Beware of Small States وGhosts of Martyrs Square... لبنان بمختلف تعقيداته

نشر في 09-07-2010 | 00:00
آخر تحديث 09-07-2010 | 00:00
صدر أخيراً كتابBeware of Small States: Lebanon, Battleground of the Middle East لديفيد هيرست عن دار Nation، ويقع في 480 صفحة. وكتابThe Ghosts of Martyrs Square: An Eyewitness Account of Lebanon’s Life Struggle لمايكل يونغ عن دار Simon and Schuster، ويقع في 296 صفحة.

يُعتبر لبنان، ذلك البلد الصغير الذي تكثر فيه الانقسامات وحوله الخلافات، دولة جذابة ومخيفة في آن. فلا يسعك إلا أن تؤخذ بطبيعته الخلابة وروح شعبه الحرة وبوفرة غناه، التي تقف في تناقض بارز مع المنطقة المحيطة به بأرضها القاحلة وسياساتها الجامدة. لكن الخطر يكمن في ميله إلى الانفجار.

يجعل هذا كلّه من لبنان موضوعاً مشوّقاً وإنما محفوفاً بالمخاطر في رأي محللي أحداثه. فلا تكف قطع أحجيته الطائفية الملونة وتدخلات جيرانه عن التبدل ورسم صور جديدة. لذلك، قد ينقل الكاتب لحظة أو وجهة نظر ما، ليكتشف أنها تغيرت بالكامل عندما ينزل كتابه إلى الأسواق.

مثلاُ، يشهد لبنان راهناً ازدهاراً سياحياً وعمرانياً، بعد أن حلت عليه فجأة فترة من الهدوء سبقتها سنوات من الاضطرابات، بدأت عام 2005 مع انفجار سيارة أودى بحياة رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري (رجل أعمال ثري تبوأ منصب رئيس الوزراء خمس مرات) وأشعل ثورة أنهت حقبة طويلة ومقلقة من الهيمنة السورية. واستمرت المشاكل مع حرب عام 2006 ضد إسرائيل. ثم اشتعلت مجدداً مع تنافس مخيف بين الطوائف، التي يجمع بينها توازن دقيق وتحركها قوى أجنبية ذات طموحات إقليمية. ولم تخبُ نار هذا التنافس إلا السنة الماضية عقب الانتخابات النيابية.

لا شك في أن ديفيد هيرست ومايكل يونغ من أفضل الكتّاب المؤهلين لوصف التعقيدات اللبنانية. فيعكس كتاباهما المناخ السوداوي الذي زال عن لبنان اليوم، لكن قد يحلّ عليه مجدداً في المستقبل القريب. يبدأ هيرست، أحد كبار المراسلين الأجانب في بيروت والذي أقام فيها طوال خمسة عقود، روايته مع تشكّل دولة لبنان في أعقاب الحرب العالمية الأولى. فقد قدّمه الفرنسيون هدية للمسيحيين الموارنة على ساحل الهلال الخصيب، لأنهم طالما اعتبروا باريس والفاتيكان منقذَيهم. أما يونغ، معلّق وخبير متخصص في الشؤون اللبنانية، فيستهل كتابه بالحديث عن ولادة لبنان الثانية بعدما عاناه هذا البلد من حرب أهلية مخيفة بين عامي 1975 و1990. ففي تلك الحرب، خسر أولئك المسيحيون أكثريتهم العددية الواضحة وناضلوا للحفاظ على هيمنتهم، لكنهم أخفقوا.

يتمتع كلا الكاتبين ببراعة بارزة في السرد ومقدرة هائلة على استذكار أقوال كبار السياسيين. مثلاُ، يتذكر هيرست تعليق قائد منظمة التحرير الفلسطينية، الذي أوضح أن الفلسطينيين احتفظوا بسلاحهم منذ عام 1969 حتى الغزو الإسرائيلي الكاسح عام 1982، ما ساهم في اندلاع الحرب الأهلية. فقال إن لبنان كان بكل بساطة {حديقة لا سياج لها}. أما يونغ، فيرسم صوراً بليغة، مثل وصفه الزعيم الدرزي المثقل بالهموم وليد جنبلاط: {ترزح جفونه تحت ثقل الخيارات المستحيلة}. كذلك يقدّم وصفاً معبراً لميشال عون، جنرال مسيحي هرب في أواخر الحرب الأهلية ليعود بعد 15 سنة ويقود تياراً يتحالف مع حزب الله الشيعي. يكتب يونغ: {يتملك هذا الرجل عدمُ رضا ملتهب، نقمة شخص يشعر أن الحظ يعاكسه... فضلاً عن ريبة بدائية تُظهر مدى لهفته لحماية مكاسبه المحسوبة}.

يبدو يونغ متحيزاً في أحكامه. لكنه يقر بتردد بأن لعنة لبنان، الطائفية، شكّلت درعاً حمت الحرية الفردية في منطقة تفتقر إلى هذا النوع من الحريات. أما دور الشرير في روايته هذه، فتؤديه سورية مع حليفتها إيران وخادمهما المطيع، حزب الله الذي يخرّب، بتفكيره الميال إلى الحرب وتمجيده الصراع المسلح، الجهود كافة لبناء دولة أكثر ديمومة. يستخلص يونغ: {ثمة لبنان، ولبنان {حزب الله}. سيسود أحدهما في النهاية. فلا يمكن أن يستمرا معاً في جو من الاستقرار}.

لا يعبّر هيرست عن أحكامه بصراحة مماثلة، إلا أنه عايش الأوضاع اللبنانية منذ زمن طويل. وعلى غرار يونغ، لا يحاول تجميل إخفاقات لبنان، بل يلقي الجزء الأكبر من مسؤولية معاناته الأخيرة على ما يدعوه {مثالاً شاملاً أكثر عشوائية للعجرفة الإمبراطورية، النزوات الجيو- سياسية، والإحسان الفوضوي الخطير}، أي إسرائيل.

يصف يونغ لبنان ما بعد الحرب الأهلية بأنه {يُبنى على فقدان ذاكرة معترف به رسمياً}. لكن الذاكرة تفتح أحياناً نوافذ مفيدة تطل على عوالم أخرى. فيذكّر هيرست القارئ بأن الحكومة اللبنانية أعادت في ثلاثينات القرن المادي طباعة الكتيبات السياحية بالعبرية، ورعت أجنحة مخصصة للبنان في معارض تل أبيب التجارية.

back to top