حي الجمالية... مجمّع تراث القاهرة الإسلاميّ يزدهر مجدداً

نشر في 22-12-2009 | 00:00
آخر تحديث 22-12-2009 | 00:00
يشهد «حي الجمالية» العريق في مصر مرحلة جديدة في تاريخه، بعد بدء عمليات الترميم والتطوير والصيانة في إطار عام لتطوير القاهرة التاريخية بمختلف عصورها، وهو المشروع الذي بدأ بترميم وصيانة وتنسيق آثار شارع المعز، المجاور لحي الجمالية والذي افتتح منذ أشهر قليلة.

تشهد الخطة التي تشرف على تنفيذها وزارة الثقافة المصرية والجهاز القومي للتنسيق الحضاري ترميم الآثار كافة التي تعود الى عصور مصر الإسلامية المختلفة وإعادة تأهيل منازل «الجمالية» لتعطي انطباعاً إسلامياً وتتناغم مع محيطها من الآثار. يضمّ الحي مجموعة من الآثار التي تجعله محط أنظار الجميع، فبالإضافة إلى المشهد الحسيني وبيت القاضي وخانقاه سعيد السعداء، ثمة مقهى الفيشاوي الشهير في جميع أنحاء العالم العربي.

أشار رئيس الإدارة المركزية للشؤون الفنية والمشروعات في الجهاز القومي للتنسيق الحضاري الدكتور حسن بهجت إلى أن «ثمة مخططاً كاملاً للنهوض بالمنطقة التاريخية في القاهرة الفاطمية، ليعود إليها رونقها الحضاري، وكانت المرحلة الأولى ترميم آثار شارع المعز وصيانته وتنسيق محيطه، والآن تبدأ المرحلة الثانية بترميم آثار «حي الجمالية» وتنسيقه».

أضاف بهجت: «يشارك في هذا المشروع عدد من المؤسسات الثقافية في مصر على رأسها وزارة الثقافة، ووُزِّعت الأدوار والاختصاصات بين الهيئات المشاركة، ونعيد راهناً تأهيل المباني الحديثة في منطقة «الجمالية» بحيث تتناغم مع محيطها الأثري، وذلك لن يتم إلا بالحفاظ على حرم الأثر وتحديده ونقل الأنشطة الحرفية بعيداً عن الآثار لعمل خلخلة سكانية، بالإضافة إلى خطورة هذه الحرف على الآثار.

أما أستاذ العمارة في هندسة بنها وخبير الترميم الدكتور خالد عبد الهادي فرأى أن العمارة أصدق تعبير عن الحضارة، «يكفيك أن تنظر إلى شوارع أي مدينة لتعرف حضارتها ومدى رقيّها، فهي الفن السادس النابض بالحياة الذي يزيده الزمن أصالة وإبهاراً، من هنا تأتي أهمية مشروع إعادة ترميم مباني القاهرة الفاطمية وتنسيقها، فالآثار ليس لها عمر افتراضي تنتهي عنده ولكن سوء الاستخدام والإهمال قد يؤديان إلى تردّي حالتها وانهيارها، لذلك نسارع في التصدّي للأخطار التي تواجه آثار القاهرة لا سيما خطر المياه الجوفية وسوء الاستخدام».

أشار عبد الهادي إلى أن «ثمة تصوراً عاماً لمنطقة القاهرة التاريخية بجميع أماكنها يسمح للسائر على قدميه بالتجوّل في القاهرة الفاطمية ومنها إلى حديقة الأزهر ثم قلعة الجبل ومنشآتها التاريخية المختلفة، ويختتم تجواله بمنطقة المقابر وسور مجرى العيون وجامع عمرو بن العاص ليحيط بمعالم القاهرة الإسلامية حتى نهاية عصر محمد علي، لكن هذا يتطلب إنشاء محاور مرورية جديدة لفتح تلك المناطق الأثرية على بعضها وتشكيل تناغم بينها».

