الخليج وكوريا الجنوبية يواجهان تهديدات مماثلة

نشر في 11-06-2010
آخر تحديث 11-06-2010 | 00:01
توجد عوامل مشتركة بين طهران وبيونغ يانغ؛ تنتهك الدولتان المبادئ الأساسية المتعلقة بالأمن الدولي وهما تختبران صبر الدول المجاورة وخصومها، ولهذه الأسباب، يراقب قادة الخليج بلا شك تطور الوضع في آسيا عن كثب ويستخلصون الدروس خدمةً لأمنهم الخاص.
 ذي ناشيونال خلال عطلة الأسبوع الأخيرة في سنغافورة، استمعتُ إلى أهم المسؤولين الآسيويين، بمن فيهم الرئيس الكوري لي ميونغ باك، وهم يصفون المعضلة التي يواجهونها للتعامل مع كوريا الشمالية خلال حوار شانغريلا في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فكان يصعب عدم مقارنة تلك المعضلة بمشكلة دول الخليج في التعامل مع إيران، وفي الواقع، تعاني منطقة الخليج نقطة ضعف تجاه التصعيد العسكري بسبب الاستفزازات أو الحوادت المتواصلة، تماماً كما يحصل في المياه المضطربة في شمال آسيا.

من المؤكد أن جميع تلك المقارنات شائبة، وعلى الرغم من الروابط الوثيقة التي تربط بين إيران وكوريا الشمالية على مستوى الدفاع وعداوتهما للولايات المتحدة، لا يتحلّى البلدان بنقاط مشتركة كثيرة على مستوى النظام والمجتمع والمصالح والطموحات.

تحارب كوريا الشمالية للصمود، وقد أصبحت تُعتبر منذ الآن قوة نووية تملك أسلحة ضخمة، لكنها لا تضاهي قوة خصومها، فإنها بلد معزول ويعاني المجتمع فيه الجمود.

من جهتها تحارب إيران لاكتساب النفوذ والهيمنة على المنطقة، وقد تقرر وقف الجدل القائم بشأن صنع قنبلة نووية وتعوّض عن ضعفها العسكري بالحصول على إمكانات مختلفة، فهي تتمتع بنفوذ إقليمي ولديها حلفاء في المنطقة، ويتميز المجتمع فيها بالحيوية، لكنه منقسم.

توجد عوامل أخرى مشتركة؛ تنتهك الدولتان المبادئ الأساسية المتعلقة بالأمن الدولي وهما تختبران صبر الدول المجاورة وخصومها. لهذه الأسباب، يراقب قادة الخليج بلا شك تطور الوضع في آسيا عن كثب ويستخلصون الدروس خدمةً لأمنهم الخاص.

لايزال السبب الذي دفع كوريا الشمالية إلى إغراق سفينة "تشيونان" التابعة لكوريا الجنوبية منذ ثلاثة أشهر مجهولاً، وربما نجم الأمر عن الانقسامات داخل قيادة كوريا الشمالية في فترة تحتدم فيها مسألة الخلافة على الحكم وتدلي فيه بيونغ يانغ بتصاريح جريئة في محاولة لزيادة الرهانات قبل استئناف المفاوضات أو حصول رد على الحوادث السابقة. في جميع الأحوال، ذكّرت هذه المفاجأة السيئة العالم باحتمال وقوع حرب ساخنة ومدمّرة في شبه الجزيرة الكورية.

عكست هذه الأحداث أيضاً صعوبة تحديد رد مناسب على الاستفزازات التي يثيرها بلد يميل إلى اعتماد سياسة حافة الهاوية. في الواقع، كان رد كوريا الجنوبية حذراً على الرغم من الغضب الشعبي السائد، وامتنعت سيول عن توجيه أي اتهامات قبل صدور نتائج تحقيق يشمل خبراء دوليين. حين ثبتت مسؤولية كوريا الشمالية بشكل كامل، استشارت سيول الدول المجاورة لها وحلفاءها لرسم استراتيجية دبلوماسية مناسبة، ثم قررت إحالة المسألة إلى مجلس الأمن منذ بضعة أيام وتعزيز تعاونها الدفاعي مع أبرز حليف لها: الولايات المتحدة.

يشير هذا الرد الحذر إلى بلد واثق ومسؤول يجب أن يأخذ في الاعتبار التكاليف الإنسانية والاقتصادية والاستراتيجية لأي مواجهة عسكرية، لكن قد يكون هذا السلوك خاطئاً بسبب ضعف كوريا الشمالية التي قد لا تحتسب التكاليف بالطريقة نفسها. الأسوأ بعد هو أن كوريا الشمالية يمكنها الاعتماد على حليفتها الوحيدة، الصين، للاحتماء من أي ضغوط إضافية. رفضت بكين إدانة بيونغ يانغ أو حتى الاعتراف بذنبها، إنه سلوك مقلق بالنسبة إلى دولة عملاقة ناشئة في العالم، لكن وفقاً للخبراء الآسيويين، عبّرت الصين على الأرجح عن سخطها مما حصل لكوريا الشمالية.

