مرافعة احكام 
من ذهب!

نشر في 23-05-2010 | 00:01
آخر تحديث 23-05-2010 | 00:01
حكمان أصدرتهما المحاكم الجنائية الأسابيع الماضية في غاية الاحترام والشجاعة، الأول في قضية خلية عريفجان، الذي أصدرته المحكمة برئاسة المستشار هشام عبدالله، والثاني في قضية حيازة أكثر من 70 كيلوحشيش في السجن المركزي، وتستحق عنه غرامة جمركية قدرها مليون دينار كويتي، وأصدرته المحكمة برئاسة المستشار عبدالرحمن الدارمي، فكلتا القضيتين لم ينظر فيهما القضاة إلى حجم الواقعة بقدر ما تم النظر فيهما إلى حجم احترام الإجراءات القانونية المتبعة والضمانات التي وفرت للمتهمين في التحقيقات التي أجرتها أجهزة الضبط معهم قبل إحالتهم إلى النيابة العامة.

ومثل هذه الأحكام القضائية تؤكد أمرا واحد لا ثاني له أن منزلة الإنسان في نظر القضاء وضرورة احترامه أولى من الفعل المرتكب، وهي رسالة يتعين أن تعيها أجهزة الضبط الأمنية،

ويتعين أن تعلمها وتحفظها عن غيب وهي «انه لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حقوق الناس وحرياتهم» فمهما كان حجم الفعل المرتكب أو المنسوب الى المتهم القيام به، فلست أنا يا رجل الضبط من يقرر الحكم على هذا الإنسان الذي يفترض به البراءة حتى تثبت إدانته، وأن من يقرر الإدانة أو البراءة هو القضاء ولا بديل عنه. ومثل هذه الأحكام أعادت لي ذاكرتي في متابعة القضايا التي عاصرها القضاء الكويتي، ومنها قضية تعد من أخطر القضايا التي مرت على الكويت وهي قضية قتل المواطن الكندي، التي اتهم فيها مواطن كويتي استبعد في ما بعد على الرغم من تلقينه أشد أنواع الضرب والقسوة، ومن بعد ذلك تم القبض على مواطن فلبيني آخر أصدرت محكمة الجنايات حكما بحبسه مؤبدا، وقضت محكمة الاستئناف حينها برئاسة المستشار المغفور له صلاح الفهد حكما ببراءته بعدما استجوب ضابط مباحث أمن الدولة الذي تناقضت اقواله أمام المحكمة عن أقواله الواردة بالتحقيقات، وقضت المحكمة حكما ببراءة المواطن الفلبيني من التهمة، وعندها لم يبال المغفور له لا الإعلام الكويتي ولا العالمي الذي كان يسلط الضوء على القضية في الوقت الذي كان يتعرض له الاجانب في كل دول الخليج لتهديدات من تنظيم القاعدة المحظور. وقبل صلاح الفهد، كتب المستشار نايف المطيرات في أشهر قضية رشوة مرت على الكويت العديد من الأسطر التي كشفت الخلل الذي كانت تعيشه السجون والفساد الذي كان يحيط بها، وهذه القضية التي اتهمت فيها النيابة العامة قيادات في السجن المركزي لحصولهم على رشوة قدرها 600 ألف دينار مقابل تهريبهم 6 من تجار المخدرات من السجن، وعلى الرغم من ضخامة الملف والزخم الإعلامي الذي كان يعاصر القضية وحجم المتهمين فيها، فإن المستشار نايف انتهى إلى براءة المتهمين الرئيسيين في القضية وأدان آخرين اتهموا باستعمال القسوة تجاه عدد من المساجين. سنوات مرت على تلك الأحكام، لكنها محفورة في الذاكرة كالحكم القضائي الذي أصدره المستشار هاني الحمدان في قضية الكاتب في جريدة السياسة محمد المليفي، عندما أدلى بتصريحات صحافية لإحدى الفضائيات عن الوجود الأميركي في الكويت، لكن الحمدان وبحكمه التاريخي قرر أن المحكمة تمتنع عن عقاب المتهم احتراما للديمقرطية التي تعيشها الكويت، وهو حكم يؤكد مدى الاحترام الذي يوليه القضاء لحرية الرأي والتعبير وكل مظاهر الحرية التي تعيشها الكويت، وهو ليس بعيدا عن الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية في بطلانها لنصوص قانون التجمعات.

كثيرة هي الأحكام وكثيرة هي السطور الذهبية التي صاغها مستشارو القضاء الجنائي وغيرهم من قضاة الإداري والمدني والأحوال الشخصية.

back to top