رئيسة لجنة ديوان أهل القلم في لبنان د. سلوى الخليل الأمين: لا يجوز تصنيف المرأة أدبيّاً على أنها حالة جنسيّة
تنفعل الشاعرة والأديبة اللبنانبة د. سلوى خليل الأمين بالإيقاع عندما يرد على خاطرها فتكتبه شعراً. ذاتها الشاعرة تتأمل نفسها وتحاورها، لكنها في الوقت نفسه تلتحم بالموجودات من حولها، بشراً وأرضاً وكائنات وأشياءً، فتخطّهم سلاسة لغة وعذوبة معنى ودقة وصف... أنشأت «ديوان أهل القلم» في لبنان لتكريم المبدعين و{ندوة الإبداع» لانتشال الأدب اللبناني من الضياع. حول نشاطات الديوان والطاقات الإبداعية المغتربة ومبالغة بعض الأديبات في الكتابة عن الجنس كان الحوار التالي.
كيف يواكب «ديوان أهل القلم» احتفالات بيروت عاصمة ثقافية للكتاب؟أن تكون بيروت عاصمة عالمية للكتاب فهذا ليس بمستغرب ومستهجن فهي كانت وما زالت درة هذا الشرق ومنها انطلقت الأبجدية إلى العالم. فعلى رغم المأسي التي مرت على لبنان، خصوصاً عاصمته بيروت، ما زالت هذه المدينة غارقة في نبلها وتستوعب الآراء والأفكار والطاقات كافة وما زالت ملتقى الحضارات وكل الأمم الزاحفة إليها كي تتنسم نسائم الحرية، وما الكتاب إلا مساحة من الحرية. فبيروت إن كانت عاصمة عالمية للكتاب فإن الحدث في موقعه ومكانه، وليس غريباً عن هذه العاصمة.دخلت هذا الحدث مشاركةً في نشاطاته كوني رئيسة «ديوان أهل القلم» و «ندوة الأبداع» أتحرك ضمن هذا الحقل الثقافي كأديبة وشاعرة، علما أننا مهما فعلنا لبيروت عاصمة عالمية للكتاب، لا نستطيع أن نؤديها ما هي عليه من قيمة معنوية وأدبية وتاريخية وحضارية. نحن في الديوان لا نصب اهتمامنا في هذا المجال فحسب، لكن وزير الثقافة تمام سلام ومدير عام وزارة الثقافة الدكتور عمر حلبلب تمنا عليّ المشاركة في هذا الحدث، كونهما يعلمان أن عمل الديوان جدي ومتكامل ويصب في المنحى الثقافي والوطني. نزولاً عند رغبتهما شاركنا في هذه التظاهرة الثقافية وبدأنا بمشاركة «جمعية إنماء الجميزة» التي لها مهرجاناتها الفنية والموسيقية والتشكيلية كل عام، فأضفنا إليها أمسيات شعرية بمصاحبة الموسيقى والإنشاد والغناء الطربي الأصيل بحضور الشعراء أمثال مارون كرم وندى الحاج وحسون لبنان ميلاد مارون والفنان جهاد الأطرش والفنانة الفيرا يونس والمطربة جنفياف يونس والفنان الممثل رفعت طربيه، إضافة إلى الفرق الموسيقية المتنوعة. أقمنا عشر ليالٍ متميزة على درج الجميزة وكان لها الوقع المميز في ليالي بيروت الحالمة.ماذا عن لقاء الأديبات العربيات الذي ينظّمه الديوان؟في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) لدينا «لقاء الأديبات العربيات في بيروت»، ستأتي من كل بلد عربي ضيفة مميزة: من سوريا الأديبة الكبيرة الرائدة كوليت خوري والروائية أنيسة عبود، من الكويت فاطمة العلي، من الأردن سميحة خريس، من فلسطين ليلى الأطرش، من ليبيا د. لطفية القبائلي، من الجزائر زهور ونيسي، من قطر هدى النعيمي، من مصر إقبال بركة ومن السعودية شريفة العبودي، سيكون لقاء مميزاً بحضور الأديبات والشاعرات اللبنانيات: د. نور سلمان، الشاعرة الصوفية هدى النعماني، الشاعرة باسمة بطولي، مهى بيرقدار الخال، ندى الحاج... كرّمت الشخصيات اللبنانية في لبنان والمنتشرين في العالم في المجالات المختلفة. إلى أي مدى ساهمت هذه الخطوة في تعزيز مكانة لبنان على الخارطة الثقافية العالمية؟