القصر الفاطمي

يحدّ «الجمالية» من الشرق شارع المعز ومنطقة بين القصرين، ومن الشمال والغرب أبواب القاهرة، الفتوح والنصر، وجزء من السور الفاطمي، ومن الجنوب شارع الأزهر، وكانت تقام على تلك المساحة كلها التي كانت تقدر بخمس مساحة القاهرة الفاطمية قصور الخلافة الفاطمية الزاهرة بملحقاتها عندما كانت القاهرة مقر الخلافة الفاطمية، وبعد سقوط الأخيرة في سنة 1171 على يد صلاح الدين الأيوبي أخذ العامة يسكنون أجزاءً من القصر الفاطمي الذي أخذ في التدهور وتلاشت أجزاؤه على مر الزمن. وأسس الأمير جهاركس الخليلي، أحد أمراء الدولة المملوكية في عصر السلطان الظاهر برقوق، خان الخليلي عام 1382 على أنقاض مقابر الخلفاء الفاطميين فى مصر التي عرفت باسم «تربة الزعفران»، وكانت تشكّل الجزء الجنوبي من قصر الخلافة الفاطمي.

بدأ «الجمالية» في الظهور ابتداء من سنة 1408، عندما انتهك الأمير جمال الدين يوسف الأستادار أملاك الغير وحلّ الوقفيات في منطقة رحبة باب العيد، أحد أجزاء القصر الفاطمي، لبناء مدرسته وقصره، ومن بعده سكنت عامة الشعب الحي فظهرت فيه الأزقة وتشعبت مع مرور الأيام ليظهر «الجمالية» ويؤدي دوره في تاريخ القاهرة المحروسة.

أما جمال الدين الأستادار فهو من مواليد مدينة البيرة عام 1351في فلسطين، نشأ في أسرة فقيرة وكان والده واعظاً، وبعد وفاة أبيه رباه خاله وتقدّمت به الحال حتى ارتبط بمجالس السلطان المملوكي الناصر فرج الذي نصّبه في عام 1405 في وظيفة الأستادارية - معنية بتوزيع الجوامك والعليق والكسوة، وغيرها من الرواتب السلطانية الشهرية على مستحقيها من المماليك السلطانية - ثم أطلق السلطان يد جمال الدين في شؤون الدولة، فتجبر وبغى ولم يسلم من شره عزيز أو ذليل، تخلص من عدد كبير من المماليك، منهم سعد الدين بن غراب ويلبغا السالمي، اشتهر بالقسوة والظلم، وصادر أموال الناس ووقعت عيناه على منطقة رحبة باب العيد وهي جزء من القصر الفاطمي القديم، فأخذ في طرد السكان من منازلهم وحل أوقاف بعض الأماكن ليبني مسجده وقصره، إلا أن دوام الحال من المحال فقد زاد ظلمه على الحد وبدأ الاتصال بأعداء السلطان فرج، فسارع الأخير إلى عزله وسلِّم لخليفته في منصب الأستادارية الذي أخذ في معاقبته حتى مات خنقاً بعد أن استخرج من خزائنه أكثر من مليون دينار، كان يعدّ مبلغاً كبيراً آنذاك.

أدب

يعشق الأدباء والشعراء العرب هذا الحي وتربطهم به قصص ممتعة، فهو أهم أحياء القاهرة الشعبية والتاريخية كونه يجاور معظم أسواق القاهرة الكبرى كأسواق الصاغة والنحاسين والعطارين والخيامين وغيرها، بالإضافة إلى المشهد الحسيني محط رحال رجال الطرق الصوفية ومحبي آل البيت، ما جعل سكانه على صلة بمختلف طبقات الشعب من باشاوات وصعاليك، وحوّله منبعاً خصباً للشخصيات الأدبية الغنية بتفاصيل الحياة، وهو ما استفاد منه نجيب محفوظ في إنشاء عالمه الروائي المتفجر بالحياة. فأعماله: «زقاق المدق، قصر الشوق، خان الخليلي»، مستوحاة عناوينها من أماكن خالدة في «الجمالية» العريق وتدور أحداثها في هذا الحي الذي شهد ميلاد محفوظ وصباه، كذلك شهد تفتّح صبي آخر قادم من جهينة هو الروائي جمال الغيطاني، ليهيم مع أستاذه محفوظ في حب هذا الحي الخالد، ناهيك عن مقهى الفيشاوي الذي شهد جزءاً كبيراً من تاريخ الأدب في مصر، خصوصاً المجالس التي أقامها محفوظ مع دراويشه.

back to top