وجهة نظر : 
تأخر الحكومة ربع قرن وتخلّف الاقتصاد عن التطوُّر الاقليمي يسوغان موافقة النواب على اختزال آلية التخطيط

نشر في 15-01-2010
آخر تحديث 15-01-2010 | 00:00
 د. عباس المجرن أخيراً وبعد مرور نحو ربع قرن من الزمن، منذ أن صدر القانون رقم 60 لسنة 1986 في شأن التخطيط الاقتصادي والاجتماعي، الذي ألزم الحكومة بتقديم مشروع الخطة الخمسية إلى مجلس الأمة، قُيِّض للمجلس أمس البدء في مناقشة ما وصف بأول خطة تقدم إلى المجلس منذ عام 1986، إذ أُتيحت الفرصة للنواب للتحدث والتصويت على المداولة الأولى، بينما تم تأجيل النظر في التعديلات المُقترح إدخالها على «الخطة» إلى جلسة المُداولة الثانية.

ووصف ما تم أمس بأنه مُداولة أولى في أول خطة تنمية تُعرض على المجلس منذ ربع قرن، تنقصه الدقة لسببين جوهريين:

الأول: أن الحكومة كانت قد قدمت إلى مجلس الأمة أكثر من خطة تنموية على مدى السنوات الماضية، لكن أيّاً من تلك الخطط لم تتمكن من الوصول إلى قاعة عبدالله السالم، لأنها كانت تتوقف أو تنتظر طويلا في أروقة المجلس، وبالتحديد في مناقشات لجنة الشؤون المالية والاقتصادية، التي شاركتُ في بعضها بصفتي عضوا في فريق إعداد الخطط الخمسية بوزارة التخطيط.

الثاني: أن ما قدمته الحكومة إلى المجلس وأقرته لجنة الشؤون المالية والاقتصادية البرلمانية في مطلع يناير الجاري، بعد أن أدخلت عليه بعض التعديلات، إنما يمثل الإطار العام لخطة التنمية الخمسية لا خطة للتنمية الخمسية.

وقد أشارت «الجريدة» إلى هذا الأمر في منتصف العام الماضي، كما كرره النائب عادل الصرعاوي أكثر من مرة، بل ذهب إلى القول أخيراً، إن إقرار الإطار العام للخطة على أساس أنه بديل عنها، إنما يمثل وأداً وإفراغاً للخطة من معناها ومحتواها الحقيقيين.

ويستند الإطار العام للخطة، الذي يشكل خطوة على الطريق الصحيح التزاما بنص القانون رقم 60 لسنة 1986، إلى رؤية الدولة في المدى الطويل (حتى عام 2035)، وهدفها الرئيسي تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري قادر على توطين وجذب الاستثمارات، يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي.

وكانت المادة الأولى من القانون رقم 60 قد نصت على وضع خطة قومية شاملة طويلة الأجل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ترتكز على الاستراتيجية العامة للدولة وتتضمن أهدافا رئيسية محددة، يمتد بعدها الزمن إلى المدى الطويل، وهذا بالتحديد ما تقدمت به الدولة إلى المجلس.

ويؤكد القانون رقم 60 أن هذه الخطة القومية الطويلة المدى، تشكل إطارا عاما لوضع خطط متوسطة الأجل (أي خمسية)، «تتفرع منها خطط سنوية تفصيلية لكل منها أهدافها المرحلية وسياسات تحقيقها وتعبأ لها كل الموارد المالية والبشرية، وتتوافر لها المرونة الكافية لمواجهة ما يحدث من متغيرات أو تطورات تقتضي تعديل الأهداف المبتغاة».

والتزاماً بهذا القانون، أعدت الحكومة -وإن تأخرت في ذلك نحو ربع قرن- مشروع الإطار العام الذي أحيل إلى مجلس الأمة بالمرسوم رقم 130 بتاريخ 12-6-2009 لنظره على وجه الاستعجال وفقا للمادتين 98 و181 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة.

ويتبين من صياغة تقرير لجنة الشؤون المالية والاقتصادية البرلمانية بشأن مشروع قانون الخطة الإنمائية الخمسية الذي رفعته إلى المجلس وطالبت بإعطائه صفة الاستعجال، أنها تدرك أن ما هو معروض على المجلس ليس خطة متوسطة المدى أي خمسية، إنما هو الإطار العام الاستراتيجي الذي تعد في ضوئه تلك الخطة، وان في التصويت على هذا الإطار، ثم إقرار خطة سنوية اختزال للخطة الخمسية.