عندما أنشأنا ديوان أهل القلم أحببت أن يكون متميزاً وألا يكون مجرد محطة ثقافية كالمحطات الموجودة على الساحة العربية. قبلنا لم يفكر أحد في الطاقات اللبنانية خصوصاً والعربية عموماً المبدعة في عالم الانتشار. كنا ننظر إلى المغترب كطاقة اقتصادية فحسب، ولم يدرك المسؤولون أن ثمة طاقات لبنانية منتشرة على مساحة الكرة الأرضية لها وقعها المميز في العديد من المراكز القيادية العالمية والعلمية العالية بسبب تمتعها بقدرات هائلة. مثلاً، لك أن تتخيلي أن من أنزل أول مركبة على سطح المريخ، التي تكلم عنها العالم، هو البروفسور والعالم اللبناني شارل العشي الذي يقود 5000 عالم فضاء في مركز JPL في الـ{ناسا» إلى هذا الكون اللامتناهي. إنه هبوط العقل اللبناني على سطح المريخ هكذا كان عنوان برنامجنا حين كرمناه في لبنان في عام 2005. فهذا البلد لبنان استعمرته جحافل من الغزاة، لكن أبناؤه اليوم يستعمرون العالم ثقافياً وفكرياً ومعرفياً.هل كان لهذه التكريمات صدى في لبنان والعالم؟تكريم هذه الطاقات أحدث ضجة على الساحة اللبنانية وفي عالم الاغتراب، لأننا شاركنا اللبنانيين كلّهم هذه التكريمات، واستضفنا كبار الشخصيات من العالم العربي والغربي. مثلاً عندما كرّمنا السيناتور بيار دبانة الموجود في كندا، جاء إلى لبنان مع وفد مؤلف من 12 شخصية كندية من بينهم رئيس مجلس نواب كيبيك كليمان ريشار وكانت له كلمة في المهرجان، ومدير مكتب رئيس الوزراء مالروني الصحافي العالمي لوك لوفواه. وعندما كرمنا البروفسور د. كلوفيس مقصود استضفنا أمين عام جامعة الدول العربية الأسبق الشاذلي القليبي، عندما اتصلت به لدعوته لمشاركتنا في تكريم السفير مقصود المشهود له مواقفه العربية الصميمة حين كان سفيراً لدى جامعة الدول العربية في الأمم المتحدة وبعدها في مجلس الجنوب في واشنطن، قال لي: «آليت على نفسي عندما تركت رئاسة الجامعة ألا أزور أي بلد عربي، لكن لبنان يعني لي الكثير، خصوصاً أنني حملت المأساة أثناء الحرب اللبنانية ودخلت في مباحثات حول تهدئة الأزمة». كذلك استضفنا وزير الخارجية السوري وليد المعلم ورئيس وزراء اليمن محسن العيني، وكرمنا الحاكمة الأسترالية اللبنانية الأصل ماري بشير والوزيرة الإكوادورية والمرشّحة لرئاسة جمهورية الإكوادور اللبنانية الأصل إيفون عبد الباقي وهي راهناً رئيسة مجلس نواب أتحاد دول أميركا اللاتينية، إضافة إلى عالم الفضاء «أينشتاين هذا العصر» البروفسور إدغار شويري الذي شكّل أخيراً مع مجموعة من العلماء اللبنانيين «الأكاديمية اللبنانية للعلوم في نيويورك» التي تضم معظم الطاقات اللبنانية في عالم الانتشار، وقد أخبر فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان أخيراً خلال زيارته له وبحضوري: {أن الفضل في هذه الإنطلاقة يعود إلى ديوان أهل القلم الذي عرف كيف يشدنا إلى وطننا لبنان» .ما طبيعة الصعوبات التي تواجهكم؟نحن في الديوان نعمل على إقامة مهرجانين سنويا فقطً، لأن المهرجان يتطلب مدة خمسة أشهر في التحضير له، لأننا لا نملك الإمكانات التكنولوجية والمادية للتواصل مع الطاقات اللبنانية حول العالم، لإقناعهم بالحضور إلى لبنان على رغم ظروفه الصعبة.