بحب الناس الرايقة لرامي عياش وأحمد عدوية من أغنية إلى شعارات سياسيّة ورياضيّة وجماليّة
بعد غياب ثلاث سنوات، عاد المغني اللبناني رامي عياش إلى الساحة الفنية بقوة من خلال ديو «بحبّ الناس الرايقة} مع سلطان الأغنية الشعبية أحمد عدوية. الحدث ليس في الأغنية والكليب الذي رافقها، إنما في تغلغلها إلى حياة الناس في أنحاء العالم العربي وتحوّلها بين ليلة وضحاها إلى خير معبّر عن أحوالهم...نبدأ من لبنان، لم يكن مأمولاً أن تحقق الأغنية هذا النجاح كله نظراً إلى الروح المصرية الشعبية التي تطغى عليها، وساهم في تعميقها حضور أحمد عدوية إلى جانب رامي عياش، مستعيداً تاريخه المجيد في عالم الأغنية الشعبية، التي هو عرابها الأول ليس في مصر فحسب إنما في الدول العربية.
من منا لا يذكر أغنية «يا بنت السلطان» التي انتشرت مطلع الثمانينيات وكانت جواز مرور راغب علامة إلى القلوب في العالم العربي ومصر. كان صاحب الأغنية الأصلي عدوية في عزّ تألقه آنذاك، إلى أن وقع ضحية حادث مؤسف، ما زالت ترتسم حوله تساؤلات لغاية اليوم. وعلى رغم معاناته المستمرة من تداعياته، فقد أعطى «بحب الناس الرايقة» طعماً خاصاً، لا سيما في الموال الذي يتردّد أن الشاعر أيمن بهجت قمر قصد به أحد المطربين المشهورين في عالم الأغنية التي تُسمى شبابية، إذ يقول: «مش كل من جالو في يوم قرشين زيادة ونام على قرشين حيتملعن. خلافنا معاك ما فيش موضوع غير إنو شبع من بعد جوع فعلا»، واللبيب من الإشارة يفهم. بين السياسة والرياضةاخترقت هذه الأغنية المجتمع اللبناني عشيّة الانتخابات النيابية حيث علت المناوشات بين الأفرقاء السياسيين، فاستعان تلفزيون «المستقبل» في سابقة هي الأولى من نوعها بالأغنية لدعوة هؤلاء إلى التهدئة، وليكونوا من جماعة «الناس الرايقة»، وانتشرت الأغنية في شوارع بيروت كتعبير غير مباشر وعفوي عن الهدوء، في ظل التناتش السياسي غير المسبوق. من السياسة إلى الرياضة، فقد تصدّرت الأغنية حلبة الصراع بين مصر والجزائر وأصرّت الفضائيات المصرية، عقب انتصار {الفراعنة} على {الخضر} على بثها في مقارنة بين حسن شحاتة، مدرب {الفراعنة}، ورابح سعدان، مدرّب {الخضر}، فتتصدر صورة الأول الشاشة مع مقطع «العالم المدايقة فأنا ما ليش في دول» وتتصدر صورة الثاني مع مقطع «بحب الي بيخلها على الله والي ما يحسبهاش». تصل درجة التهكّم إلى ذروتها مع عبارة «الو كم شالو هم وحرقة دم يا عيني راحو بلاش» فيظهر فريق الجزائر وهو يجرّ أذيال الخيبة خارجاً من المربع الأخضر. هكذا أصبحت الأغنية وسيلة يتهكّم من خلالها الفريق المصري على الفريق الجزائري. صحيح أن هذا الأمر قد ينعكس سلباً على عياش في دول المغرب العربي حيث يتمتع بشعبية جارفة، إلا أن هذه الطريقة في توظيف الأغنية تعكس مدى تأثيرها في الشارع الشعبي المصري، تحديداً بين مشجعي كرة القدم، وهي الرياضة الأقرب إلى قلوب الشعب ليس في مصر وحدها وإنما في أنحاء العالم العربي كله، ولو أراد الجزائريون استعمالها لكانوا أحسنوا ذلك عقب خسارة الفراعنة أمام الخضر في موقعة أم درمان. هذا عدا الشعارات التي انتشرت عقب فوز أحفاد الفراعنة في كأس الأمم الأفريقية: «بحب الناس الرايقة الي بتكسب على طول أما العالم الي مش فايزة أنا ما ليش في دول». والأناقة أيضاً على مستوى عالم الأناقة انتشرت أخيراً حقائب نسائية كُتب عليها «بحب الناس الرايقة»، يبلغ ثمن الواحدة منها 300 دولار أميركي، وتهافتت النساء على اقتنائها نظراً إلى أناقتها وطرافة الجملة. صحيح أن ثمة حقائب سبق لها أن طُرحت في الأسواق ويحمل معظمها عناوين أغنيات أم كلثوم مثل «إنت عمري» و{يا ظالمني»، إلا أنها تقليدية عكس عنوان «الناس الرايقة} الذي يميل إلى الكوميديا والتفاؤل.لا شك في أن عياش كان بمنتهى الذكاء عندما عاد بعد غياب بهذا الديو من دون أن يثقل نفسه بألبوم كامل. «بجبّ الناس الرايقة} أغنية جميلة خفيفة تحاكي الطبقات والشعوب وأضحت لغة تواصل على الصعد: السياسية والرياضية والجمالية المختلفة.