إيران تنتخب اليوم... ونجاد وموسوي الأوفر حظاً

نشر في 12-06-2009 | 00:00
آخر تحديث 12-06-2009 | 00:00
No Image Caption
تعيش إيران اليوم لحظات فاصلة وهي تنتخب رئيس جمهوريتها للمرة العاشرة بعد الثورة الإسلامية، إذ تشهد العاصمة طهران منذ أيام ظاهرة لم تعرفها من قبل في كل الانتخابات الرئاسية السابقة، وهي التظاهرات التي تستمر ساعات طوالاً وتطوف شوارع العاصمة تأييداً للمرشحين.

تقول صورة المشهد الراهن إن المنافسة الفعلية تنحصر بين رئيس الجمهورية الحالي محمود أحمدي نجاد والمرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، في حين تبدو حظوظ محسن رضائي ومهدي كروبي متدنية. ويرفض الأخير بإصرار الانسحاب لمصلحة موسوي حتى مع تأكيد استطلاعات الرأي المختلفة ابتعاده عن السباق. ويرى بعض مؤيدي موسوي أن كروبي يستمر في الانتخابات لأسباب شخصية على حساب مصالح التيار الإصلاحي. وتَمثَّل الحدث الأبرز أمس في الحراك السياسي الحالي في الرسالة التي وجهها هاشمي رفسنجاني إلى مرشد الجمهورية علي خامنئي، للاعتراض على الاتهامات التي وجهها نجاد إلى رفسنجاني وعائلته بالفساد والضلوع فيه، وذلك خلال المناظرة التلفزيونية التي جرت قبل ثلاثة أيام. جاءت لهجة رفسنجاني حادة حين طلب من المرشد ألا يترك نجاد «يتلطى وراءه» و«أن يتدخل للجمه» في إشارة إلى دعم مؤسسات الدولة الخفي لنجاد، وكذلك أذرع الدولة التنفيذية مثل وزارة الداخلية والتلفزيون والصحف الرسمية.

يزداد الاعتراض يوماً بعد يوم على سياسات الرئيس الحالي نجاد بين سكان المدن الإيرانية الكبرى وأجيال الشباب، وفي الأسبوع الماضي شهدت شعبية المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي صعوداً متنامياً، وبوتيرة يومية. ويبدو طبيعياً الآن أن ترى الشارات الخضراء (شعار حملة موسوي) على الجباه والمعاصم ورابطات العنق أينما حللت في العاصمة طهران، في حين تتفنن الشابات الإيرانيات في طلاء أظافرهن باللون الأخضر علامة على تأييد موسوي. أما صور كل من موسوي ونجاد فتتزاحم على الجدران والأسوار، مثلما يتنافس مؤيدو الفريقين في شوارع طهران بشعارات انتخابية رنانة وهجوم شخصي ويشحذ أنصار موسوي بالذات قريحتهم للخروج بشعارات جديدة تنال من شخصية الرئيس الحالي.

«الجريدة» تجولت مع تظاهرة المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي في حي «بول حافظ» الواقع في مركز مدينة طهران، حيث اكتظت الشوارع بعشرات الآلاف من الشباب والشابات يداً بيد للهتاف باسم موسوي في أسلوب يحاكي الأسلوب الغربي في التظاهر، مرددين شعارات حملة موسوي الانتخابية مثل: «سننتصر» و«تسقط الدكتاتورية» و«الكذب ممنوع». والشعار الأخير يلمح إلى بيانات نجاد المتفائلة عن الحالة الاقتصادية لإيران التي تمسك بها إبان المناظرات التلفزيونية بين المرشحين.