خلال عملنا واجهتنا صعوبات كثيرة، أهمها عندما جاء البروفسور شارل العشي عام 2005 وكان الرئيس رفيق الحريري استشهد، وكانت الولايات المتحدة الأميركية تقاطع سياسيا رئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود، ونحن لا ندخل في بازارات السياسة، لذا كان علينا أن نتواصل مع رؤساء الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، وألا نكون في موقع من هنا أو من هناك. الأهم من هذا أن أميركا عبر السفارة الأميركية في لبنان لم تتقبل هذا الوضع، وأرسلوا في طلبي بأمر من السفير جيفري فيلتمان، فكانت لي جلسة مع القائم بالأعمال، ووُجهت إليّ أسئلة عدة، وطُلب مني ألا يزور العشي رئيس الجمهورية. طبعاً أنا لم أذعن لأنني واثقة بعمل «ديوان أهل القلم» وأعلم أن الجميع يشجعونه وعلى مسافة واحدة منه. كانت إجابتي «نحن لم نقرأ في كتب التاريخ أن أميركا دولة استعمارية أو أنها استعمرت لبنان، قرأنا عن فرنسا الاستعمارية وإنكلترا، لكن أميركا ظلت الحلم بالنسبة إلينا وأتمنى أن تبقوا كما أنتم خصوصاً مع أهل الفكر والقلم، هذه الساحة الوسيعة الجاهزة لاستقطاب العقول المعبأة بالطاقات الهائلة، لأجل أن تبرع لديكم وتغني البشرية كما برع العشي». أصريت على موقفي وقلت إن لم تسمحوا لنا بزيارة رئيس الجمهورية سألغي الاحتفال وتتحملون المسؤولية مع البروفسور شارل العشي وكنت طبعاً أعلم مدى تقدير أميركا واحترامها لعلمائها. بعد أسبوع جاءني الجواب بأني أستطيع أن أفعل ما أريد.برأيك كرئيسة «ديوان أهل القلم»، إلى أي مدى تنجح المرأة في إدارة حركة أدبية أو صالون أدبي أكثر من الرجل؟أكره التصنيفات ولا أؤمن بأن للرجل هذه المجالات وللمرأة تلك المجالات. قد يشارك الإثنان في عمل واحد لأن الخالق ميّزهما كذكر وأنثى، لكن لم يفرّق بينهما بالفعل، وعندما خاطب الإنسان خاطبه ككل واحد لا يُجزأ ولم يُجزأ. لم يُرسل الله الشريعة إلى المرأة بشكل يختلف عن الرجل، لهذا فرض عليهما العبادات ذاتها، فكيف نفرّق نحن بينهما في الفن والأدب والنشاط؟ في المقابل، لا تستطيع المرأة بحكم تكوينها الجسدي القيام بالمهام كافة التي توكل إلى الرجل، مثلاً لا أتخيل نفسي معلقة على عمود للكهرباء، فهذا عمل من مهام الرجل، لكنني أرى نفسي في الأدب والشعر والوزارات والبنوك والمؤسسات العامة والخاصة في العمل الإداري وأي عمل يتطلّب عقلاً متميزاً، خصوصاً ونحن في زمن الألفية الثالثة التي جعلت هذا الكون قرية صغيرة مفتوحة.الكتابة والنشاطات الأدبية صنوان لا يفترقان لديك، متى تكتبين؟أنا في حالة سباق مع الوقت، أحياناً أتمنى أن يكون عدد ساعات اليوم 48 ساعة، لا سيما أنني أيضاً موظفة في وزارة السياحة (رئيسة دائرة جعيتا). أنا مقصرة جداً في كتاباتي بحكم مسؤولياتي العملية والثقافية، خصوصاً أن الحركة الثقافية والمهرجانات والاحتفالات لا تتوقف في لبنان. عموماً، أخصص نهار الأحد للكتابة وفي بقية أيام الأسبوع أكتب خلال الليل. تقولين إن المعاناة أداة الإبداع، هل يمكن للفرح أن يكون أداة الإبداع، ولماذا ترتبط الكتابة بالكآبة لدى كثير من الكتّاب في العالم؟