«اقبض من دبش»

نشر في 01-06-2010
آخر تحديث 01-06-2010 | 00:01
بعد الحيلة العراقية بحل الخطوط الجوية العراقية لتجنب دفع ما عليها من مستحقات تبخرت تعويضات "الكويتية" وأصبحت معدومة، والخوف أن نتعامل مع ملف الديون الكويتية على العراق بالطريقة العنترية ذاتها، وعندها سوف نخسر هذه الديون جميعها، بدلاً من القبول بمقترح استرجاع هذه الديون على شكل فرص استثمارية في العراق، وهو حل عملي وواقعي.
 د. صلاح الفضلي   يروى أن تاجراً حسن السمعة والسيرة كان له شريك اسمه "دبش"، وكان "دبش" على النقيض من صاحبه؛ سيئ السيرة، وكان هو الذي يتعامل مع التجار بتسليم النقود وتسلمها، وفي ذات يوم جمع "دبش" جميع ما يملك, هو وصاحبه, من أموال فأخذها, وأوهم شريكه أنه سيسافر إلى بلاد الصين لجلب الحرير الصيني الفاخر، وكان للتجار بذمة "دبش" وصاحبه أموال كثيرة, ثم إن "دبش" سافر إلى جهة مجهولة حاملا معه كل ما تمكن من جمعه من أموال التجار، وظل التاجر ينتظر عودة "دبش" دون فائدة، وصار التجار يراجعون صاحبه, فيستمهلهم حتى عودة صاحبه "دبش"، وفي ذات يوم جاءه أحد التجار فأخبره بأنه قد عدل عن الشراء, وأنه يريد استرجاع أمواله وطالبه بإعطائها إليه، فطلب منه التاجر أن يظهر له السند الذي يحمله للدلالة على أنهم استلموا هذه الأموال منه، فأنكر الرجل وجود سند معه، فقال له التاجر:"إذا ما عندك سند... اقبض حسابك من دبش". فدهش التاجر من كلام الرجل وعلم أنه قد احتيل عليه، وذهب ذلك القول مثلا يضرب لمن يضيع حقه بسبب سذاجته وسوء تدبيره.

هذا المثل ينطبق على موقف الخطوط الجوية الكويتية من التعويضات المستحقة على الخطوط الجوية العراقية بسبب الطائرات التي تمت سرقتها أثناء الغزو العراقي للكويت. هذه التعويضات أصبحت في خبر كان بعد تصفية الحكومة العراقية للخطوط الجوية العراقية وإشهار إفلاسها للتخلص من المطالبات الكويتية باعتبار أن الخطوط الجوية العراقية لم يعد لها وجود. كان من الممكن الحصول على نسبة كبيرة من هذه التعويضات لولا المواقف العنترية التي أبداها بعض نواب مجلس الأمة تجاه مطالبة العراق بسداد هذه التعويضات بصورة فورية، ورفض مقترح العراق بتقسيط المبالغ على دفعات. مع الأسف فإن الحكومة الكويتية انساقت وراء عنتريات النواب ولم تحسن التعامل مع الموضوع بالإصرار على سداد كامل المبلغ البالغ مليار دولار، مما أضاع على الكويت فرصة الحصول على 300 مليون دولار تعهدت الحكومة العراقية بدفعها لتسوية قضية تعويضات الكويتية، وكما يقال فإن "راعي النصيفة سالم"، ولكن التشدد المبالغ فيه فوت علينا الحصول على هذه المبالغ وجعلنا نقبض من "دبش".

بعد الحيلة العراقية بحل الخطوط الجوية العراقية لتجنب دفع ما عليها من مستحقات تبخرت تعويضات "الكويتية" وأصبحت معدومة، والخوف أن نتعامل مع ملف الديون الكويتية على العراق بالطريقة العنترية ذاتها، وعندها سوف نخسر هذه الديون جميعها، بدلاً من القبول بمقترح استرجاع هذه الديون على شكل فرص استثمارية في العراق، وهو حل عملي وواقعي. الإصرار على القول بأننا نطالب بحقوقنا لن يرجع لنا هذه الحقوق، فالحقوق في السياسة تتغير بتغير موازين القوى والظروف المستجدة، وعلينا أن نعي هذه الحقيقة قبل أن نبكي على الحليب المسكوب ونقبض من "دبش" مرة أخرى، وكما يقول المثل ما لا يدرك كله لا يترك جله، وليتنا نتمثل بيت الشعر الذي يقول:

إذا لم تستطع شيئاً فدعه         

وجاوزه إلى ما تستطيع

تعليق:

ما ورد على لسان الشيخ صباح مبارك الناصر من تهديد لوزير الصحة ودعوته الحكومة للضرب بيد من حديد وتقسيمه المجتمع إلى معازيب ورعية يعبر عن عقلية استبدادية مريضة، ومن المؤكد أن هناك آخرين يحملون مثل هذه العقلية السقيمة التافهة التي تظن أننا لانزال نعيش في عصر الفداوية، ويكفي في الرد على أصحاب هذه العقليات ما ورد في مقالة الزميل حسن العيسى يوم الأحد الماضي.

back to top