أحسن أوباما في غانا ليخفق في الولايات المتحدة
بعد أن أثبت يودهويونو مهاراته في اكتساح أصوات الناخبين بإندونيسيا، يُتوقع أن يستخدم ولايته الثانية لعكس قوة بلاده في الخارج كدولة حيث يمكن للإسلام والديمقراطية والحداثية التعايش معاً بشكل مسالم وناجح. تماشياً مع روح الجدارة الأميركية، لا يستطيع حتى مَن يعارضون عادة الرئيس باراك أوباما أن ينكروا المواضع التي أحسن فيها. وكان خطاب الرئيس في أكرا بغانا الأسبوع الماضي أحد المواضع التي حقق فيها النجاح.
ومما يستحق التوقف عنده في تعليقات أوباما التي ألقاها في الحادي عشر من يوليو أمام البرلمان الغاني مدى ابتعادها عن العبارات التقليدية التي اعتاد أوباما تضمينها خطاباته. وغالباً ما تكون الصيغة كالآتي:- التحسر على السنوات الثماني الماضية التي أمضتها الولايات المتحدة خارج الجنة.- تذكير الحضور أن عصرنا هذا هو زمن الخيارات الصعبة وتحمل المسؤولية.- طرح مسار من توكيد الذات على طريقة ديباك تشوبرا بدلاً من تقديم حلول ملموسة للمشكلة قيد المعالجة.- إطلاق ادعاءات مبالغ بها تفتقر إلى مبرر حاسم بشأن منتقديك («قال البعض إن علينا ترك الفقراء يموتون في الشوارع لنستغل أعضاءهم كمصدر بديل للطاقة»).- وفي الختام، تكرار بعض شعارات حملتك واستخدام نفسك في صورة رمزية عن المسألة التي تتناولها، بغض النظر عن طبيعتها. ولكن في خطاب أوباما في غانا، نجح هذا الرئيس في أمر افتقرت إليه خطابات حملته الغامضة عن العرق، خطاب تسلمه السلطة الفارغ، وتعليقاته المنطقية في الظاهرة فحسب التي وجهها إلى العالم الإسلامي في القاهرة. فقد تمكن من التكلم عن الحقائق المرَّة بأسلوب لطيف.بعد الإشارة سريعاً إلى الإرث السلبي الذي خلفته الإمبريالية الغربية واستغلال الموارد، ذكّر أوباما الحضور بالواقع، قائلاً: «إلا أن الغرب ليس مسؤولاً عن تدمير اقتصاد زيمبابوي خلال العقد الماضي أو الحروب الذي يُجنَّد فيها الأولاد». ثم تحدث عن مستقبل هذه القارة، مخاطباً المشرعين بقوله: «علينا أولاً الإقرار بالحقيقة الأساسية، ألا وهي... أن النمو يعتمد على الحكم الرشيد». وهذه نقطة ممتازة تكتسب وقعاً أكبر عندما يطرحها رئيس أميركي والده كيني الأصل (قدِم إلى الولايات المتحدة ليتابع تعليمه ليس إلا). على الرغم من حصافة أوباما الخطابية، تثير خطاباته علامة استفهام بسبب افتقارها إلى العبارات التي تستأهل أن يقتبسها الآخرون، وهذا نتاج طبيعي لتزاوج محتوى متعدد الألوان ومواد معسولة ليعطينا مادة هشة سريعة الذوبان مثل «غزل البنات». ولكن في هذا المجال أيضاً تخطت خطاب الرئيس في غانا هذه المشكلة. ومن عباراته المميزة:- «... لا تكمن الإشارة الحقيقية إلى النجاح في كوننا مورد المساعدة الدائم الذي يتيح للناس تأمين قوتهم اليومي بصعوبة، بل في كوننا شركاء في بناء القدرة على إحداث تغيير تحوّلي».- «لا أحد يريد العيش في مجتمع يتراجع فيه حكم القانون ليحل محله حكم الوحشية والرشوة، هذه ليست ديمقراطية بل طغيان، حتى لو أجرينا انتخابات بين الفينة والأخرى». جاءت عباراته هذه بعيدة كل البعد عن التأكيدات المنمقة وغير الدقيقة التي أطلقها رجل قال إن الحرب الباردة انتهت لأن العالم اتحد أو قارن مأساة المرأة في الشرق الأوسط ببعض المشاكل الصغيرة التي تواجهها نظيراتها في الولايات المتحدة. لا، كانت هذه كلمات رجل دولة جدي فكّر ملياً في نواقص المساعدة الأجنبية التي تُعتمد كنموذج للنمو الاقتصادي الطويل الأمد أو نواقص الديمقراطية إذا اعتُبرت وحدها علاجاً عالمياً. فمَن هو هذا الرجل؟ وماذا فعل بباراك أوباما؟لا شك في أن تحليل أوباما الواضح يستحق الثناء مع أنه يثير الكثير من التساؤلات. فكل مَن قرأ أيا من كتابي الرئيس قبل توليه هذا المنصب يُدرك أنه عالق في أزمة هوية دائمة لم يعانِ معظم الناس منها منذ كانوا في السادسة عشرة من عمرهم. وما يزيد من غموض أوباما أن خطابه هذا يُظهر صراحته الكبيرة في تعامله مع القارة التي ولد فيها أبوه، في حين أن البلد الذي أنجب أمه (وأوصله إلى أعلى المناصب) لا يحصل إلا على تفاهات. لكن هذا الخطاب يثير أيضاً السؤال: هل يعي أوباما أن مشاكل إفريقيا ليست مرحلية، بل متأصلة في مبادئ تبقى حقيقية في أي نصف من الكرة الأرضية كنا؟أصاب أوباما حين قال لغانا: «ما من شركة تريد الاستثمار في مكان تستولي فيه الحكومة على 20 في المئة من الأرباح». ولكن هل يظن أوباما أن هذه الشركات ستكون متحمسة للعمل في بلد تفرض فيه العملية نفسها أحكاماً جزائية من خلال معدلات ضريبة مصادرة من النوع الذي تتجه الولايات المتحدة نحوه؟يشدد أوباما على أن التاريخ لا يدعم «مَن يستخدمون الانقلابات أو يعدلون الدستور ليبقوا في الحكم». لا، لكن إدارة أوباما تدعمهم، على الأقل عندما يحاول الرئيس زيلايا تقويض دستور هندوراس وتنصيب نفسه حاكماً مستبداً مدى الحياة.يؤكد أوباما أن «كل الناس، أينما كانوا، يجب أن يتمتعوا بحق تأسيس عمل... من دون الحاجة إلى دفع رشوة». ولكن كيف ينسجم هذا المبدأ مع الاتحادات العمالية التي منحتها الحكومة ملكية معظم شركة رب عملهم بعد سنة من التبرعات الكبيرة للحملة؟يستطيع الجيل التالي من رجال الدولة الأفارقة تعلّم الكثير من قراءة خطاب أوباما في أكرا، وكذلك أوباما. *كاتب خطابات رئاسية سابق ومساهم في «مركز الحرية الفردية»