Green Zone... حرب العراق بأسلوب Bourne

نشر في 25-03-2010 | 00:01
آخر تحديث 25-03-2010 | 00:01
صنع غرينغراس فيلمه الجديد بفاتورة أقل ثمناً بعض الشيء إنما أكثر استفزازيةً. قد يقول الجميع إن الأفلام العالية التكلفة عن الصراع في الشرق الأوسط فاشلة، لكن لا بد في النهاية من أن يحقق أحدها نجاحاً.    

أثبت فيلم Hurt Locker الذي بلغت تكلفته 11 مليون دولار، أن فيلماً منخفض الميزانية عن الحرب وذا توزيع محدود قد يلقى انتقادات إيجابية واسعة ويحقّق إيرادات متواضعة. لكن المخرج لم يقتصد إلى هذا الحد في فيلم Green Zone.  بفضل ميزانية قيمتها 100 مليون دولار، وأداء مات دايمون دور البطولة، وحملة إطلاق واسعة في أنحاء الولايات المتحدة الأفريقية، يُعتبر هذا الفيلم أضخم رهان في هوليوود إلى الآن على الصراع الحديث، مزيج طموح من الدراما السياسية والتسلية.

قال غرينغراس في أحد الحمامات الضخمة المنتشرة بكثرة في القصر خلال تصوير الفيلم منذ نحو سنتين: {أرفض ما يُشاع عن أن السينما لا تستطيع التطرّق إلى موضوع العراق وجذب الجمهور إليه}. أثناء حديثه، كان الفريق الفني في الفيلم يجري تعديلات في القصر الذي شكّل بديلاً عن أحد القصور داخل المنطقة الخضراء التي يسيطر عليها الجيش الأميركي في بغداد.  

فإن تواجد مخرج يستطيع تغيير تاريخ هوليوود حول هذا الموضوع، فهو غرينغراس. من ضمن الأفلام التجارية التي لم تحقّق النجاح المتوقّع Stop Loss، Rendition، Body of Lies، والحائز جائزة أوسكار The Hurt Locker الذي حقق إيرادات بقيمة 12.7 مليون دولار فقط على رغم الجوائز التي نالها.

حوّل مخرج الأفلام الوثائقية سابقاً هذا مسيرة حقوق الإنسان الدموية في العام 1972 في أيرلندا إلى فيلم قوي بعنوان Blood Sunday. وفي الفترة الفاصلة بين فيلميه المشوّقين الناجحين The Bourne Supremacy و The Bourne Ultimatum من تمثيل دايمون والمقتبسين عن روايتي روبرت لادلام، تمكّن هذا المخرج البريطاني من إنتاج فيلم درامي لافت وناجح على نحو مفاجئ عن حدث قلّة من المخرجين تجرأت على التطرّق إليه: هجمات الحادي عشر من سبتمبر في فيلمه United 93.

مشاهد طويلة

لا يتّبع غرينغراس مسار عملية الإخراج الاعتيادي والمتسلسل، أي كتابة سيناريو، تصويره، ومن ثم جمع اللقطات، كونه فناناً عفوياً يرتجل في موقع التصوير ويصوّر مشاهد طويلة، مفضّلاً في المقابل اكتشاف القصة عبر المسار الإخراجي. لا تتغير أطر أفلامه كثيراً من البداية إلى النهاية لكن تطرأ عوائق لا تُحصى بالتزامن. فقد أخرج على عجل فيلم Green Zone الذي صُوّر في إنكلترا، إسبانيا، والمغرب، في مطلع العام 2008 (لإنجازه قبل إضراب هدّد به الممثلون) قبل الانتهاء من كتابة نصّه (بسبب إضراب قام به فعلياً كتّاب السيناريو)، الأمر الذي فاقم عواقب طريقته.

بينما يرى مخرجون كثر في عمليات إعادة التصوير الشاملة اعترافاً بالفشل، يعتبرها غرينغراس ضرورية كالأعراف. في هذا الإطار، يشرح كاتب سيناريو Green Zone، براين هيلغيلاند، أسلوب المخرج: {قد تكون على وشك الانتهاء من إعداد وجبة عشاء مؤلّفة من يخنة بلحم البقر، من ثم يدخل عبر الباب حاملاً بيديه دجاجة ويقول، {ربما لا يجدر بنا تناول يخنة بلحم البقر الليلة}. صحيح أنه يعد الخطط لكنه يعتزم أيضاً عدم الالتزام بها}.  

من جهته، يشير دايمون، الذي سُمح له بارتجال أدائه في مشاهد حركة لمدة 30 دقيقة: {تستجيب كاميراته دوماً للأحداث، ولا تترقّب البتّة ما سيجري. باعتباري ممثلاً، أجد هذه التجربة مثيرة بلا شك}.

لكن المواضيع التي قد تثير حماسة الممثلين وتحرّر طاقة كتّاب السيناريو هي بالضبط التي توجّه اهتمام مديري استوديوهات الإنتاج نحو أفلام الحركة والتشويق. على رغم ذكر استوديو Universal Pictures، الذي أرجأ إطلاق الفيلم من موعده المحدد في الخريف خلال موسم الجوائز إلى الربيع، أنه متلهّف للتعاون مجدداً مع المخرج، أوضح الاستوديو وغرينغراس كلاهما أن إنتاج Green Zone لم يكن سهلاً البتّة. يقول غرينغراس: {علي القول إن الطريق كانت طويلة ووعرة}.

