وجهة نظر
 : شركات الاستثمار بين تساهل رقابي مفرط واستقرار مالي متشدد!


نشر في 10-06-2009
آخر تحديث 10-06-2009 | 00:00
 د. عباس المجرن قانون الاستقرار المالي كما يفهم من مسماه هو قانون لاستقرار النظام المالي، وليس قانونا للاستقرار الاقتصادي كما يتعامل معه كثيرون، وتنحصر مهام هذا القانون المحورية في الضمان الجزئي للقروض المصرفية الجديدة (قروض العامين 2009 و2010)، ومنح ضمانات لمواجهة العجز في مخصصات المصارف، مقابل الديون القائمة في حال تراجع قيمة ضماناتها من الاصول الحقيقية او المالية.

والهدف الرئيسي من القانون هو تشجيع البنوك المحلية على توفير الائتمان المصرفي للشركات «المنتجة» والشركات الاستثمارية «المليئة» التي تواجه نقصاً في السيولة، والشركات التي تقضي سلامة النظام المالي التدخل لإنقاذها.

وقد تضمن القانون عددا من الشروط المقيدة والمعايير المتشددة التي تطبق على اي من الشركات الراغبة في الاستفادة من التمويل بموجب هذا القانون، وذلك بهدف الحيلولة دون استفادة الشركات المتعثرة بسبب ضعف ادارتها او عدم جودة اصولها.

وقد يكون من نافل القول ان توفير الائتمان للشركات المنتجة من جانب، والمليئة من جانب آخر، امر طبيعي ومعمول به في مختلف الانظمة المصرفية، وليس في حاجة إلى مثل هذا القانون، ويتضح من البيانات المتوفرة حتى الآن ان معظم الشركات التي حظيت بالتمويل ضمن شروط هذا القانون، وعددها قليل جدا، هو من الشركات الانتاجية او شركات المقاولات المرتبطة بعقود حكومية رئيسية، ومن ثم فإن ضمانات ائتماناتها شبه مؤكدة.

كما أنه من الواضح كذلك، ان العدد الاكبر من الشركات «المتعثرة» التي تأثرت ملاءتها بالأزمة المالية ولا تجد التمويل الكافي، هي شركات غير قادرة على الانضواء تحت مظلة القانون، كما ان عددا من الشركات «المتعثرة» ذات الملاءة الجيدة لا يرغب في الاستفادة من القانون، لأن تلك الشركات لا ترغب في رهن اصولها كاملة كما يقرر القانون.

هاجس تعديل القانون

وربما يكون من المبكر الحكم على قدرة قانون الاستقرار المالي على معالجة مشكلة نقص السيولة في السوق المحلي، خاصة أن صدور القانون قد ترافق مع مرور البلاد بفترة من عدم الاستقرار السياسي، مما ادى الى عدم رغبة العديد من الشركات، بل وحتى بعض البنوك المحلية في التعامل مع القانون، خاصة انه صدر بموجب مرسوم ضرورة، ومن المنتظر ان يبت مجلس الامة من جديد في امره، ان بالرفض او القبول، او ربما «بالتعديل لاحقاً».

ومبعث تردد العديد من الشركات الاستثمارية في التعامل مع القانون هو خشيتها من الدخول ضمن دائرة غير واضحة الاطر والمعالم. فمن يرغب منها بالتقدم للاستفادة من التمويل الذي ينظمه القانون، يكلف البنك المركزي جهة متخصصة بدراسة مركزها المالي لتحديد مدى ملاءتها واهليتها، ويخشى العديد من الشركات ان يتم الافصاح عن مراكزها المالية بهذه الطريقة، خاصة انها لا تعرف ما يترتب على هذا الافصاح من تداعيات اذا ما ثبت عدم اهليتها. كما تتردد بعض الشركات بسبب عدم وضوح التبعات التي قد تترتب على حدوث متغيرات في اوضاعها بعد انضوائها تحت مظلة القانون.

وقد يكون مبعث التردد، عدم شفافية تعريف الملاءة المالية، وعدم تحديده في القانون او لائحته التنفيذية على نحو قاطع وجامع ومانع للاختلاف في التفسير، وهذا ما دفع بعض الشركات الى قبول شروط قاسية في عملية اعادة جدولة ديونها مع بعض الدائنين مستبعدة خيار قانون الاستقرار.

من المسؤول؟

قد يكون التشدد الذي اتسمت به مواد القانون مبررا، خاصة ان الكثير من الشركات المالية والاستثمارية قد تهاون في السنوات المنقضية في التعامل مع حقوق المستثمرين من الافراد والشركات، وتهاون كثيرا في اختيار المسؤولين عن ادارة الاصول والمحافظ الاستثمارية، كما تهاون في تطبيق الشروط والمعايير الدولية في الاستثمار. ولكن هل يمكن لمنصف ان يغض الطرف عن التساهل الاشرافي والرقابي المفرط من قبل الجهات الحكومية المختصة بتنظيم انشطة هذه الشركات على مدى سنوات الفورة الاستثمارية؟ 

back to top