكمة لعباقرة الادخار، فكلا النشاطين (الرياضة والادخار) يعتبران من الأنشطة التي تتطلب صبرا ومثابرة وتركا لملذات الحياة الآنية في سبيل النتائج بعيدة الأمد سواء للصحة الجسمانية أو للصحة المالية للأفراد.

على الرغم من أن فكرة هذا المقال تَنصب في أوجه المقارنة بين الرياضة والادخار، فإن الهدف الأساسي هنا هو التركيز على دور الادخار في حياة الأفراد، وعلى حثك عزيزي القارئ على انتهاج منهج ادخاري سليم من شأنه المساهمة بصورة كبيرة في وصولك إلى الحرية المالية التي ينشدها الجميع.

لنتابع معاً بعض أوجه الشبه بين الرياضة والادخار:

الإرادة القوية

لا يختلف اثنان على أن أهم ميزة يتميز بها الرياضيون هي الإرادة القوية، التي من دونها يغدو الاستمرار في ممارسة الرياضة أمرا غاية في الصعوبة، كذلك الحال مع مهارة الادخار، فمن أراد السير في طريق الادخار فإنه مطالب قبل كل شيء بامتلاك إرادة حديدية يعجز عنها الكثير من الناس، هذه الإرادة في الغالب ما تكون وليدة الرغبة الشديدة في الثراء أو على الأقل تنظيم الأمور المالية الشخصية، لذا من الضروري أن يسعى الإنسان إلى خلق رغبة شديدة في الثراء لكي يتمكن من الصبر على السير عكس التيار الذي يسير عليه بقية الأفراد في المجتمع، خصوصا في المجتمعات الاستهلاكية.  

الانتظام

ميزة ثانية يمتلكها أصحاب البنى الجسمانية الرائعة هي القدرة على الانتظام في التمارين الرياضية فترات طويلة دون كلل أو ملل، ومن دون شك فإن الادخار لن تقوم به قائمة في حياة الشخص حتى يتمكن من هذه الميزة العظيمة، وللانتظام فوائد كثيرة على حياة الأفراد بشكل عام، فمن يلتزم بنظام معين للرياضة البدنية، أو من ينتظم بنظام ادخاري صارم، فإنه لا شك سوف يحسن إدارة أموره الحياتية بجميع أشكالها، والسبب في ذلك يكمن في اعتياده على الحياة النظامية والمرتبة بصورة تفوق تلك المتبعة من قبل الكثيرين في المجتمع. هذا الانتظام هو السبيل لتميز هذا الشخص عن غيره، وهو أحد أهم الخطوات الواجب اتباعها في سبيل السير في درب إدارة الأموال الشخصية.   

القليل الدائم

يؤمن كل من الرياضيين والمدخرين بأن القليل الدائم هو السبيل إلى مواصلة العطاء في الرياضة والادخار على حد سواء، ففي الوقت الذي تجد فيه الشخص الرياضي يمارس أنماط رياضته المفضلة بصورة دائمة وغير مبالغ فيها (ركض، سباحة، مشي) فإن المدخر يفعل الشيء ذاته من خلال الاقتصار على نسب بسيطة من الادخار ولكنها دائمة وغير متقطعة.

النظرة بعيدة الأمد

لا يستعجل كل من الرياضيين والمدخرين نتائج أعمالهم، فهم على قناعة بأن تحسين أجسامهم وأوضاعهم المالية أمر يتطلب وقتا وصبرا، وهذا الأمر يعمل (بالإضافة إلى أمور أخرى) على تنمية شخصياتهم بصورة غير مباشرة، فتجدهم مميزين في مجالات حياتهم الأخرى، كالعمل أو الدراسة أو العلاقات الاجتماعية. والسبب في ذلك يعود غالبا إلى اعتيادهم على الانتظام والديمومة في جميع الأعمال التي يقومون بها.

التفرد عن أغلبية الناس

خلال فترة دراستي لاختبار شهادة المحاسب القانوني المعتمد (CPA) في الولايات المتحدة الأميركية، وخلال إحدى المحاضرات، وقفت طالبة ألمانية في منتصف القاعة وقالت للمحاضر بصوت مرتفع: "توقف أرجوك!"، استغرب المحاضر ونظر إلى هذه الطالبة باندهاش (كما فعل جميع الطلبة). شرعت الطالبة بشرح السبب وراء تصرفها بأنها لا تتصور كيف يمكن للعقل البشري استيعاب هذا الكم الهائل من المعلومات والتمكن من اجتياز هذا الاختبار، بعد أن استوعب المحاضر الموقف، أخذ نفسا عميقا وألقى على الجميع نظرة فاحصة لبيان مدى تأثرهم بالموقف، ثم قال: "أعلم جيدا أن اجتياز اختبار من هذا النوع يعتبر أمرا غير يسير، ودراسته تصنف من ضمن أصعب أنواع الدراسة وأشقها، لكن هذا الأمر هو الذي يميز أصحاب هذه الشهادة، ولو تمكن بقية الناس من الحصول على هذه الشهادة لما تميز أصحابها عن غيرهم، ففي سبيل التفرد عن الآخرين في أي مجال، يجب عليك أن تدرك جيدا أن هذا التفرد والتميز يتطلب جهودا إضافية يعزف عنها أغلب الناس ولا يصبرون عليها، وهو نفس الأمر الذي يتطلبه أي نشاط رياضي تقوم به.

خلاصة القول، تمرن جيداً وادخر جيداً لتنعم بحياة غنية صحياً ومالياً.

* كاتب متخصص في مجال إدارة الأموال الشخصية

back to top