الأكــــــــراد... بيــــــن الفـــــــــدراليــــــــــــــــة والاتفـــاقيــات الإقليميـــة

نشر في 17-01-2010 | 00:05
آخر تحديث 17-01-2010 | 00:05
No Image Caption
احتلت إيران البئر رقم 4 من حقل الفكة التي حُفرت في عام 1979، ويمثل الحقل جزءاً من ثلاثة حقول يُقدَّر مخزونها بـ1.55 مليون برميل، ووضع في جدول التراخيص الذي أعلنته وزارة النفط العراقية في يونيو 2009.

وعلل الإيرانيون احتلالهم البئر بالخلاف على ترسيم الحدود مع العراق، التي اختفت علاماتها أثناء الحرب التي دارت رحاها بين البلدين (1980-1988)، لكن أساس الموضوع هو اتفاقية الجزائر.

فبعد أن صرح الرئيس العراقي جلال الطالباني بأن اتفاقية الجزائر في حكم المُلغاة، داعياً القادة الإيرانيين الى طاولة الحوار، جاء رد الإيراني عبر وزير الخارجية منوشهر متكي، بأن اتفاقية الجزائر 1975 لاتزال سارية المفعول، مشدداً على أن العراق لا يمكنه إلغاء الاتفاقية من طرفه.

شكّلت اتفاقية الجزائر وبالاً على العراق والمنطقة بأكملها، إذ عمد نظام صدام حسين إلى إبرامها والتنازل عن حقوق العراق في شط العرب في حينها، لقاء وقف الدعم الإيراني للثورة الكردية، وبعد إخماد تلك الثورة عاد نظام صدام إلى المطالبة بتلك الحقوق التي تنازل عنها وهاجم إيران لتشتعل المنطقة ثماني سنوات عجاف. ونتيجة لتلك الحرب والديون على العراق غزا العراق الكويت، وخلال ذلك تنازل مرة أخرى عن كل مكاسبه التي حققها في الحرب لإيران لقاء تجنب الهجوم على العراق أثناء حرب الكويت.

لمحة تاريخية

ما هي اتفاقية الجزائر؟ وما كان الهدف منها؟ ولماذا دعا الرئيس الطالباني الى إلغائها؟

شكلت حدود العراق مع إيران إحدى المسائل التي تسببت في إثارة الكثير من النزاعات في تاريخ العراق، ففي عام 1837 وعلى أثر الهجوم الذي تعرضت له منطقة المحمرة التي كانت تحت السلطة الإيرانية من قِبل والي بغداد علي رضا باشا الذي دمرها، طالبت إيران الدولة العثمانية بتعويض الأضرار التي لحقت بالمحمرة وأهلها، فعُقد مؤتمر لمدة ثلاث سنوات في"أرض روم" شارك فيه ممثلو الدولتين، إضافة الى الحكومتين الروسية والبريطانية، تمخض عنه اتفاقية "أرض روم"، حيث خُصِّصت فيها المحمرة وعبدان وبعض المناطق الأخرى للدولة الإيرانية، وأُلحقت مدينة السليمانية الشمالية بالدولة العثمانية، طبقاً للمادة الثانية من تلك المعاهدة، وهكذا تمتع العراق بسيادة مطلقة على شط العرب من الضفة الى الضفة.

واستمر هذا الوضع لغاية الانقلاب العسكري الذي قاده عبدالكريم قاسم ضد نوري السعيد في يوليو عام 1958، إذ كان من تداعيات هذا الانقلاب تزايد التدخل الإيراني في الشوؤن الداخلية العراقية، فدعم الإيرانيون الأكراد في صراعهم الداخلي من دون أن يتطور ذلك التدخل الى اشتباك مباشر بين الحكومتين العراقية والإيرانية.

وتسلحت إيران الشاه بأحدث الأعتدة العسكرية وأصبح الجيش الإيراني من أقوى الجيوش في المنطقة، وصارت إيران تتحدث مع الجوار من منطق القوة وفرض أجندتها السياسية بالتناغم مع سياسات الدول الغربية، مع تسلُّم بعثيي العراق السلطة عقب انقلاب يوليو 1968.

اتفاقية الجزائر

تطورت علاقات العراق مع الاتحاد السوفياتي من خلال معاهدة تعاون وصداقة أُبرمت بين البلدين، ومنح النظام العراقي أكراده حكما ذاتيا في 11 مارس 1970، وازداد انتاج البترول العراقي مع ارتفاع أسعار البترول في العالم، الأمر الذي ساعد العراق على تحقيق طفرة غير مسبوقة وظفها في تطوير قدراته الدفاعية.

وفي الذكرى الرابعة لمنح العراق الحكم الذاتي لأكراده تنصل من بعض التزاماته تجاهم، كما تزايدت تدخلات الجانبين العراقي والإيراني بعضهما في شؤون البعض الداخلية، فدعم النظام العراقي حينئذ، بعض أحزاب المعارضة الإيرانية (كالجبهة الشعبية لتحرير الأحواز والجبهة الشعبية لتحرير بلوشستان الغربية والحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران وفدائيي خلق، والحركة الدينية).

في المقابل، قدمت إيران الدعم اللوجستي والمادي والعسكري للحركة الكردية العراقية، وكانت الحركات العسكرية في الجانبين تقوم بشتى الضغوطات السياسية والعسكرية على أنظمتها، الأمر الذي أصبح ينذر باندلاع حرب شاملة بين الجانبين، مما دفع أطرافاً إقليمية وإسلامية ودولية الى البحث عن مخرج لهذه الحالة، فركزت جهودها نحو جمع شاه إيران وصدام حسين في العاصمة الجزائرية برعاية مصرية ودولية، فتمخض عن ذلك اتفاقية الجزائر التي وقِّعت في 6 مارس 1975 بإشراف الرئيس الجزائري حينئذ هواري بومدين، وبمباركة الرئيس المصري حينئذ أنور السادات.

وبموجب تلك الاتفاقية، تخلى العراق عن قسم من مياه شط العرب لقاء تخلي إيران عن مساندة الحركة التحررية الكردية.

وتفيد الإحصائيات غير الرسمية، بأنه بعد اتفاقية الجزائر، خصوصاً في الفترة بين 1977 و1979 تم في إطار عملية تعريب المناطق الكردية هدم أكثر من 600 قرية كردية وترحيل عدد كبير من المواطنين الكرد من مناطقهم الى المناطق الجنوبية.

وأطاح النظام الحالي في إيران بنظام الشاه الذي وقع تلك الاتفاقية، وبالتالي تعتبر لاغية، لكن إيران مازالت مصرة على الاعتراف الرسمي بتلك الاتفاقية وتنفيذ مضمونها.

من هنا، يتضح أن اتفاقية الجزائر كانت واحدة من أكبر الأخطاء في تاريخ العراق، وشكلت مبررا دائما لإيران لتطالب باستمرار بجزء من أرض العراق على أساس تلك الاتفاقية.

اليوم، هل سيعيد التاريخ نفسه ونشهد اتفاقية إيرانية-عراقية تجهض الفدرالية الكردستانية العراقية الحالية؟

back to top