وقد أشارت اللجنة صراحة في تقريرها، إلى أن الإطار العام للخطة قد أخذ في الاعتبار البعد الاستراتيجي فحسب، لكن التقرير يضيف في بند لاحق أنه نظرا إلى تأخر الحكومة في تقديم مشروع القانون في شأن الخطة عن الموعد المقرر له، فإن اللجنة توافق على مشروع الخطة بحيث تبدأ من السنة الثانية 2010-2011، وبذلك تصبح الخطة رباعية لا خماسية، واعتبار السنة الثانية من الخطة الخمسية هي السنة الأولى في الخطة الرباعية.

وواضح من البند الرابع في تقرير اللجنة أنها قد اختزلت الخطة المتوسطة المدى، إذ انتقلت من الإطار العام إلى الخطة السنوية.

وللتأكيد أُورد نص هذا البند «ضرورة أن يتبع الإطار العام للخطة تقديم الحكومة خططا سنوية تفصيلية يكون لها أهدافها المرحلية وسياسات تحقيقها التي تتماشى مع الإطار العام للخطة، على أن تصدر هذه الخطط السنوية بقانون بعد أن يعتمدها المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية ومجلس الوزراء».

لكن أيّاً كان مُسمَّى ما تباحث به مجلس الأمة أمس، «إطاراً عاماً» أم «خطة تنمية»، فإن مناقشته تلقى قبولا عاما من أغلبية أعضاء المجلس، وربما المواطنين أيضا، لأن معظمهم قد سئم سير الأمور من دون بوصلة تمكّنه من التعرف على ملامح المستقبل أو أدوات يمكن له من خلالها قياس أداء السلطة التنفيذية، ولعل هذا الشعور ناتج عن القدر الكبير من الفوضى التي آلت إليها الأمور العامة في السنوات القليلة الماضية، التي أشاعت بين مختلف الأوساط الواعية والمدركة مشاعر الإحباط والقلق اللذين عبر عنهما صاحب السمو أكثر من مرة وهو يحاول تقويم أداء السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ولا شكّ في أن جلَّ من سيصوت بالموافقة على قانون «الخطة» في مداولته الثانية، يريد لهذا الإطار العام أن يشكل بوصلة تسير على هديها برامج التنمية مهما اختلفنا على مُسمَّيات وثائقها الرسمية ومراحلها، ما دام الهدف هو تحقيق منجزات على الأرض تصب في نواتجها النهائية لمصلحة البلاد والعباد، ولعل تخلف دولة الكويت عن ركب التطور، خصوصا في ظل ما حققته بعض دول مجلس التعاون الأخرى من انجازات تنموية رائدة وظاهرة للعيان، شكلت هي الأخرى حافزا إضافيا دفع بعض النواب وغيرهم من دعاة الإصلاح الاقتصادي إلى عدم التوقف طويلا عند بعض التفاصيل والنصوص القانونية.

ونرجو ألّا يشكل الخلاف المتعلق باختزال الخطة المتوسطة المدى مدخلا لعدم الالتزام بتنفيذ برامجها، ولا شكَّ أن أهمية الخطة الخمسية تأتي من حقيقة أن تنفيذ معظم المشاريع التنموية يتطلب زمنا يزيد على السنة، وهي توفر إطاراً أفضل من الخطة السنوية لمتابعة مثل هذه المشروعات، والمطلوب من مجلس الأمة في حالة الاختزال هذه أن يؤكد أهمية الالتزام ببرنامج زمني للتنفيذ يمتد أفقه الإلزامي إلى المدى المتوسط.

وأعتقد أن لجنة الشؤون المالية والاقتصادية وفِّقت في توصياتها التي ضمنتها تقريرها، وأهمها ضرورة الاستعانة بشركات عالمية متخصصة تتولى تهيئة الموارد البشرية والمادية لرفع كفاءتها، بما يمكنها من تنفيذ الخطة، وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص للمساهمة في تنفيذ المشروعات التنموية، وتفعيل سياسة الخصخصة لدعم النشاط الاقتصادي والعناية بالشباب وتنمية ملكاتهم ومواهبهم، والحفاظ على البيئة، وكذلك في مطالبتها بعرض حزمة مشروعات القوانين التي تضمنتها وثيقة الإطار العام خلال سنة من بدء العمل به.

* أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت 

back to top