كي لا يتملكنا الخوف والغضب

نشر في 14-01-2010
آخر تحديث 14-01-2010 | 00:00
 ضاري الجطيلي من أبسط دروس الحياة عدم اتخاذ القرار عندما تكون النفس مشحونة بالعواطف كالغضب والانفعال والحزن والخوف أو حتى الفرح، بل يجب الانتظار حتى تهدأ النفس لتستوعب الظروف وتدرس الخيارات المتاحة وتستشرف تبعات القرار في المستقبل، وذلك مهم في أبسط القرارات الشخصية في حياتنا اليومية، فما بالك لو كان القرار على مستوى الدولة، وترتبط ظروفه وتبعاته بكيان الدولة وطبيعة مجتمعها ومليون مواطن وأجيالهم القادمة؟

إن الغرض المعلن من التعديلات الحكومية المقترحة على قانوني المطبوعات والمرئي والمسموع المنشورة في «القبس» يوم الاثنين الماضي هو «حماية الوحدة الوطنية» بما تحمله العبارة من مطاطية وضبابية، إلا أن الظروف تختلف باختلاف من يتعامل معها، فالناس ما بين خائف وغاضب نتيجة ما يطرحه محمد الجويهل ونظراؤه على قناتي «السور» و«سكوب» والشحن الشعبي من رد الفعل المبالغ فيه، والنواب غاضبون من واقع الحريات الإعلامية الجديد الذي جعلهم عرضة للنقد والتجريح، أما الحكومة فقد وجدت أخيراً المناسبة والظروف المواتية للدفع بأجندتها الأزلية لتقييد الإعلام والتحكم بالمعلومات التي تصل إلى الناس، لذلك فإن التعديلات تأتي في أجواء مشحونة عاطفياً، ما يستلزم تأجيل النظر فيها حتى تهدأ النفوس.

إن هذه الأجواء تشابه تلك التي أقر بها قانون «PATRIOT Act» في الولايات المتحدة الأميركية بعد شهر ونصف من هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، وأقر بشبه إجماع وبسرعة قياسية، حيث فصلت ثلاثة أيام فقط بين بداية طرحه في الكونغرس وتصديق الرئيس عليه، وبعد سنوات من سوء استغلال القانون وانتهاك حريات الناس وخصوصياتهم عبر عدد من أعضاء الكونغرس عن ندمهم لأنهم وافقوا عليه في أجواء الغضب والخوف، وهي الأجواء ذاتها التي وجد فيها الأميركيون تبرير احتجاز الأفراد في سجن غوانتنامو. وفي الحالتين نرى مقدار العار الذي جلبه القانون والسجن لصورة أميركا في العالم كمنبر للحريات وسيادة القانون، وأصبحا أهم الأدوات التي تستخدم لتجنيد الإرهابيين وإذكاء العداء تجاه الغرب، أي أنهما جاءا بنتائج سلبية تعاكس الغرض منهما.

المشكلة في قوانين مفصلية كهذه أنها أحادية الاتجاه ولا عودة عنها، فكما يجد أعضاء الكونغرس صعوبة في نقض قانون «PATRIOT Act» لأنهم سيوصمون من خصومهم بأنهم «مع الإرهاب،» وكما يجد الرئيس أوباما صعوبة في الوفاء بوعده بإغلاق سجن غوانتنامو قبل مرور عام على رئاسته في 20 يناير نظراً للتعقيدات القانونية التي ترتبت عليه، سيكون من الصعب التراجع عن التعديلات الحكومية إذا أقرت، ولنستذكر أن الحريات التي أتاحها قانون المطبوعات أتت بعد ثلاثين عاماً من المحاولات، والأرجح على المدى البعيد أن القانون سيطبق بتعسف وانتقائية فيما يخدم التوجهات السياسية للحكومة، والخاسر الأكبر هو المواطن الذي سيتم التأثير في نوعية المعلومة التي تصل إليه والجرأة في طرحها، ناهيك عما يحمله القانون من ترهيب لوسائل الإعلام والإعلاميين بالإفلاس والسجن، فلا كبيرة لتلك التعديلات وإقرارها بانتهازية بعواطف الخوف والغضب.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top