أمير شاب إيراني يبلغ من العمر 26 عاماً يعمل سائقاً لسيارة أجرة، يصطحب صديقته للمشاركة في التظاهرة وتأييد موسوي. لا يملك أمير فكراً سياسياً واضحاً، ولكنه غاضب مما يعتبره «قمعاً للحريات» من طرف الحكومة الحالية ويريد «العيش مثل بقية الشباب في العالم». لا يعرف أمير الفروقات بين برنامجي نجاد وموسوي، ولكنه يحمل عصا مثبتاً بها حبة بطاطا للاحتجاج على أسلوب نجاد في توزيع البطاطا والمواد الغذائية أثناء جولاته الانتخابية. تبدو التظاهرات المؤيدة لموسوي بمنزلة إعلان موقف سياسي يتعدى الانتخابات الرئاسية، ويتخطى في مغزاه الطابع الوقتي ليمسَّ أعمدة النظام والأسس التي قام عليها. تشبه التظاهرات التي تشهدها أحياء طهران الآن تلك التي انطلقت في جامعة طهران عام 1999، حيث إنها أعلنت الدعم والتأييد للمرشح الإصلاحي في العلن، موسوي الآن وخاتمي وقتذاك، إلا أنها استهدفت في العمق أكثر بكثير من مجرد الميل إلى طرف ضد طرف داخلي آخر. تبدو إيران ومدنها الكبرى على أعتاب «ثورة خضراء» تشبه الثورات الملونة التي شهدتها جمهوريات القوقاز والاتحاد السوفياتي السابق، من حيث تصاعد الفوران الشعبي بدون مقدمات واضحة وبدون حتى برنامج سياسي محدد. ورغم ذلك يصعب إعادة الديناميكيات التي أطلقتها حملة موسوي إلى الوراء، إذ يبدو أن آثار تلك التظاهرات ستمتد إلى ما بعد الانتخابات، لتغير باطراد معادلات المشهد السياسي وتعدل توازناته.

ما زال الوقت مبكراً للحديث عن انقلابات في التوازنات ولكن الديناميكيات التي تتجسد يومياً في شوارع طهران تشي بأن اليوم سيشهد إقبالاً مكثفاً يفوق نسب المشاركة المعتادة لانتخابات رئاسة الجمهورية في إيران (تتراوح بين 60 و65 في المئة)، وهي مسألة في صالح المرشح الإصلاحي على أية حال. التأمل في الحيوية التي تشهدها شوارع طهران يقول إن هناك احتمالا قائما لدورة إعادة تجرى الأسبوع المقبل بين موسوي ونجاد، وهناك احتمال أضعف بفوز أحدهما من الجولة الأولى. تتحرك الكتلة الشعبية المؤيدة لموسوي الآن بقوة على خلفية شعارات الديمقراطية والانفتاح على الخارج، في مقابل كتلة شعبية أقل نسبياً لنجاد الذي تميز حتى الآن بدعم مؤسسات النظام النافذة مثل الحرس الثوري، وقسم مهم من طبقة رجال الدين، والأذرع الأمنية وجهاز الدولة الإداري. وأهمية الديناميكيات الحالية لا تقتصر على أبعادها المستقبلية فقط، بل لها أيضاً مهمة انتخابية محددة، وذلك لأن تبلور التأييد الشعبي لموسوي من الممكن أن يقطع الطريق على مؤسسات النظام للتأثير في نتيجة الانتخابات ويجعلها في حالة حياد إجباري. الأرجح أنه حتى في حالة فوز نجاد بالانتخابات، فإن التوازنات داخل النظام السياسي لن تبقى على حالها الذي كانت عليه قبل الانتخابات، كما أن القوى الاجتماعية والمؤسساتية التي تقف خلف الرئيس نجاد ستبحث لنفسها عن وسائل تعبير إضافية ولن تكتفي بنجاد تعبيراً وحيداً عن مصالحها في البلاد والنظام. في المقابل إذا فاز موسوي فإن وسائل التعبير والاعتراض التي تفنن فيها مؤيدوه أثناء الحملة الانتخابية لن تقتصر على أوقات الانتخابات فقط، بل ستمتد بزخم ديناميكياتها الداخلية إلى عمق عمليات التجاذب السياسي بعد الانتخابات.

تقف إيران على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخ ثورتها، إذ تبدو الانتخابات الرئاسية الحالية مقدمة لتغييرات أعمق في بنية النظام السياسي الإيراني. يقول أحد الشعارات البليغة لفريق موسوي: «إيران در انتظار سبز» والذي تعني ترجمته... إيران في انتظار الأخضر!

back to top