ثلاثية كردية جديدة تترسخ

نشر في 26-03-2010 | 00:01
آخر تحديث 26-03-2010 | 00:01
 مسعود محمد في خطوة لافتة تؤسس لتثبيت دور المعارضة الكردستانية العراقية كشريك استراتيجي يوازي في أهميته الحزبين الكرديين الحاكمين "الديمقراطي" و"الاتحاد"، أعلن القيادي في حركة التغيير محمد توفيق في تصريح لجريدة "الحياة" اللندنية في عددها الصادر أول من أمس الأربعاء أن قائمة التغيير "لن تدخل في أي مشاورات مع أطراف سياسية أخرى بخصوص تشكيل الحكومة العراقية المقبلة إلا بعد إعلان النتائج النهائية والرسمية للانتخابات"، وحول إمكان تلمس موقف كردي موحد إزاء ترشيح طالباني لولاية رئاسية ثانية قال توفيق: "نحن مع هذه الخطوة، ونقبل بها بشرط أن تتم مشاورتنا مسبقاً والأخذ بوجهة نظرنا، أما إذا تم الأمر من دون التشاور معنا فمن الصعب القبول به".

ولعل من أبرز إفرازات الانتخابات البرلمانية الكردستانية والانتخابات البرلمانية العراقية، حسمبا هو متوقع، انتقال الواقع الكردي من الثنائية إلى الثلاثية، حيث سجلت تلك الانتخابات انحساراً للنفوذ المتمدد الذي عاشه الحزبان الكرديان منذ سقوط نظام صدام حسين وأسست لوراثة "مام جلال" (العم جلال) السياسية، هذا فضلاً عن إبرازها لوعي تلك المعارضة وعدم إغفالها الواقع الحقيقي للأكراد حيث إنهم، رغم كل ما تعرضوا له من ويلات في "الأنفال"، و"حلبجة"، وأعمال التهجير الممنهج، يبقون، أي أكراد العراق، هم الأسعد حظاً من أبناء جلدتهم في البلدان المجاورة "تركيا، وإيران، وسورية"، وذلك للإنجاز الذي حققوه في شمال العراق بتحولهم إلى شبه دولة مستقلة.

وبين المطالبة بالحقوق والمزيد منها، يتعين على المعارضة الكردستانية التنبه إلى أنه مازال في العراق ودول الجوار مَن ينتظر فرصة سانحة للنيل منهم وإجهاض تلك التجربة، وفي المقابل ينبغي على الحزبين الكرديين الاعتراف بالواقع الجديد وقبول المعارضة الكردستانية كشريك كامل الحقوق تترتب عليه نفس الواجبات من ناحية الحفاظ على المكتسبات الكردستانية، خصوصاً أن الوصول إلى واقع يكرِّس الدور الكردي في العراق لم يحصل إلا بعد سقوط الدكتاتورية حيث أزال سقوطها الكثير من العقبات التي كانت تعترض طريق العلاقات العربية-الكردية، وأسس لشراكة يمكن أن تكون حقيقية فيما بين جميع الأطياف القومية والطائفية العراقية فيما لو تنازل كل طرف عن المصالح الضيقة لطائفته أو قوميته لمصلحة العراق الموحد القوي.

بيد أن تكريس ذلك الواقع يتطلب قطع أشواط طويلة، كما يتطلب بالدرجة الأولى الدخول في حوار على المستويين الكردستاني والعراقي بهدف مناقشة المشكلات القديمة والجديدة بروح يملؤها الشعور بالمسؤولية من أجل إيجاد الحلول المناسبة والإنسانية لتلك المشكلات، مع العمل على تطويق ما يعترضها من عقبات وتداعيات قد تكون خطيرة إذا استفحلت وتفاقمت، لأنه سيكون من شأنها تعكير صفو العلاقات الكردستانية الداخلية من جانب، والعلاقات الكردستانية-العراقية على الجانب الآخر، بما يؤثر سلباً في مستقبلها ومستقبل الشعبين الكردي خصوصاً والعراقي إجمالاً.

لذلك يتعين على الحوار أن يتسم بالجرأة وأن يشمل مناقشة سبل تكريس الفدرالية في إطار من الوحدة على المستوى العراقي، وأن يتطرق إلى العديد من القضايا الوحدوية من بينها التعرف على كيفية التعاطي مع العلاقات الإقليمية والدولية ومسائل القانون الدولي والإنساني.

وإذا كانت المعارضة العراقية قد اعترفت منذ عام 1992 بحق تقرير المصير للشعب الكردي في "مؤتمر فيينا" وبالفدرالية في "مؤتمر صلاح الدين"، فإن بعض أطرافها مازال متردداً إزاء فكرة الفدرالية، وينظر إلى حقوق الشعب الكردي نظرة قاصرة، لذلك كله تقع على عاتق الحزبين الكرديين والمعارضة الكردستانية مسؤولية تاريخية في ضوء بعض الحقائق منها:  

• لم يعد مقبولاً رسم الخريطه الكردستانية على قاعدة صوران وبهدينان.

• لم يعد مقبولاً إلغاء وجود الأحزاب الكردية المعارضة في أربيل ودهوك لتكريس سلطة الحزب الواحد.

• رغم أن النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية العراقية في كركوك لم تكرس نهج التعايش العربي الكردي التركماني، فإن "حركة التغيير" مطالبة بلعب دور الجسر الوطني فيما بين شقي العراق العربي والكردي وذلك بالعمل على تكريس كركوك كمدينة تعايش ووحدة وطنية.

لذا ينبغي على الأطراف الكردية مجتمعة الاعتراف بأن القاعدة الأساسية للحفاظ على المكتسبات هي الاعتراف بحقوق الغير، وتكريس حقوق الإنسان، ومراعاة رأي السكان ومصالحهم وخياراتهم الحرة، والحرص على السلم الأهلي والاجتماعي، ومعالجة المشكلات الكبيرة مثل قضايا "كركوك"، وتطبيق المادة (140) المترتبة عن الحقبة الدكتاتورية، بشكل إنساني وقانوني، مع الأخذ بعين الاعتبار تأثير تلك الحلول في العلاقة فيما بين "موزاييك" المكونات العراقية المختلفة ومصالحها المشتركة ومستقبلها.

إن اعتراف المكونات الكردستانية ببعضها، واعترافها ببقية الأطراف العراقية، وبالمقابل اعتراف تلك الأطراف بها، لهو إسقاطٌ للممارسات الدكتاتورية التي كانت تعلي مصلحة الفرد فوق مصلحة المجتمع، وتعويضٌ عن الواقع الأليم الذي عاناه الأكراد طويلاً في مسائل الحقوق القومية والقانونية والشرعية.

فالاعتراف بالآخر والتحول إلى جسر وطني يحتاجان إلى جرأة، والمكتسبات الكردستانية تستحق تضحيات.

back to top