المثقفون لـ سيمون دو بوفوار... النساء في أدوار ثانويّة

نشر في 12-07-2009 | 00:00
آخر تحديث 12-07-2009 | 00:00
No Image Caption
تتحدّث رواية الفرنسية سيمون دو بوفوار «المثقفون»، الصادرة بجزأين عن «دار الآداب» البيروتيّة و{دار كلمة» الإماراتية، عن الحياة التي عاشها الفرنسيون لحظة هزيمة ألمانيا وانسحابها من فرنسا في الحرب العالمية الثانية، من خلال متابعة لحظات عيش مثقفين يساريين قاوموا الاحتلال والكشف عن مشاغلهم وهمومهم بعد هذا الانسحاب.

الرواية، في أجزاء منها، بمثابة محاكاة لحياة الروائي البير كامو والفيلسوف جان بول سارتر، نتعرّف من خلالها إلى حيوات متشظية لا تعرف كيفية متابعة الحياة بعد الويلات التي شهدتها خلال الحرب. ففي الرواية سجالات كثيرة عن جدوى الحياة ومعناها، عن الموتى وذكراهم، وكيف نتعامل معها؟ بالتالي، كيف سيتم التعامل مع الفرنسيين الذين تعاونوا مع النازيين، أسئلة كثيرة تدور وفرنسا ما زالت في بداية لملمة آثار الاحتلال بجوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

الحال أن الأسئلة السالفة ما زالت جديرة بالاهتمام في مختلف البلدان التي تعاني أزمات الحرب أو المقاومة، اذ تطرح أسئلة مربكة، ماذا نفعل بالعملاء أو مجرمي الحرب؟ هل نسامحهم؟ هل نعاقبهم؟ ماذا سيكون موقفنا اتجاه الموتى وهل نكون أوفياء لهم اذا ما اقمنا القصاص بحق القتلة؟ وأين الوفاء لهم في ما لو تجاوزنا ما ارتكب بحقهم تحت حجج لحمة المجتمع وألا طائلة من هذه المحاكمات في زمن السلم وأن ما يجوز في الحرب لا ينطبق على زمن السلم؟

لا شك في أن الأبطال المعنيين بالأمر وجدوا ألا بد من أن ينحاز المثقف لقضايا تؤرق مجتمعه وألا يقف على الحياد، وفي رواية دو بوفوار يبدو تأثير المثقفين على الأحداث والمجتمع واضحاً، خصوصاً في خضم الصراع بين الشرق والغرب أو بين الاتحاد السوفياتي (السابق) وأميركا. ولا شك في أن أوهاماً راودت تفكير هؤلاء المثقفين الذين بالغوا في استعراض امكاناتهم وفرضوا أو توهموا أدواراً لأنفسم لا تجيزها مواقعهم المتواضعة، ومن المفيد هنا الإشارة إلى جدال فكري دار بين بطلي الرواية عندما ظهرت إلى العلن معسكرات الاعتقال في الاتحاد السوفياتي (السابق)، حول الخطوات الواجب اتخاذها تجاه الممارسات المشينة لبلاد الاشتراكية الأولى.

دعا بعض المثقفين الى ضرورة مناصرة الاتحاد السوفياتي في وجه معركته الكبرى مع أميركا، فيما انتقد البعض الآخر، وكان إنسانيّاً أكثر من الأول، هذه المعسكرات لأنها نشأت في بلد يدعي أنه جاء نصرة للعمال ولإحقاق العدالة الإنسانية.

أخذ النقاش حول هذه القضية وغيرها مساحة كبيرة في الصحف والاجتماعات وأدى إلى نشوء عداوات كثيرة في الأوساط الثقافية، لكنه يؤشر إلى طبيعة الأدوار الملقاة على عاتق المثقفين ومغالاتهم في حجمهم وإمكاناتهم وتأثيرهم في مجرى الأحداث التي يتصورونها، والتي ينقصها التواضع.

في أحد الحوارات يتحدّث أبطال الرواية حول جدوى الصحافة والكتابة في ظل الاصطفاف العالمي بين شرق وغرب، فهل من الممكن أن تتبلور أوروبا موحدة ومستقلة؟

انتحار

يبدو دور المرأة الثانوي المجحف في حقها واضحاً في «المثقفون»، فالبطلات ترتبط مصائرهن غالباً بأزواجهن وعشّاقهن، ولا يرين أفقا أو مستقبلاً بمعزل عن نجاحات رجالاتهن. كذلك نلاحظ سرعة انكسارهن أمام خيبات الحب وسهولة سيطرة الكآبة والإقبال على الجنون أو محاولة الانتحار. فالبطلة طبيبة نفسيّة عالجت كثيرين، وكانت تعي طبيعة المأسي التي يعيشها الناس بعد الحرب، لكنها على رغم ذلك حاولت الانتحار، حتى إنها اعتبرت في أحد فصول الرواية أنه كان سهلاً عليها قبل الحرب إعادة ربط مرضاها بالحياة ذلك أن المستقبل كان يوحي بالأمل، أما اليوم وغداة انتهاء الحرب وانسداد الأفق أمام الناس، تجد الأمور أصعب وأشد تعقيداً وتقف عند نهاية علاقتها بعشيقها الأميركي عند حافة الانتحار. يمكن لنا القول إن تركيبة شخصيات الرواية النسائية فيها الكثير من التعقيد والتراجيديا وميل إلى التطرّف، فعلى رغم ما قد يظهرن به أحياناً من تعقّل إلا أنهن يشعرن القارئ بحزن شديد عليهن غالباً، على عكس رجال الرواية الأقوياء الذين لا تهزّهم الأحداث إلا نادراً وينتقلون من مرحلة إلى أخرى ومن هزينمة إلى أخرى من دون أن تترك عليهم آثاراً مبرحة.

تمتاز الرواية بقدرة كاتبتها على الاسترسال بحوارات داخلية تجريها البطلة مع نفسها، وبتتابع أسئلتها إلى النهاية عن دوافع تصرفاتها والآخرين. وبترجمتها إلى العربية عرّفتنا «المثقفون» بالقرن العشرين المنصرم وأبطاله.

back to top