مهما تنوعت وقائع الحدث تبقى المشاعر الإنسانية والذاتية هي التي ترسم حالات التفاعل المترجمة نصاً أو قصيدة أو لوحة، تعبر عما يختلج في ذات الشاعر أو الأديب أو الفنان من فرح أو حزن أو ألم. هنا جمالية النص الذي لا يحتكم بالضرورة إلى حالة قهر ما مع أنها كثيراً ما تحصل، فالأدب لا بد من أن يقدّم إلى القارئ حالات فرح وأنس ودهشة، إن كانت في باب الغزل أو المدح أو الهجاء أو الرثاء أو الخطابة. المهم التفاعل مع الحدث، فأحياناً يضعك الفرح في حالة خاصة من الانسجام مع معنى الحدث وأبعاده وأهدافه، وأحيانا تتشكّل القصيدة أو النص النثري الجميل بغفلة منا، المهم في النهاية الموهبة التي يبثها الله في الصدور، والتي تُحرّك سلباً أو إيجاباً بمدى قدرة الفرد الموهوب على التمكن من تعزيز إمكاناته بالعلم والمعرفة والمطالعة وأشدد على المطالعة.أصدرت ديواناً بعنوان «ترانيم من بقايا الصمت»، ماذا يعني لك الصمت، هل تنحتين منه الكلمات؟أحياناً يكون الصمت أبلغ الكلام. لا أحب الثرثرة و»خير الكلام ما قلّ ودلّ». ثمة من يحب الكلام وإن كان لا يقدم جديداً، ألتزم الصمت في المواقف المتشنجة حيث يذهب المنطق بعيداً، ويأخذ الحوار منحى غير معرفي، فكما قال الشاعر: «ما حاججت جاهلاً إلا وغلبني وما حاججت عاقلاً إلا وغلبته». أنا مع العقول التي تتحاور مع بعضها البعض بالمنطق ولو اختلفت الاراء، فمن المفترض أن اختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية، هنا نستطيع تحديد مقياس الإنسان الحضاري الذي لا تعميه الضغائن والحقد والحسد، و{ترانيم من بقايا الصمت» صوتي الذي لا يصمت عند قولة الحق، لأنني مؤمنة بأن صاحب الحق سلطان وبأن «صديقك من صدقك لا من صدقك». كيف تصفين مبالغة بعض الشاعرات أو الروائيات في الكتابة عن الجنس؟هؤلاء الكاتبات نسين أننا ما زلنا نعيش ضمن مجتمع متمسّك بأهداب الشرائع السماوية التي هدانا الله إليها أخلاقاً وسلوكاً متميزاً، ولا أقصد هنا الأصولية المتطرفة من أية عقيدة أتت، بل الدين الحق الذي لا يمنعك من تلقّف الحضارة وتطور العلوم والتكنولوجيا والعولمة ومساراتها، وكل ما يمت إلى الارتقاء والنمو بصلة، لكن ضمن الحرص على خصوصيتنا المشرقية ذات الكرامة والأخلاق والقيم والمبادئ.الأديان كلها أمرت بتعاطي الجنس كحالة إنسانية يتجسد فيها الحب والتناسل وتكريس العائلة، ضمن أسس وأصول الحفاظ على حرمة العلاقة بين المرأة والرجل التي تحكمها الشرائع الدينية والأخلاقية. حتى المجتمعات الأوروبية والأميركية تتمسك بهذه القيم والعادات والتقاليد المحافظة، أما ما تبثه لنا الفضائيات من حريات فاضحة فهذا لا يشكل عنوان المجتمعات العربية والعالمية كافة، من هنا أدعو إلى عدم التعلق بالقشور، والأسلم التمسك بالجذور التي تقينا الشرور المستجدة كلها.قرأت أخيراً رواية لإحدى صديقاتي الروائيات، وضعتني في حالة «قرف» حتى من نفسي. لا يجوز تصنيف المرأة أدبياً على أنها أداة وحالة جنسية قائمة للهو الرجل وإرضائه، علماً أن الأديان السماوية كلها حرصت على تكريم المرأة ورعايتها.هؤلاء الشاعرات والروائيات سيسقطن مع مرور الزمن، لأنهن يكتبن الجنس من أجل الشهرة فحسب، وللأسف الإعلام والعالم كله يشجعهن لأجل خراب هذا الشرق.