قرارات مدمّرة

حين قرّر غرينغراس منذ ستة أعوام إخراج فيلم عن الغزو الأميركي، لم يكن واثقاً من الموضوع الذي كان يودّ استكشافه بالضبط. فأخرج بشكل عبثي فيلماً عن التسليم الاستثنائي المتمثّل في الاعتقال، الاستجواب وأحياناً تعذيب المشتبه بارتكابهم أعمالاً إرهابية، قبل أن يركّز على البحث عن أسلحة الدمار الشامل. يقول هيلغيلاند عن هذه الأسلحة: {كانت موضوعاً جوهرياً في السبب الذي دفعنا إلى خوض الحرب وكيفية الدفاع عنها}.  

أوجد غرينغراس وهيلغيلاند شخصية مقتبسة بحرية عن الضابط ريتشارد لامونت غونزاليس (من تمثيل دايمون في الفيلم)، الذي أشرف في العراق على الفريق الموكل إيجاد أسلحة الدمار الشامل. شكّل السعي وراء هذه الأسلحة الوهمية أساس Green Zone السردي، لكن موضوع هذا الأخير لم يتشكّل إلا حين قرأ غرينغراس المثقّف وكثير الكلام كتاب Imperial Life in the Emerald City: Inside Iraq's Green Zone لراجيف شاندراسيكاران.   

يركّز الكتاب على القرارات المدمّرة التي اتّخذها بول بريمر وسلطة الائتلاف الموقتّة التي كان يرأسها بعد محاولة الولايات المتحدة إحلالها النظام في العراق وفشلها في ذلك. فاكتشف غرينغراس أن الكتاب يسلّط الضوء على التصادم الفوضوي بعد الحرب بين المثالية والواقعية، أحد مركّبات الفيلم الأساسية.

روي ميلر، الذي يؤدّي دوره دايمون، ضابط مثالي في الجيش الأميركي تنتابه الحيرة لعدم إيجاده أبداً أسلحة الدمار الشامل، إذ تشير التقارير الاستخباراتية إلى أن تلك الأسلحة يُفترض أن تكون. وعبر التعاون مع أحد المدنيين المحليين المعارضين (خالد عبد الله الذي شارك في فيلم United 93)، سرعان ما يجد نفسه منجذباً إلى عراك سياسي بين المسؤول الحكومي الذي ينتمي إلى المحافظين الجدد (غريغ كينيار) وأحد العملاء الاستخباراتيين (بريندان غليسون). وخلال بحث ميلر عن أجوبة بدل أسلحة الدمار الشامل، يلتقي بصحافية (آيمي ريان) تشبه إلى حد كبير جوديث ميلر، مراسلة صحيفة نيويورك تايمز التي ثبت عدم صحّة مقالاتها بشأن أسلحة الدمار الشامل في العراق.    

عِبَر وعقائد

 

تعمّد غرينغراس، هيلغيلاند، دايمون، وشركة Universal ألا يكون الفيلم لحظة لتقديم العبر تنطوي على أجندة عقائدية. على حدّ قول دايمون، كان الهدف توجيه الفيلم الى هواة أفلام Bourne، ومعرفة كم من ذلك الجمهور سيأتي لمشاهدة فيلم بالجمالية والحركة عينهما، إنما بقصة تدور أحداثها في العالم الحقيقي.    

بنتيجة الأمر، ركّز صانعو الفيلم على المكيدة المحفّزة بالحركة والتشويق بدلاً من العرض المثقل بالحوارات. حتّى أن اللافتة في موقع التصوير حملت اسم Green Zone Thriller بدلاً من Green Zone. وبما أن دايمون كان مضطراً إلى المغادرة لتصوير فيلم The Informant في وقت أبكر مما كان غرينغراس يأمل، اضطر هذا الأخير إلى إعادة تصوير الفصل الثالث من الفيلم بعد أشهر، ما كلّفه ملايين الدولارات.     

يعقّب دايمون بخصوص نهاية الفيلم الأولية: {لم نشعر أبداً بأن الفصل الثالث يتناسب والفيلم. كانت نهايته ضعيفة}. ويضيف هيلغيلاند: {لم نستطع الاتّفاق على من يعيش ومن يموت ومن يجب أن يقتل من}. لكن نهاية الفيلم الجديدة تبدو شبيهة إلى حدّ كبير بخاتمة أحد أجزاء سلسلة Bourne: حركة مفعمة بالطاقة، مروحيات، إطلاق نار، تفجيرات.

في هذا السياق، تشير دونا لانغلي، رئيسة شركة Universal: {كان هدف هذا الفيلم المُعلن دوماً صناعة فيلم شامل لديه جاذبية تجارية وينطوي على التشويق الخاص بالمؤامرات التي تعطي الدفع وتثير الظن}.

بالعودة إلى قصر Updown Court، قال غرينغراس إن ذلك كان هدفه أيضاً، مناقشاً احتمالات نجاح موضوع الفيلم. يقول: {هل سينجح؟ من يدري؟ أنا متفائل بطبيعتي... لا أحد بمعزل عن الضغوط. لكن في النهاية، إن حبكت قصةً مقنعة محورها شخصية أساسية محددة بوضوح وبحثت في أكبر المخاطر المحتملة، عندئذ لديك فرصة للنجاح}.

back to top