نظرة عميقة إلى أزمة الصواريخ السورية

نشر في 19-04-2010
آخر تحديث 19-04-2010 | 00:01
يرتفع احتمال اندلاع صراع إقليمي وظهور تحدٍّ جديد أمام سياسة التواصل التي يعتمدها الرئيس أوباما بسبب الأخبار القائلة إن الرئيس السوري بشار الأسد زوّد "حزب الله" بصواريخ سكود.
 فوراين بوليسي    أدى تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، يوم الثلاثاء، إلى توتر المسؤولين في دمشق وواشنطن حين ادعى أن سورية تزود الميليشيا الشيعية اللبنانية "حزب الله" بصواريخ سكود التي تتمتع بدقة ومدى يخولانها الوصول إلى مدن إسرائيلية إضافية أكثر من أي وقت مضى. يرتفع خطر اندلاع حرب جديدة بين إسرائيل وأعدائها في المنطقة، بالإضافة إلى إضعاف جهود الرئيس الأميركي باراك أوباما في تواصله مع سورية، بسبب تصريح الوزير غير المتوقع، مع أن النظام السوري نفى هذا الأمر بشكل قاطع.

ها هو نبأ نقل الصواريخ المزعوم يطغى الآن على خبر إقرار مجلس الشيوخ تعيين السفير الذي اختاره أوباما في سورية، روبرت س. فورد، الذي سيصبح أول ممثل لواشنطن في دمشق بعد أكثر من خمس سنوات. يشكّل قرار الرئيس السوري بشار الأسد في نقل عدد إضافي من الأسلحة العالية الدقة والبعيدة المدى إلى "حزب الله" تطوراً مخيفاً بالنسبة إلى المسؤولين الأميركيين الذين تمنوا أن يدفع انفتاح أوباما الدبلوماسي النظام السوري إلى اعتماد مواقف معتدلة، مع إقدام دمشق على تزويد حليفها اللبناني بعدد متزايد من الأسلحة الفتاكة، تتراجع مصداقية سورية كشريك سلام لإسرائيل.

تتدفق الأسلحة من سورية إلى لبنان منذ عقود طويلة، لكن في الأشهر الأخيرة، أشارت التقارير إلى أن تطور أنظمة الأسلحة التي يتلقاها "حزب الله" بلغ مستويات عالية. في أكتوبر 2009، نقلت المجلة العسكرية البريطانية "جينز ديفينس ويكلي" أن سورية زودت "حزب الله" بصواريخ من طراز "إم-600"، وهي نسخة سورية بديلة من الصواريخ الإيرانية "فاتح 110" التي يمكن أن يحمل نظام التوجيه فيها شحنة بوزن 500 كيلوغرام ليصل إلى هدف على بُعد 250 كيلومتراً.

في أوائل مارس، أخبر رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية التابعة لقوات الدفاع الإسرائيلي، الجنرال يوسي بايداتز، لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست أن سورية زودت "حزب الله" أخيراً بأنظمة دفاع جوي محمولة على الكتف من طراز "إيغلا- إس". يمكن أن تُسقط هذه الأسلحة المحمولة على الكتف الطائرات الإسرائيلية من دون طيار، والمروحيات الحربية، والطائرات المقاتلة التي تحلّق بشكل دوري على ارتفاع منخفض فوق لبنان لجمع المعلومات الاستخبارية.

عادت التقارير المتعلقة بارتفاع عدد الأسلحة المنقولة إلى الواجهة مجدداً بعد تعيين فورد سفيراً في 16 مارس، وسرت شائعات في الكونغرس الأميركي مفادها أن سورية سلمت صواريخ "سكود- دي" إلى لبنان. لم تحدّد تلك التقارير ما إذا كانت الصواريخ روسية الصنع أو نسخات سورية منها، وهي عبارة عن نسخات متطورة عن نماذج "سكود" القديمة التي يُقال إن سورية بدأت بإنتاجها بكميات هائلة خلال السنة الماضية. تصل الصواريخ حتى نطاق 700 كيلومتر، ما يعني أنها قادرة على ضرب معظم، بل جميع، المدن الإسرائيلية حتى لو أُطلقت من شمال لبنان، كما يمكن أن يحمل نوعا الصواريخ رؤوساً حربية كيماوية أو بيولوجية.

بعد أقل من أسبوع على زيارة نائب وزيرة الخارجية للشؤون السياسية، ويليام بيرنز، في 17 فبراير- وهو أهم مسؤول أميركي يزور دمشق بعد أكثر من خمس سنوات- استضاف الأسد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله على مأدبة طعام في دمشق. خلال تلك الزيارة، سخر الأسد علناً من الجهود الأميركية لإبعاد سورية عن إيران وصرّح بأنّ حكومته "تحضّر نفسها لمواجهة أي اعتداء إسرائيلي".

تدل عمليات نقل الأسلحة على ما يبدو على تشبّث الأسد بموقفه العدائي، فبعد أن شكّل لبنان ساحة حرب بين سورية وإسرائيل لفترة طويلة، قد تكون عمليات نقل الأسلحة مؤشراً على أن الرئيس السوري يحسب أن الحرب المقبلة مع إسرائيل قد تشمل ضربات على الأراضي السورية. في المقابل، يرى آخرون أن هدف عمليات نقل الأسلحة قد يكون الضغط على الولايات المتحدة لإعادة إسرائيل إلى طاولة المفاوضات، وهو تكتيك غريب أثبت فشله.

في محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة، زار قادة أميركيون أعضاء الكونغرس- أبرزهم السيناتور جون كيري- دمشق خلال الأسابيع الأخيرة في محاولة للتعرف على موقف الأسد المباشر من المسألة. لكن بقيت نتائج الاجتماعات غير معلنة. في غضون ذلك، يُقال إن الولايات المتحدة أصدرت في بيروت عدداً من المذكرات الدبلوماسية ووجهتها إلى رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري للتذمر بشأن عمليات نقل الأسلحة، وبما أن الحكومة اللبنانية لا تسيطر على الحدود اللبنانية السورية، فلن تجدي على الأرجح تلك المذكرات نفعاً.

أدى الكشف عن تلك المعطيات إلى بروز ردود أفعال متضاربة في واشنطن بشأن سياسة التواصل مع سورية. يقول المشككون إن مقاربة التواصل العشوائية التي تعتمدها فرنسا والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي- والآن الولايات المتحدة- أدت إلى انتشار موجة غريبة من "التفوق السوري"، ما دفع الأسد إلى العودة إلى التصاريح المتهورة. برأيهم، يشكل قرار سورية إرسال صواريخ "سكود" إلى لبنان إثباتاً على أن دمشق لا تنوي الابتعاد عن طهران، وسيؤدي تعيين سفير أميركي في سورية في ظل الظروف الراهنة إلى إعطاء إشارة خاطئة إلى دمشق وزيادة جرأة الأسد.

يرى المدافعون عن اعتماد خطة تواصل أعمق مع دمشق أن إرسال سفير إلى هناك سيساهم في تعزيز التواصل مع النظام السوري، ما يساعد في منع وقوع أي أزمات مستقبلية. من النتائج غير المقصودة التي أنتجتها سياسة واشنطن لعزل سورية، زيادة أهمية السفير السوري عماد مصطفى الذي أثبت أنه محاور غير متعاون. قد تؤدي عودة سفير أميركي إلى دمشق إلى نشوء قنوات تواصل جديدة تتيح الاستغناء عن مصطفى، بالإضافة إلى تجنب أي "حادث" قد يشعل الصراع، في ظل تزايد التوتر بين سورية وإسرائيل.

اليوم، تتوقف قدرة الدبلوماسية الأميركية بشأن منع وقوع أزمة على موقع صواريخ "سكود" راهناً، وتشير التقارير على لسان المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين إلى أن الصواريخ عبرت الحدود، لكن لم يتضح بعد عدد الصواريخ المعدة إلى "حزب الله" التي لاتزال داخل الأراضي السورية، فإذا نشب أي قتال، يخشى الدبلوماسيون في واشنطن أن يصبح الصراع مصدر إلهاء عن المصالح الوطنية الأميركية الحرجة، أي الجهود الهادفة إلى وقف برنامج إيران النووي. في حال وقوع حرب إقليمية، لا شك أن واشنطن ستلتهي عن مهمتها الأساسية التي تقضي بحشد الدعم الدولي اللازم لفرض عقوبات على إيران في الأمم المتحدة. بعد أن أثبتت الحرب بين إسرائيل و"حزب الله"، عام 2006، على استحالة إبطال قوة "حزب الله" من دون التعاون السوري، تمكّن نظام الأسد من كسر العزلة الدولية التي كان يواجهها، وهو درس تعلّمته طهران.

لطالما ردّت إسرائيل على التهديدات التي تواجهها، مثل تفجير موقع الصواريخ الخاصة بـ"حزب الله" في لبنان. لكن خلال السنة الماضية، أشارت إسرائيل في مجالسها الخاصة إلى أن الصراع المقبل قد يشمل توجيه ضربات إلى سورية أيضاً، أو ربما يستهدف قوافل الأسلحة أثناء عبورها الحدود اللبنانية السورية التي يسهل اختراقها.

على الرغم من ارتفاع احتمال حصول رد سوري،فإن بعض المسؤولين الإسرائيليين يرون ناحية إيجابية من ضرب المعدات العسكرية في سورية ولبنان في آن. يقول المحللون إن معظم القرارات المتعلقة بخوض الحرب سترتكز على حسابات إسرائيل الاستراتيجية في الشمال، لكنها حسابات متعلقة بالمنطقة ككلّ، وتحديداً إيران. إذا أقدمت اسرائيل على تدمير أسلحة "حزب الله"، فسيتسنّى لها الوقت الكافي لتقليص خطر الهجمات الصاروخية على المدن الإسرائيلية، ما يعطي إسرائيل فرصة ذهبية لضرب إيران من دون مواجهة رد فوري من حلفاء طهران في الشمال. لن يكون هذا السيناريو قليل الكلفة على إسرائيل، لكن نظراً إلى تزايد مخاوفها بسبب امتلاك إيران أسلحة نووية، قد يقبل القادة الإسرائيليون بأخذ هذه المجازفة. ربما لاتزال مواقف المعتدلين هي السائدة اليوم لأن أي ضربة إسرائيلية على إيران يبقى احتمالاً بعيد الحصول حتى الآن.

سيضطر السفير المعيّن روبرت فورد إلى التعايش وسط هذا الوضع المضطرب، ويمثّل التصعيد المفاجئ من جانب النظام السوري تحدياً جديداً لسياسة التواصل التي يعتمدها أوباما، ولا ننسى السلام الإقليمي، فنجحت الدبلوماسية الهادئة حتى الآن في منع تدهور الوضع ونشوء حرب شاملة. لكن إذا حددت إسرائيل موقع صواريخ "سكود" في لبنان، قد لا يستمر هذا الهدوء الظاهري طويلاً.

Andrew J. Tabler

back to top