ما قل ودل: الحرية والمسؤولية والوحدة الوطنية

نشر في 25-01-2010
آخر تحديث 25-01-2010 | 00:01
 المستشار شفيق إمام الحديث الذي يدور هذه الأيام عن حرية الإعلام، المقروء والمرئي والمسموع، وعن بعض التجاوزات التي وقعت من بعض وسائل الإعلام، بما يهدد الوحدة الوطنية، والمخاوف من تقييد هذه الحرية، من خلال مشروع القانون الذي أعدته وزارة الإعلام للحد من هذه التجاوزات، حديث يحتاج إلى وقفة، نتناول فيها الموضوع من جوانبه الدستورية، من خلال عرض النقاط التالية:

حرية الإعلام

حرص الدستور في المادة السابعة التي استهل بها الباب الثاني الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع الكويتي، على أن يجمع بين مقومات ثلاثة هي: العدل والحرية والمساواة، باعتبارها دعامات المجتمع الكويتي التي لا يقوم بغيرها أي مجتمع فاضل في عالم مليء بالاستبداد والقهر والتمييز.

ونصت المادة (35) على أن حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقا للعادات المرعية.

وكفلت المادة (36) من الدستور حرية الرأي، وأقرت لكل إنسان بحق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما.

كما كفلت المادة (37) حرية الصحافة والطباعة والنشر.

ومؤدى هذه النصوص أن الحرية واحدة- كما قال العلّامة الفرنسي هوريو- وأن الحريات جميعاً هي فروع للحرية تتضامن فيما بينها.

الإعلام لسان حال الأمم

والإعلام لسان حال الأمم، كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي منذ ما يقرب من قرن مضى في قصيدة ألقاها في الاحتفال بإنشاء أول نقابة للصحافة في مصر، حيث استهلها بهذين البيتين:

لكل زمان مضى آية

وآية هذا الزمان الصحف

لسان البلاد، ونبض العباد

وكهف الحقوق وحرب الجنف

صدق أحمد شوقي فالصحافة ووسائل الإعلام الأخرى هي نبض الشعوب، وهي الضمان الأساسي لممارسة سائر الحريات والحقوق العامة، حيث تفتح الباب واسعاً لمناقشات عامة في الموضوعات والسياسات والقرارات كافة، وذلك في الندوات التي تعقدها صفحات الرأي وفي الإذاعة والتلفزيون، التي يقدم فيها الرأي والرأي الآخر والاقتراح والنصيحة، بما يتيح للمواطن حق الاطلاع وحرية المعلومات وتداولها والمشاركة في اتخاذ القرار، وهو جوهر النظام الديمقراطي، فهي حرية مقررة لمصلحة الشعب، وهي على حد تعبير أستاذ الأجيال أحمد لطفي السيد، برلمان غير منتخب، وأن كل صحفي أشبه بنائب في هذا البرلمان.

الحرية والمسؤولية

إلا أن للحرية وجهاً آخر هو المسؤولية، مسؤولية وسائل الإعلام في نقل الحقيقة إلى الشعب دون تشهير أو تجنٍّ أو تضليل أو خداع، وهي مسؤولة أمام الشعب في مواصلتها لرسالتها مقدرة لمسؤوليتها في نقد ما تراه مستوجباً للنقد، على أن تستهدف في ذلك المصلحة العامة وليس التشويق والإثارة.

ويجب على وسائل الإعلام أن تكون مقدرة لمسؤولياتها الدستورية، التي حفلت بها نصوص الدستور، التي تحمي المقومات الأساسية للمجتمع والقيم الأصلية الرفيعة التي يتحلى بها، فالنصوص الدستورية وحدة واحدة يكمل كل نص النص الآخر، بما لا يجوز معه أن يفسر أو يطبق نص المادة (37) من الدستور الخاص بحرية الصحافة بمعزل عن بقية النصوص، ومنها المادة (49) التي تنص على أن "مراعاة النظام العام واحترام الآداب العامة واجب على جميع سكان الكويت".

إذ يعتبر هذا النص قيداً على الحريات كافة التي كفلها الدستور، وقد حرص الدستور على تأكيد الالتزام بهذا القيد، حتى في القيام بالشعائر الدينية عندما نص في المادة (35) على أن "تحمي الدولة حرية القيام بالشعائر الدينية طبقا للعادات المرعية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب".

وهو حكم أراد به مشرع الدستور أن يؤكد أن الحكم العام الوارد في المادة (49)، بمراعاة النظام العام والآداب العامة، لايحول دون الالتزام به حتى أثناء القيام بشعائر الأديان.

الكويت وفرنسا والوحدة الوطنية

ومن المسؤوليات الدستورية للإعلام حماية الوحدة الوطنية، التي يحضرني فيها أن الشعب الكويتي ضرب المثل في وحدته الوطنية خلال فترة العدوان العراقي. وهي حقيقة أكدها تلاحم الشعب الكويتي خلال فترة العدوان العراقي على الكويت، وأن هذا الشعب قد وضع المسألة الوطنية فوق كل خلافاته السياسية والمذهبية والطائفية، في وحدة وطنية وفي تلاحم رائع، وأنه وضع نصب عينيه تحرير البلاد من العدوان.

وهي الوحدة الوطنية التي فشل الشعب الفرنسي في تحقيقها خلال فترة العدوان النازي على فرنسا واحتلال ألمانيا لها، فقد فرقتها الخلافات الحزبية وأضعفت قدرتها على مواجهة العدو.

لذلك كان الشغل الشاغل للزعيم الوطني ديغول بعد تحرير فرنسا هو تحقيق الوحدة الوطنية، لذلك نص الدستور الفرنسي الصادر في عام 1946 على الوحدة الوطنية وحمايتها في أربع مواد، ثم تلاه في تأكيد ذلك دستور ديغول عام 1958.

الوحدة الوطنية في دستور الكويت

وهي الوحدة التي عبر عنها الدستور في استهلال مذكرته التفسيرية للتصوير العام لنظام الحكم، إذ تقرر المذكرة أن الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره هو:

الأصل الجوهري في بناء العهد الجديد.

والعمود الفقري لهذا الدستور.

وتضيف المذكرة "فلقد امتاز الناس في هذا البلد عبر قرون بروح الأسرة تربط بينهم كافة، حكاماً ومحكومين. ولم ينل من هذه الحقيقة ذات الأصالة العربية، ما خلفته القرون المتعاقبة في معظم الدول الأخرى من أوضاع مبتدعة ومراسم شكلية باعدت بين حاكم ومحكوم".

والمذكرة التفسيرية للدستور لها قوة الالزام التي للدستور ذاته.

وفي مقال قادم بإذن الله نستكمل الحديث عن الوحدة الوطنية، ونتناول تجاوزات الإعلام وحريته بين التنظيم والتقييد.

back to top