أهم درس يمكن استخلاصه من هذه الأحداث هو على الأرجح عدم فاعلية الأدوات الدبلوماسية التقليدية لمواجهة دولة مجازِفة ومسلّحة نووياً، فلا تولّد النية الحسنة نيةً حسنة عند الجميع بالضرورة. قدّم تجمّع متعدد الجنسيات يُعرَف باسم محادثات الأطراف الستة إلى كوريا الشمالية كل ما تريده من مساعدات غذائية وإمدادات بالطاقة وضمانات سياسية. كذلك، أقدمت الولايات المتحدة على شطب اسمها من لائحة الدول التي تروّج للإرهاب مقابل وقف برنامجها النووي، وقبلت كوريا الشمالية بالتنازلات لكنها لم تغيّر مسارها.

عدا تمديد فترة الأزمة على شبه الجزيرة الكورية، تؤدي هذه الأحداث إلى تداعيات خطيرة على الأمن العالمي، ففي الواقع، تؤدي فكرة أنّ كوريا الشمالية قادرة على التهرّب من أي سلوك سيئ بهذه الكلفة المتدنية إلى نسف عامل الردع الذي يشكّل أساس الاستقرار. توسّع الولايات المتحدة مظلتها الدفاعية لتطول حلفاءها الآسيويين، وهي بذلك تمنع حصول سباق تسلّح نووي تقليدي. إذا كانت المظلة الأميركية تُعتبر فاقدة للمصداقية أو غير قابلة للصمود، قد تقرر بلدان مثل اليابان وكوريا الجنوبية إما تقرير مصيرها بأنفسها، ما يولّد اضطرابات إضافية مع الصين وكوريا الشمالية، وإما الرضوخ للهيمنة الصينية.

يتخيّل البعض العالم من دون الولايات المتحدة، لكن لم تنبثق هذه الفكرة عن محادثات أُجريت مع المحاورين الآسيويين الذين يعترفون جميعاً بأهمية وجود الولايات المتحدة القوية لضمان استقرار آسيا باعتبارها قوة تتصدى للصين.

تواجه دول الخليج مخاوف مماثلة لكنها أضخم على الأرجح، فهي تلاحظ توسّع نفوذ إيران التي ترفض الانفتاح الدبلوماسي، وتتفوق في ذكائها على المجتمع الدولي، وتمضي قدماً نحو تطوير برنامجها النووي، لكنّ احتمال تصعيد الوضع في المياه الخليجية أمر واقع. عام 1988، أسقطت الولايات المتحدة بالخطأ طائرة مدنية كانت متوجهة من بندر عباس إلى دبي، وعام 2007، اعتقل الحرس الثوري الإيراني بحّارة بريطانيين، وعام 2008، استعمل أحد الرجال تردد الإذاعة البحرية لإيهام السفن الأميركية بأنها توشك على التعرض لهجوم، ما عزز الاضطرابات البحرية بين الولايات المتحدة وإيران.

عولجت هذه الأزمات بطريقة سلمية، لكن يسهل تخيّل ما كان سيحصل لو أنّ الأمور سارت بشكل سلبي. تماماً كما تفعل كوريا الجنوبية، يجب أن تكتشف دول الخليج طريقة للتحكم بسيناريوهات مماثلة بالتعاون مع الولايات المتحدة بدل ترك واشنطن في الواجهة.

يجب أن تعيد النظر أيضاً باعتمادها على الغطاء الأميركي، إذ يحتلّ الجدل القائم في اليابان بسبب قاعدة أميركية لا تلقى تأييداً شعبياً واسعاً لكن تبقى أساسية في جزيرة أوكيناوا أهمية كبرى في هذه القضية. أثار أعداء الولايات المتحدة، بدءاً من إيران ووصولاً إلى أسامة بن لادن، الشعب ضد الوجود العسكري الأميركي في الخليج، وتتفاوت مشاعر الناس بين اللامبالاة والعدائية، لكن في ظل غياب أي تدبير أمني شامل من شأنه ترويض طهران وطمأنتها في آن، سيؤدي رحيل الولايات المتحدة إلى تعقيد مسألة الأمن الإقليمي بدل تحسينها.

تشعر دول الخليج بالقلق بسبب طموحات إيران لكن يجب أن تعبّر عن مصالحها ورؤيتها بشأن الأمن الإقليمي بوضوح أكبر. يمكنها أن تتعلم من براعة لي في التعبير عن رؤية كوريا الجنوبية.

* إميل الحكيم | Emile Hokayem

back to top